فلسفة الأخلاق الأبيقورية في المتعة والألم

اقرأ في هذا المقال


فلسفة الأبيقورية تقبل الآراء التي تم التطرق إليها قبل كل شيء أنّ العيش بشكل جيد يتكون من الفضيلة أو النشاط الفاضل، على الرغم من أنّ الأكاديميين متشككون إلّا أنّهم على ما يبدو يجدون هذا النوع من وجهات النظر معقولاً أكثر من البدائل، حيث هناك نوع آخر من النظريات الأخلاقية القديمة تقول إنّ العيش الكريم هو المتعة، وأهم هذه النظرة هي الأبيقورية.

المنظور العام للفلسفة الأبيقورية:

أسس أبيقور ساموس مدرسته في الحديقة في مدينة أثينا، وقد علم أتباعه فن العيش الرشيد:

1- الاعتقاد الرئيسي هو اللذة هي نهاية الحياة فباللذة قصد عدم الألم، فاللذة تحرر الجسد من الألم والروح من اللبس وليست حالة إيجابية، كما علمه الزهد المعتدل وضبط النفس والاستقلالية، فلا ينبغي للمرء أن يتحمل مسؤوليات ثقيلة والمشاركة الجادة، والملذات التي تدوم طوال العمر هي ملذات لا لحظات، وقد أشاد أبيقور بحياة لا يلاحظها الآخرون.

2- المتعة هي عدم الشعور بالألم أو تجنب الألم وليس الرضا الإيجابي، والأهم من ذلك اللذة هي عدم وجود روح مضطربة، ومن الأمثلة على ذلك: اللذة الذهنية وصفاء الروح وصحة الجسد، وعلى الرغم من أنّ كل ألم هو شر وجيد المتعة، إلّا أنّ مذهب المتعة الأبيقورية تهدف إلى حياة هادئة وليس التحرر والإفراط، فتجنب الملذات الشديدة لها ما يصاحبها من ألم، والمتعة الدائمة ليست إحساسًا بالجسد، وعلى الرغم من تعذيبه على الرف إلّا أنّ الحكيم كشخص لا يزال سعيدًا.

3- ميّز أبيقور بين الملذات الأعلى والأدنى، فالملذات الأعلى هي ملذات العقل أي الفكرية والجمالية، والملذات الدنيا هي ملذات الجسد من الطعام والشراب والجنس.

الفلسفة الأبيقورية في المتعة:

على الرغم من أنّ الأبيقوريون يملكون قيم متطرفة من نواحٍ أخرى، إلّا أنّ الأبيقوريين يعملون وفقًا للقيود القياسية في نهايتنا النهائية، بمعنى نحن كبشر نفعل كل شيء آخر من أجله ولا نسعى إليه من أجل أي شيء آخر، فيستخدمون العديد من الأساليب للدفاع عن ادعائهم بأنّ النهاية النهائية لجميع أفعالنا هي المتعة:

1- أولاً يقولون الأبيقوريون إنّ خير اللذة واضح في الإدراك ولا يلزم إلّا الإشارة إليه وليس الجدال عنه، وذلك بقدر ما لا نحتاج إلى الجدل بأنّ النار ساخنة لأنّ حرارتها واضحة في الإدراك.

2- ثانيًا مثل الرواقيين يقدم الأبيقوريون نسخة من حجة المهد، حيث يقول الرواقيون من أحد النواحي بأنّ الدافع الأول غير الفاسد للمولود هو لممارسة نفسها والحفاظ على دستورها، ومن الناحية الأخرى يقول الأبيقوريون إنّها تذهب من أجل المتعة.

3- أخيرًا استجاب بعض الأبيقوريين للحجج ضد مذهب المتعة، وللأسف لا توجد ردود مباشرة على أفضل الحجج المناهضة لمذهب المتعة في العصور القديمة، ولكن يتوفر في بعض المصادر بعضًا من المحاولات لشرح سبب إنكار الكثير من الناس للحقيقة الواضحة لمذهب المتعة.

بطريقة ما فإنّ الملذات والآلام الجسدية لها دور خاص في النظرة الأبيقورية، أي يجب الإشارة إليها جميع الملذات والآلام الأخرى وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، على سبيل المثال قد يُحال القلق بشأن فقدان الوظيفة مباشرةً إلى آلام الجوع والتعرض الجسدي (لأنّ الوظيفة تدفع مقابل الغذاء والمأوى)، والقلق بشأن ما يعتقده المدير أنّه قد يُشار إلى القلق بشأن فقدان الوظيفة وبشكل غير مباشر إلى نفس الآلام الجسدية.

يمكن تكرار هذا إلى أجل غير مسمى، بحيث ربما يرجع قلق المرء بشأن الملابس المناسبة إلى ما يعتقده رئيسه وما إلى ذلك، والادعاء الرئيسي هو أنّ كل الملذات والآلام النفسية يجب أن تُعاد في النهاية إلى الجسد، ولكن في المقابل يقول الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون وآخرون أنّ لدينا ملذات وآلام أساسية غير جسدية، على سبيل المثال الخزي من السمعة السيئة، أو المتعة عندما يتعلم المرء شيئًا جديدًا فقط من تلقاء نفسه.

من ناحية أخرى تلعب الملذات والآلام النفسية دورًا خاصًا، فهي تنطوي على قدر أكبر من الملذات والآلام الجسدية، وحول هذه النقطة يتفق الأبيقوريون بالفعل مع أفلاطون والآخرين بما يشيرون إليه بأنّ ليس كل الملذات والآلام الأساسية تعود في نهايتها للجسد، ومع ذلك فهم يفسرون المقادير النسبية بطريقة مختلفة بمعنى يسجل الجسد فقط ما يحدث الآن، بينما تمتد الروح على الماضي والحاضر والمستقبل.

وهكذا تمثل الروح لنفسها مجموعة أكبر بكثير من الملذات والآلام، ويمكن أن تشعر بمزيد من اللذة والألم أكثر مما يشعر به الجسد في لحظة، وهنا يختلف الأبيقوريون مع أسلافهم الملائيين والقورينايين الذين يقولون إنّ الألم الجسدي يستخدم كعقاب لأنّ حجمه أكبر من ألم الروح.

فلسفة الأبيقورية في محايدة الشعور باللذة والألم:

الأطروحة الأبيقورية الأخرى الأكثر أهمية حول اللذة والألم هي إنكارهم وجود أي حالة تلذذ محايدة لا يشعر فيها المرء بالمتعة ولا الألم، وحول هذه النقطة يختلفون مع كل من أفلاطون والسيريناكون، فإذا لم تكن هناك حالة متعة محايدة فمن الواضح أنّ الإزالة الكاملة للألم لا يمكن أن تبلغ ذروتها في الحالة المحايدة، ويجب أن تكون المتعة في الحالة التي يكون فيها المرء خاليًا تمامًا من الألم.

في الواقع بمجرد إزالة الألم كما يقولون لا يمكن زيادة اللذة سواء في الجسد أو الروح، وذلك لأنّ الملذات النفسية أكبر من الملذات الجسدية، وبالتالي فإنّ التحرر من اضطراب الروح (ataraxia) هو المحدد الرئيسي للسعادة، وهو أهم من التحرر من الألم الجسدي (aponia)، وبالتالي يمكن التغلب على أي ألم جسدي بمتعة التحرر من الاضطرابات، كما يمكن لحكيم الأبيقوري أن يعيش جيدًا في أي ظروف خارجية حتى على الرف.

يتطلب مصطلح (Ataraxia) والتي تُترجم أحيانًا بمعنى (الهدوء) ثلاثة إنجازات فرعية رئيسية وهي:

1- التحرر من الخوف من الموت.

2- التحرر من الخوف من الآلهة.

3- التحرر من الرغبة المفرطة.

الفلسفة الأبيقورية في مفهوم الموت:

تستمر الحجج الأبيقورية القائلة بأنّ الموت ليس مخيفًا في جذب قدر كبير من الاهتمام من الفلاسفة المعاصرين، حيث يجادل الأبيقوريون بأنّ الموت هو نهاية لنا ونحن لسنا خالدين، وثم -وهذا هو المكان الذي يبدأ فيه النقاش المعاصر عادة- لا يمكن للتدمير أن يؤذينا ويعود ذلك لسببين وهما:

1- أولاً عندما نموت لا ندرك شيئًا وما ندركه فقط هو الذي يمكن أن يؤذينا، وقد يعترض بعض الناس بأنّ الأشياء التي لا ندركها يمكن أن تؤذينا، كما يحدث عندما يخوننا صديق ولكننا لا نكتشف ذلك أبدًا.

2- ثانيًا عندما نكون موجودين فإننا لسنا أمواتًا بعد، لذلك لا يمكن للموت أن يؤذينا بينما نحن أحياء، وبمجرد موتنا لا نعد موجودين لذلك لا يمكن للموت أن يؤذينا عندما نموت أيضًا.

هنا يمكن تطوير الحجة الثانية بطرق مختلفة، لحيث يسأل الشاعر الأبيقوري لوكريتيوس عما إذا كنا قد تضررنا من عدم وجودنا قبل الولادة، ويجادل بأنّه إذا لم نفعل ذلك فلن يؤذينا عدم وجودنا بعد الوفاة أيضًا، وهنا قد يعترض بعض الناس بأنّه يمكن أن نتأذى عندما لا نكون موجودين، كما هو الحال عندما يفشل مشروع نهتم به ونعمل بجد لدعمه بعد موتنا، فلا شيء يمكن أن يؤذينا قبل الولادة بهذه الطريقة.

وتجدر الإشارة هنا لتوضيح مهم وهو أنّه يعتقد الأبيقوريون أنّه من الطبيعي (عادة) محاولة تجنب الموت، ومع ذلك فإنّ محاولة تجنب الموت لا يستلزم الخوف منه أكثر مما نخشى أن نبتل أحذيتنا حتى نتجنب تبلل أحذيتنا.

المصدر: Ancient EthicsA History of Ethics since the Ancient WorldJ. Annas and R. Woolf, Cicero: On Moral Ends (Cambridge: Cambridge University Press, 2001).C. Brittain, Cicero: On Academic Scepticism (Indianapolis: Hackett Press, 2006).


شارك المقالة: