فلسفة الأخلاق القديمة لدى أرسطو

اقرأ في هذا المقال


كان أرسطو تلميذ أفلاطون لذلك لا ينبغي أن نتفاجأ برؤيته حين يطوّر وجهات نظر أخلاقية مماثلة لدى أفلاطون، ومع ذلك هناك اختلافات في التركيز ونقاط كان أرسطو أكثر وضوحًا بشأنها وبعض نقاط الخلاف الواضح بينهما.

فلسفة أرسطو في السعادة:

يقدم أرسطو معايير رسمية لنهايتنا النهائية –السعادة– التي تشبه إلى حد بعيد أهداف أفلاطون، فنحن نفعل كل شيء من أجل السعادة ولا نسعى إليها من أجل أي شيء آخر، ولا نحتاج إلى شيء غير السعادة، ويجادل بأنّ أفضل مرشح لشيء من هذا النوع هو حياة كاملة من النشاط العقلاني الممتاز، كما يعتقد بعض القراء أنّ أرسطو لديه نظرية مركبة عن السعادة، أي إنّها حياة كاملة من النشاط العقلاني الممتاز، بالإضافة إلى الحاجات الخارجية مثل الصحة والثروة والمظهر الجميل والأطفال الطيبين.

ومع ذلك يميّز أرسطو بوضوح ما تتكون منه السعادة وما تحتاجه كظروف خلفية، ويعتقد أنّ السعادة تحتاج إلى حاجات خارجية كظروف خلفية وليس كمكونات، ويعود ذلك إلى سببان وهما:

1- أولاً يتطلب النشاط العقلاني الممتاز بعض الحاجات الخارجية كأدوات.

2- ثانياً قلة بعض الخيرات الخارجية الذي يفسد بركاتنا.

تتمثل إحدى طرق فهم الادعاء الأخير في ملاحظة أنّ النشاط العقلاني الممتاز يجب أن يكون غير معاق وممتعًا، وبما أنّ الجميع يريد حاجاتً خارجية فنحن بحاجة إلى البعض حتى لا نتألم من نقصها، ويتفق أرسطو وأفلاطون على التفكير في أنّ الشخص الفاضل يعيش حياة أفضل مع المزيد من الحاجات الخارجية، لكن أرسطو يعتقد أنّ السيئات الخارجية الكافية تعيق النشاط العقلاني الممتاز.

كما إنّها تجعل الشخص الفاضل غير قادر على ممارسة فضائله بشكل كامل، وذلك إما بسبب نقص الأدوات أو بسبب الألم الذي يعيق أنشطته، ويعتقد أفلاطون بالأحرى أنّ الافتقار إلى الحاجات الخارجية أو وجود السيئات الخارجية لا يمكن أن يمنع الشخص الفاضل من العيش بشكل جيد، ولكن هذا فقط يمكن أن يمنعه من عيش أسعد حياة ممكنة.

أنواع الفضائل لدى أرسطو:

يميّز أرسطو بين نوعين من الفضائل التي يمكن أن تمتلكها المخلوقات العقلانية وتمارسها:

1- الفضائل الفكرية.

2- الفضائل الشخصية.

الفضائل الفكرية:

تعد أعلى فضيلة فكرية هي الحكمة (sophia) والتي تجمع بين فهم أسمى مبادئ العالم العقل (nous) والقدرة على التفكير الاستنتاجي منها (epistêmê)، فالمبدأ الأول للعالم هو مصدر التغيير الذي لا يتغير في حد ذاته، ووغالبًا ما يطلق عليه (المحرك غير المتحرك) أو الله، ويسمّي أرسطو الله بالخير الأعلى والذي يقترح به استبدال شكل أفلاطون للخير، حيث يميّز أفلاطون شكل الخير عن أي مفكرين أو أفكار عن الخير، ويميّز الله بالذكاء.

لكن أرسطو يقول إنّ الله مفكر وموضوع في نفس الوقت، وإله أفلاطون شخصي، حيث إنّ شخصية أرسطو غير شخصية ولا تفكر في الأشياء التي تغيرها، حيث يغير الله الأشياء الأخرى ليس عن طريق التدبر والعمل، ولكن من خلال أن تكون الأشياء المتغيرة التي تسعى إلى أن تكون إلى أقصى حد ممكن، على سبيل المثال تتغير النجوم بأصغر طريقة ممكنة للأشياء التي تتغير: بالحركة الدائرية.

إنّ الحياة التي نقضيها في ممارسة أسمى الفضائل الفكرية إلى أقصى حد ممكن هي أفضل حياة، وحياة أشبه بحياة الله، فالحياة التي نقضيها في ممارسة فضائل الشخصية هي أيضًا سعيدة، لكننا نمارس فضائل الشخصية جزئيًا لجعل التأمل ممكنًا بينما نتأمل فقط من أجل ذاته، وبالتالي فإنّ ممارسة فضائل الشخصية تتناسب مع القيود المفروضة على نهايتنا النهائية بشكل أقل جودة من ممارسة أسمى الفضائل الفكرية.

إحدى الفضائل الفكرية هي الحكمة العملية، ولها علاقة خاصة بفضيلة الشخصية، ولا يمكن لأي شخص أن يكون له أي فضيلة شخصية بدون حكمة عملية، ولا يمكن لأحد أن يكون لديه حكمة عملية بدون كل فضائل الشخصية المركزية، وهكذا يؤيد أرسطو نسخة من وحدة الفضيلة، حيث تشكل الحكمة العملية وفضائل الشخصية وتحكم أجزاء من الإنسان غير عقلانية ولكنها عرضة للعقل (والتي تهتم بالظروف المادية والاجتماعية للحياة البشرية).

الفضائل الشخصية:

يمكن للمرء أن يمارس فضائل الشخصية في الحياة الخاصة فقط أو في الحياة العامة أيضًا، وهذا الأخير ينطوي على ممارستها على نطاق أوسع لذا فهي مفضلة وأكثر إلهية، وهكذا يخاطب أرسطو مناقشته لفضيلة الشخصية لأولئك الذين ينوون الدخول في السياسة، وهذا مرتبط بخاصية غريبة في تفسير أرسطو للعدالة بمعنى نظرًا لأنّه يمكن ممارسة كل فضيلة شخصية فيما يتعلق بالآخرين، فإنّه يحدد (العدالة العامة) مع مجمل الفضيلة.

ومرة أخرى يمكن ممارسة الحكمة العملية وفضائل الشخصية بشكل خاص أو سياسي، ولكن يتم التعبير عنها على أكمل وجه سياسيًا، فالفضيلة التي تهتم بالآخرين هي العدالة، لذلك هناك شعور بأنّ العدالة تشمل كل فضيلة الشخصية والمعنى المترابط الذي تكون فيه الخبرة السياسية مجرد حكمة عملية مكتوبة على نطاق واسع.

يصف أرسطو فضيلة كل شخصية على أنّها تضرب الوسط في كل من الفعل والشعور، حيث إنّ (الضرب) هو الوسيلة في العمل والشعور وينطوي على فعل الشيء الصحيح والشعور بالشيء الصحيح، وفي الوقت المناسب وبالطرق الصحيحة فيما يتعلق بالأشخاص المناسبين، (ضرب المتوسط لا يحتاج إلى فعل أو الشعور بقدر معتدل، وقد يكون من الصواب القيام بعمل كبير أو الامتناع عن التصرف بالكامل، وقد يكون من الصواب أن تشعر بشدة أو لا تشعر على الإطلاق)، إنّ كل فضيلة هي وسيلة للوقوع بين رذيلتين، فالذكاء على سبيل المثال هو وسيط يقع بين الهراء والفساد.

يمكن أن تنفصل القدرة على اكتشاف ما يجب فعله عن الشعور بالطريقة الصحيحة حيال موقف المرء، على سبيل المثال قد يرى المرء أنّه يجب على المرء أن يواجه تعليقًا متحيزًا على أساس الجنس، ولكن يخشى فعل ذلك أكثر مما ينبغي، وفي مثل هذه الحالات يمكن للمرء إما أن يفعل الشيء الصحيح على الرغم من مشاعره، أو يتصرف وفقًا لمشاعره بما يتعارض مع حكمه المدروس، ففي الحالة الأولى يكون الفعل قاريًا (ولكنه ليس فاضلاً)، وفي الحالة الأخيرة يكون الإجراء سلسًا (لكنه ليس شريرًا).

يعيدنا المثل الأعلى لكوننا مثل الله إلى توتر مهم في معالجة أرسطو للخيرات الخارجية، وعادة يعتقد أرسطو أنّ الافتقار إلى الحاجات الخارجية يمكن أن يفسد سعادة الشخص الفاضل من خلال إعاقة ممارسته للفضيلة، وامتلاك الخيرات الخارجية يتيح ممارسة الفضيلة على نطاق أوسع، بل إنّه يقدم فضائل خاصة تتعلق بالثراء العظيم (العظمة) والشرف العظيم (الشهامة).

في مكان آخر على الرغم من ذلك يجادل بأنّ الحياة التأملية تتفوق على الحياة السياسية جزئيًا لأنّها تحتاج إلى حاجات خارجية أقل، ويفترض حالة شبيهة بالله تتجاوز الفضيلة في انفصالها عن الاهتمامات البشرية العادية مثل الصحة والثروة، حيث تظهر هذه المشكلة أيضًا في حالة الأصدقاء، فتتضمن الصداقة في جوهرها السعي إلى أن تصبح فاضلاً وتتصرف بشكل جيد معًا.

ولكن الفاضلين يتمتعون بالاكتفاء الذاتي، والاكتفاء الذاتي بحاجة إلى أصدقاء أقل، لذلك فإنّ الفاضلين يحتاجون إلى أصدقاء أقل، على وجه الخصوص كلما أصبح الشخص أكثر شبهاً بالآلهة، كلما قلت حاجته إلى أصدقاء على الإطلاق.

كما يمتلك أرسطو طرقًا لمحاولة معالجة هذه المشكلة فهو يقول إنّ الفاضلين يحتاجون إلى أصدقاء حتى يكون لديهم من يستفيدون منه، ومن أجل الاستمتاع على أفضل وجه بالأنشطة الخاصة بهم، بما أنّ الصديق هو الذات الثانية، ومع ذلك فإنّ هذين الخطين من أرسطو من حيث أنّ أحدهما يؤكد على الحاجة إلى الحاجات الخارجية والأصدقاء، والآخر يؤكد على الحاجة إلى الاستقلال عن الحاجات والأصدقاء الخارجيين يظلان في حالة توتر.


شارك المقالة: