اشتهرت ماري أستيل اليوم بأنّها واحدة من أوائل النسويات الإنجليزيات، وتُعرف أيضًا باسم كاتبة الكتيبات السياسية لحزب المحافظين والمدافعة الأنجليكانية والخطيبة البليغة والمنظرة التربوية، وتفسر جاكلين برود أستل أولاً وقبل كل شيء على أنّها فيلسوف أخلاقي أو كشخص ملتزم بتقديم إرشادات حول أفضل طريقة للعيش وكيفية تحقيق السعادة، وهي صاحبة وجهات نظر سياسية محافظة والتي من الأفضل فهمها في ضوء أهدافها الأخلاقية، ويُقال إنّ جوهر فلسفة أستل يكمن في نظرية الفضيلة والمبادئ التوجيهية حول كيفية تنمية كرم الشخصية والتصرف الخيري تجاه الآخرين وفضيلة الاعتدال.
النظرية الأخلاقية لأستل:
من حيث نهجها الأخلاقي من الأفضل وصف أستل بأنّها عالمة أخلاقية مسيحية، ففي رأيها على جميع البشر واجب العيش وفقًا لقانون الله، ومع ذلك فهي أيضًا منظِّرة فضيلة لدرجة أنّها تعتقد أنّه يجب علينا تطوير نزعة لطاعة القانون الإلهي ويتطلب تطوير هذه الشخصية أن ننمي الفضيلة، ويمكن العثور على هذه الآراء الأخلاقية في جميع أعمالها وخاصة في رسائلها والاقتراح الثاني والدين المسيحي.
وفقًا لتعريف أستل الصارم تتمثل الفضيلة في اكتساب الروح للسيطرة على الانطباعات الجسدية وتوجيه عواطفها نحو الأشياء الصحيحة في الملعب الصحيح (أو الشدة) وفقًا لإملاءات العقل، كما إنّها تحذر من أنّ المشاعر الجسدية للحب والكراهية والخوف والرغبة والفرح يمكن أن يكون لها تأثير مزعج على العقل البشري، فعندما نكون في عبودية مثل هذه المشاعر يمكننا أن ننجرف ونطارد الأشياء الخاطئة بحماسة، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى تدميرنا الأخلاقي والروحي، وبالتالي فإنّ التنظيم الصحيح للعواطف يلعب دورًا مهمًا في بلوغ الفضيلة.
تعتقد أستل أنّ العواطف لا يجب أن تكون عقبة في طريق الفضيلة شريطة أن تكون مقدسة أو مطهرة بطريقة ما، وكاستراتيجية طويلة المدى تجاه التطهير يجب أن نتأمل بعناية في ما هو جيد حقًا وسيئ حقًا وأن نتبع فقط تلك الأحكام الأخلاقية التي تنبثق من المعرفة، ومن الأمور الحاسمة في هذا المسعى يجب أن نتعلم تركيز انتباهنا على الأشياء الصحيحة بما في ذلك طبيعتنا كأشياء تفكير والطبيعة الحقيقية للكائنات المادية، وطبيعة كائن مثالي بلا حدود، وغالبًا ما يضل الوكلاء الأخلاقيون وفقًا لأستل لأنّ لديهم أحكامًا خاطئة حول طبيعة وقيمة هذه الأشياء.
هناك عدد من الفضائل (امتياز الشخصية) التي تبرز بشكل بارز في نظرية أستل الأخلاقية، ومن أهمها الخير والكرم والصداقة، والإحسان هو تمني الخير للآخرين فقط من أجل تعزيز رفاهيتهم وليس لدوافع أنانية، وفي كتاباتها غالبًا ما يتناقض حب الخير مع حب الرغبة، وهو نوع أناني من الحب للآخرين حيث نرغب في امتلاكها، وحول هذا الموضوع تشترك وجهات نظرها كثيرًا مع النظرة الأوغسطينية لمراسلها جون نوريس.
مثل نوريس تؤكد أنّ الوكيل الفاضل أمر بالحب بشكل صحيح، ففي رسائلهم اتفقوا على أنّ البشر يجب أن ينموا حبًا حصريًا للرغبة في الله، وهو كائن مثالي بلا حدود لأنّه الكائن الوحيد القادر حقًا على إشباع رغبتنا، وتجاه إخواننا من بني البشر يجب أن نشعر فقط بحب الخير، ويجب أن نزرع النية الحسنة النزيهة بدلاً من الرغبة الأنانية، وعلى عكس نوريس تؤكد أستل أنّ الرغبة الحصرية في الله يمكن أن يكون لها فائدة إضافية تتمثل في مساعدتنا على تنظيم عواطفنا وتنمية موقف غير تملكي تجاه الآخرين.
من وجهة نظر أستل فإنّ فضيلة الكرم (أو امتلاك روح كريمة ومزاج كريم) توفر أيضًا علاجًا لرغباتنا الأنانية، ومثل ديكارت في كتابه عواطف الروح عام 1649 فهي تعتبر فضيلة الكرم نوعًا من احترام الذات وتقديرًا لأنفسنا على أساس بعض السمات النبيلة أو الجديرة بالاهتمام.
وأكثر من ذلك فإنّ الكرم يكمن في الاعتراف بأنّ قيمتنا الأخلاقية تكمن في ممارسة إرادتنا الحرة، بالإضافة إلى الالتزام الراسخ دائمًا ببذل قصارى جهدنا، فأولئك الذين يتمتعون بفضيلة الكرم يتوقفون في النهاية عن الرغبة في استحسان الآخرين، لأنّهم لا يهتمون حقًا بما يفكر فيه بقية العالم في اختياراتهم وأفعالهم، وطالما أنّهم هم أنفسهم يسعون دائمًا إلى فعل ما هو أفضل في أذهانهم فهم منيعون من اللوم والسخرية.
تقول أستيل في اقتراحها الثاني إنّ الصعوبة التي تواجهها النساء تكمن في أنّهن تم تكييفهن ثقافيًا لتقدير أنفسهن على الخصائص العرضية مثل مظهرهن وملابسهن، ولقد اكتسبن إحساسًا خاطئًا باحترام الذات لأنّهن لم يتم تشجيعهن على تقدير أنفسهن على أنّهن كائنات عقلانية تفكر مع حرية الإرادة، ومن أجل تنمية احترام الذات المبرر وفقًا لأستل يجب السماح للمرأة بتدريب عقلها ودراسة الفلسفة والدين، كما إنّها تعتقد أنّ المسيحية على وجه الخصوص تسهل تنمية الكرم لأنّها تعلمهم أنّ ما هو ذو قيمة حقًا لا يعتمد على الأشياء العابرة في هذا العالم.
أخيرًا تلعب فضيلة الصداقة (نوع من حب الخير) دورًا مهمًا في الفكر الأخلاقي لأستل، فمن وجهة نظرها تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لأكاديميتها النسائية في أنّها ستمكّن الصداقات الفاضلة من الازدهار بين النساء، وسيراقب هؤلاء الأصدقاء بعد ذلك التقدم الأخلاقي والفكري لبعضهم البعض بهدف نصح وتشجيع بعضهم البعض نحو الكمال.
الفكر السياسي:
تم تفسير أستل على نطاق واسع على أنّها ناقدة لفكر لوك السياسي وكمعارضة صريحة لنظريات الويغ عن الحرية والتسامح والمقاومة، فبالنسبة لبعض المعلقين من المحير أنّ أستل يمكن أن تكون نسوية ومحافظًا للكنيسة العليا، وللوهلة الأولى يبدو أنّ دعمها لحرية المرأة في الحكم لا يتوافق مع دعمها لحزب سياسي يعارض حرية الضمير والأخلاق التسامعية وغيرها من التهديدات المتصورة للكنيسة الأنجليكانية.
لتبديد هذه التوترات سلط العلماء الضوء على حقيقة أنّ الحركة النسوية لأستل تأسست على مبادئ فلسفية وليس على مُثُل سياسية تقدمية، وهذا يفسر جزئيًا سبب عدم مطالبة أستل بالمساواة السياسية الكاملة للنساء في عصرها.
تمشيًا مع اللاهوت السياسي الأنجليكاني تؤكد أستل أنّ جميع الأفراد ملزمون بمراعاة عقيدة الطاعة السلبية، وهي الفكرة القائلة بأنّ الأشخاص يجب أن يطيعوا السلطة السياسية بفاعلية حيثما يستطيعون، وأنّ يخضعوا بهدوء لعقوبة العصيان حيث لا يستطيعون (في تلك الحالات)، على سبيل المثال حيث تأمر السلطة بشيء خاطئ أو غير ديني.
من وجهة نظرها لا يمكن أبدًا تبرير الأشخاص السياسيين للانخراط في مقاومة نشطة للتاج حتى لو كان التاج يتمتع بسلطة استبدادية وتعسفية، ودفعت هذه الالتزامات أستل إلى انتقاد آراء لوك فيما يتعلق بالقانون الطبيعي للحفاظ على الذات وحق المقاومة في رسالتين له عام 1689.
من وجهة نظر لوك لكل رجل حق متساو في التحرر من السلطة التعسفية، وفي الحالة الطبيعية عندما يهدد رجل آخر باستعبادي يحق لي أن أقاومه من أجل الحفاظ على حياتي وحريتي وممتلكاتي، وفي المجتمع المدني يتم إنشاء سلطة سياسية لضمان الحفاظ على حياتي وحريتي وممتلكاتي، ولكن إذا فشلت تلك السلطة في العمل من أجل الصالح العام، وتمارس سلطة استبدادية تعسفية بدلاً من ذلك، فأنّه لا يزال بإمكاني ممارسة حقي في المقاومة كامتداد للقانون الطبيعي للحفاظ على الذات، كما يمكنني خلع تلك السلطة بالقوة إذا لزم الأمر.
رداً على ذلك في دينها المسيحي تتفق أستل مع لوك في أنّ الحفاظ على الذات هو حق أساسي، ولكن من وجهة نظرها فإنّ الحفاظ على الذات بالمعنى الدقيق للكلمة يتمثل في الحفاظ على الروح الخالدة غير المادية، لذلك وفقًا للقانون الطبيعي لا يُسمح لنا أبدًا بالعمل إلّا لتأمين أرواحنا من الهلاك، ومن وجهة نظرها الأنجليكانية يستلزم الحفاظ على النفس الطاعة السلبية وليس المقاومة النشطة.