فلسفة الأخلاق القديمة لدى الأكاديميين والبيرونيين

اقرأ في هذا المقال


بشكل تقريبي يبدأ التفكير الأخلاقي القديم مع السفسطائيين اليونانيين في القرن الخامس قبل الميلاد، وينتهي بسقوط روما، بينما فلسفة العصور الوسطى هي فلسفة أوروبا الغربية من حوالي للأعوام 400-1400 بعد الميلاد، وتقريبًا الفترة بين سقوط روما وعصر النهضة، وتبدأ الفلسفة الحديثة بعد عصر النهضة حوالي عام 1600 وتستمر حتى يومنا هذا.

فلسفة الشك الأكاديمي:

الأكاديميون يأخذون اسمهم من أكاديمية أفلاطون، حيث كان أرسيسولاس رئيسًا للأكاديمية الذي أعاد المدرسة إلى ما كان يعتقد أنّها جذورها المتشككة، وهنا يمكنه أن يناشد سقراط أفلاطون الذي نفى معرفته بأي شيء مهم وحاول أن يُظهر للآخرين أنّهم في نفس الموقف، ويمكنه أيضًا أن يناشد أفلاطون الذي يمكن أن يُنظر إليه على أنّه يبتعد عن أي وجهات نظر عقائدية من خلال كتابة الحوارات والتي ينتهي الكثير منها بالحيرة على أي حال.

سوف يجادل الأكاديميون على كلا الجانبين في أي سؤال، وفي إحدى الحالات الشهيرة ذهب كارنيديس -أحد أعظم الأكاديميين- إلى روما ودافع عن العدالة في أحد الأيام وضد العدالة في اليوم التالي، حيث كان الهدف الأكاديمي المفضل هو الادعاء الرواقي بأنّ الانطباعات المعرفية موجودة ويمكن تمييزها عن غير المعرفية، واستمرت النقاشات بين الأكاديميين والرواقيين لفترة طويلة.

مثل المتشككين العالميين الآخرين يجب على الأكاديميين أن يشرحوا كيف يمكنهم الحفاظ على شكوكهم دون السير على المنحدرات، ويقولون إنّهم يفعلون ذلك وربما يؤمنون بما هو معقول، وتأتي المعقولية بالدرجات ويقترح كارناديس ثلاث درجات مهمة وهي:

1- الانطباعات المعقولة في البداية.

2- الانطباعات التي لا جدال فيها، والتي ليست فقط معقولة ولكنها تتوافق أيضًا مع الانطباعات المعقولة ذات الصلة.

3- الانطباعات المختبرة بدقة والتي تتطلب فحص كل من الانطباعات المعقولة ذات الصلة التي تتفق معها انطباع لا جدال فيه.

يمكن للمرء أن يعتمد على درجات مختلفة من المعقولية اعتمادًا على المسألة المطروحة، وللقفز بعيدًا عن شيء ما على الأرض قد يكون ثعبانًا سامًا ويحتاج الأكاديمي فقط إلى انطباع معقول، ولتقرر كيف تعيش ستريد انطباعات تم اختبارها بدقة.

في الجدل الأكاديمي الرواقي أجرى كلا الجانبين مواءمات تحت الضغط الديالكتيكي، وفي النهاية رفض أحد الأكاديميين أنطيوخس عسقلان الشكوك، وقبل وجهات النظر القريبة من الرواقية في كل من نظرية المعرفة والأخلاق، ويعد شيشرون أكاديمي آخر متأخر تمسك بشدة بالشكوك وفعل شيئًا مشابهًا، حيث يتدرب على مكاتب (De Officiis) ثم يكمل عمل الرواقي فانيتيوس على الإجراءات المناسبة.

يدعي أنطيوخس أنّه يستعيد إجماعًا قديمًا بين أفلاطون وأرسطو والرواقيين، وفي الأخلاق يقول هذا الإجماع المفترض أنّ الفضيلة تكفي للسعادة، لكن امتلاك الخيرات الخارجية والجسدية يجعل الشخص السعيد أكثر سعادة في حين أنّ افتقارها يجعله أقل سعادة، والرواقيون (كما يقول أنطيوخس) يستخدمون لغة جديدة ومضللة للتعبير عن وجهة النظر هذه.

إنّ وجهة نظر الإجماع لأنطيوخس قريبة جدًا من أفكار أفلاطون، لكنه يوثق الاختلافات بين وجهة نظره ووجهة نظر أرسطو ووجهة نظر الرواقيين حول دور الحاجات الجسدية والخارجية في السعادة، ويمكن فهم وجهة نظر أنطيوخس عن أرسطو خاصة وأنّ الأرسطيين في عصره كانوا يؤمنون بوجهة النظر التي ينسبها إلى أرسطو.

الفلسفة البيرونية:

بيرهو نفسه شخصية غامضة ولكن في أعقاب التحول المتشكك للأكاديمية لاحقًا أعاد انيسيديموس إحياء إرثه من خلال استخدامه كرئيس صوري لتقليد متشكك مختلف، وليس من السهل دائمًا تمييز الفروق بين الأكاديميين والبيهرونيسيين، ويقول سكستوس إمبيريكوس أنّ هناك ثلاثة أنواع من الفلاسفة وهم:

1- العقائديون (الذين يدعون أنّهم أدركوا الحقيقة)

2- الأكاديميون (الذين يقولون لا يمكن فهم الحقيقة).

3- البيرون (الذين لا يزالون يستفسرون).

وهكذا يصف سكستوس الأكاديميين بشكل فعال بأنّهم دوغمائيون يدعون أنّهم فهموا حقيقة واحدة، ومع ذلك فإنّ تصنيفه لا يصمد أمام التدقيق، ويتبع الأكاديميون مظاهر مقنعة، وأي ادعاء بعدم إمكانية اكتشاف الحقيقة قد يُفهم على أنّه ما هو معقول بعد تحقيق مكثف (وليس ما يدعون أنّهم يفهمونه على أنّه الحقيقة)، كما إنّه استخدام الأكاديميين للمظاهر المقنعة ليس بعيدًا عما يقوله البيرونيون ويفعلونه.

ومع ذلك لا يزال هناك اختلاف واضح في المواقف الأخلاقية التي يتخذها الأكاديميون والداعمون، ويقول الأكاديميون بشكل نموذجي أنّ شيئًا مثل وجهة النظر الأرسطية أو الرواقية -أنّ الفضيلة والنشاط الفاضل هما أعلى الخيرات أو الخيرات الوحيدة- أمر معقول، ويقول بيرهونيسس أنّ نهايتهم هي الهدوء، وهنا مرة أخرى مصطلح الأبيقورية (ataraxia)، وهذا يضع موقفهم الأخلاقي أقرب إلى الأبيقوريين على الرغم من أنّ وصفتهم للهدوء مختلفة نوعًا ما، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الرواقيين الرومان اللاحقين أكدوا أيضًا على الهدوء بطريقة لم يفعلها الرواقيون الأوائل.

يجب أن نعمل حتى تلك النقطة من خلال التفكير في تطوير الشباب بيرونيس، فأولاً لاحظت أنّ المظاهر المختلفة غالبًا ما تقدم تقارير غير متوافقة، كما تبدو الريح دافئة بالنسبة لها وباردة بالنسبة إلى أخرى، ويبدو حرق الموتى محترمًا لها وعدم احترام للآخرين، وسرد انيسيديموس العديد من الطرق التي يمكن أن تختلف بها المظاهر (أوضاع انسيديمان).

مثل هذا الخلاف أو نسبية المظاهر أمر محير، فما هي المظاهر التي تعكس حقيقة الأمور؟ وفي المواضيع التي نهتم بها مثل هذه الحيرة مؤلمة وتستحث محاولات إزالتها من خلال إثبات بعض المظاهر على غيرها، وهذا يعني أنّ الحيرة تثير الاستفسار عن كيفية وجود الأشياء في حد ذاتها على عكس كيفية ظهورها لموضوعات مختلفة.

عندما تستفسر البيرونية على الرغم من ذلك تكتشف أسبابًا قوية بنفس القدر على جانبي كل سؤال، علاوة على ذلك مهما كانت الاعتبارات التي قد تلجأ إليها في محاولة حل النزاع فهي أيضًا مسائل خلاف وتتطلب مزيدًا من الاستفسار وما إلى ذلك، والحالة التي يجد فيها المرء أسبابًا قوية متساوية على جانبي قضية ما هي (التكافؤ)، ويستجيب البيروني للتكافؤ بتعليق الحكم على المظاهر التي تعكس حقيقة الأمور.

فعندما تفعل ذلك يتلاشى الألم الذي شعرت به عند الحيرة، ويقدم سيكتوس تشبيهًا، فقد كان أبيلكس يحاول وفشل في طلاء الزبد على فم الحصان، وفي خيبة أمل ألقى إسفنجه على القماش، ولحسن الحظ أنتجت التأثير المطلوب.

وبالمثل فإنّ البيرونية الناشئة تريد أن تتخلص من المشاكل المتعلقة بالطبيعة الحقيقية للأشياء من خلال اكتشاف الحقيقة، ولم تجد أبدًا أسبابًا لأي وجهة نظر معينة أفضل من الأسباب الموجودة على الجانب الآخر، لذا ، أوقفت الحكم ولكنها عندما تفعل ذلك فإنّها تحقق النهاية التي سعت إليها وهي الهدوء، ومع ذلك فإنّها لا ترتاح إلى أمجادها في هذه المرحلة، وبدلا من ذلك تستمر في الاستفسار.

مثل الأكاديميين يجب أن يشرح البايرونيون كيف يتصرفون، ومعيار العمل البيروني هو المظهر، ويمكننا التعامل مع هذا من خلال أمثلة النسبية، فعندما تبدو الرياح دافئة لشخص ما وباردة للآخر ولديهم أسباب قوية بنفس القدر للثقة في كل مظهر، فقد يعلقون الحكم على السؤال عما إذا كانت الرياح دافئة أو باردة حقًا، ولكن هذا لا يزيل المظاهر، فلا تزال الريح باردة بالنسبة لأحدهما ودافئة للآخر، كما أنّه لا يمنع أيًا من التأثير على مظهرها، فقد يرتدي أحدهم طبقة أخرى من الملابس بينما يخلع الآخر طبقة واحدة.

وبالمثل عندما يختلف شخصان فيما إذا كان حرق الموتى أمرًا محترمًا، فقد نجد أسبابًا وجيهة أيضًا للقول إنّ حرق الجثة أمر محترم وأنّه غير محترم، ولكن قد يبدو الأمر محترمًا لشخص ما وغير محترم للآخر، ولا شيء يمنع كل شخص من التصرف وفقًا لما تبدو عليه الأمور، حيث إنّه سؤال مفتوح عما إذا كان هذا سيؤدي إلى التسامح مع الآراء المختلفة أو ببساطة يجعل النزاعات العملية غير قابلة للحل.

من غير الواضح بالضبط مدى اختلاف معيار البيروني للفعل المظهر عن المعيار الأكاديمي المظهر المعقول، على سبيل المثال يتبع كل من البيرونيين والأكاديميين ممارساتهم الدينية التقليدية، مما يشير إلى بعض التقارب في كيفية تعامل المشككين القدامى من مختلف الأطياف مع الفعل.

مرة أخرى أوضح اختلاف بينهما يتعلق بالنهاية النهائية، وبطبيعة الحال لا يؤكد مؤيدو البيرونيون بشكل دوغمائي أنّ الهدوء هو النهاية، ويبدو لهم ببساطة أنّها النهاية ويتصرفون بناءً على هذا المظهر، ولكنهم يقولون المزيد عن السبب الذي يجعل البيرونية تبدو أفضل طريق إلى الهدوء، والتي تعد أفضل من الأبيقورية على سبيل المثال، وبعض المظاهر والمشاعر لا مفر منها بالنسبة لنا: الجوع يبدو مؤلمًا ويقودنا إلى التخلص منه، ولا يوجد التخلص من هذه المظاهر والمشاعر.

ومع ذلك فإنّ أولئك الذين يؤكدون بشكل دوغمائي أنّ الألم سيء (على سبيل المثال) يواجهون جرعة مضاعفة من الألم، وإنّهم لا يشعرون فقط بألم الجوع الذي لا مفر منه، ولكن أيضًا بالألم الإضافي للمتاعب العقلية عند التفكير في أنّهم يمتلكون شيئًا (من خلال أضواءهم) سيئ جدًا بالنسبة لهم، ومع ذلك تعلق البيرونية الحكم على مسألة ما إذا كانت آلام الجوع ضارة حقًا بالنسبة لها، وبالتالي فهي تحافظ على هدوءها حتى في مواجهة مضايقات الحياة الحتمية.


شارك المقالة: