اقرأ في هذا المقال
نشأت الرواقية في آراء الفيلسوفان سقراط وأفلاطون، وكذلك كما عدلها زينو السيتيومثم كريسيبوس، والتي اكتسبت تأثيرًا تدريجيًا في روما وبشكل رئيسي من خلال شيشرون، وثم لاحقًا من خلال سينيكا الأصغر، ومن اللافت للنظر أنّ مناصريه الرئيسيين هم العبد إبيكتيتوس والإمبراطور ماركوس أوريليوس، وهذا توضيح جيد للرسالة الرواقية القائلة بأنّ المهم هو السعي وراء الحكمة والفضيلة، وهو السعي المفتوح لجميع البشر بسبب قدرتهم المشتركة على العقل بغض النظر عن الظروف الخارجية لحياتهم.
الفلسفة الرواقية في العقل والفضيلة:
رأى أفلاطون أن العواطف البشرية والرغبات الجسدية بحاجة إلى التنظيم عن طريق العقل، فذهب الرواقيون إلى أبعد من ذلك من حيث أنّهم لقد رفضوا المشاعر تمامًا كأساس لتقرير ما هو جيد أو سيئ، وعلى الرغم من أنّ الرغبات الجسدية لا يمكن إلغاؤها ببساطة، فإنّ الشخص الحكيم سيقدر الفرق بين الرغبة في شيء ما والحكم عليه بأنّه أمر جيد، وفقط العقل يمكنه أن يحكم على صلاح أو سوء ما هو مطلوب، وإذا كان المرء حكيمًا فسوف يعرّف نفسه بالعقل وليس بالرغبة، ومن ثم لن يأمل في إشباع الرغبات الجسدية أو يقلق من أنّها قد لا تكون راضية.
كما سيشعر الرواقي بالألم الجسدي كما يشعر الآخرون، ولكنه سيعرف أنّ الألم الجسدي يترك المنطق الحقيقي على حاله، والشيء الوحيد الجيد حقًا هو العيش في حالة من الحكمة والفضيلة، ففي السعي وراء مثل هذه الحياة يكون المرء محميًا من لعبة الحظ التي تصيب أولئك الذين يهدفون إلى المتعة الجسدية أو الثروة المادية، لأنّ الحكمة والفضيلة من مسائل العقل وتحت سيطرة الفرد، وعلاوة على ذلك إذا أصبحت الأمور قاتمة للغاية فهناك دائمًا طريقة لإنهاء ألم العالم المادي، فلم يكن الرواقيون مترددين في النصح بالانتحار كوسيلة لتجنب الألم الذي لا مفر منه.
الفلسفة الرواقية والقيمة المشروطة:
إنّ قلة من البشر إن وجدت تحصل على المعرفة، ومع ذلك فإنّ الفهم لموضوع القبضات هو نقطة انطلاق حيث كل من الحكماء والجهلاء لهم وهم يقدمون طريقًا من الجهالة إلى الحكمة، على الرغم من أنّ القليل منا نجح في ذلك، فإنّ الحكمة هي نقطة النهاية الطبيعية للتطور البشري.
هذا يعيدنا إلى القيمة التي تختلف عن الخير، وفقط ما يفيده دائمًا هو الجيد تمامًا كما أنّ الحرارة هي فقط ما يجعل الأشياء ساخنة دائمًا، أي أنّ الخير قيمة غير مشروطة، وتفتقر معظم الأشياء القيمة إلى قيمة غير مشروطة (ليست جيدة) لأسباب مألوفة بمعنى في ظروف خاصة، وتكون الأشياء ذات القيمة عادةً لا تقدر بثمن ويمكن إساءة استخدام الأشياء الأكثر قيمة، لذلك يسمي الرواقيون الأشياء القيمة المشروطة المفضلة اللامبالاة والتي ينبغي اختيارها.
فالأشياء التي لا تقدر بثمن مشروطًا هي غير مبالية يجب رفضها، والأشياء عديمة القيمة أو الاستخفاف أو القليل جدًا، وغير مبالية تمامًا ولا يجب اختيارها أو رفضها، ويجب اختيار الأشياء الجيدة والسيئة فقط وتجنبها، وهذه الدوافع غير المشروطة موجهة بشكل مناسب فقط للأشياء الجيدة والسيئة.
يقدم هذا مفهومًا حاسمًا أي الإجراءات المناسبة (kathêkonta) أو الإجراءات التي تسمح بدفاع معقول، والأهم من ذلك لا يحتاج الوكيل إلى توفير مثل هذا الدفاع لأداء الإجراء المناسب، (حتى الحيوانات غير العقلانية لديها ويمكنها أداء أفعالها المناسبة)، ونظرًا لأنّ الحكيم والغباء يمتلكان قبضتين فيمكن لكل من الفاضلين والشرير القيام بالأعمال المناسبة، ومع ذلك لا يمكن إلّا للحكيم الدفاع عن قبضته وأفعاله في مواجهة كل استجواب، ونظرًا لأنّ الشخص الحكيم (يُسمى أيضًا الحكيم) يقوم بأفعال مناسبة للأسباب الصحيحة فإنّ الرواقيين يسمون أفعاله أفعالًا صحيحة (katorthômata).
إنّ دفاع الحكيم العقلاني عن أفعاله يناشد قيمة واستخفاف الأشخاص غير المبالين والمفضلين على المحك، كما يشرح كيف تستجيب اختياراتها ورفضها بشكل مناسب لتلك القيمة والاستخفاف بها، ولا توجد أنواع من الإجراءات (باستثناء الأعمال الفاضلة) يقوم بها الحكيم دائمًا، وفي بعض الأحيان حتى أكل لحوم البشر وسفاح القربى هي الإجراءات المناسبة.
الفلسفة الرواقية والفضيلة:
إذا كان الحكيم يستدعي قيمة اللامبالاة وعدم تقديره لشرح أفعاله، فأين الفضيلة والخير تدخل الصورة؟ هنا يبدأ من الوكيل النامي الذي لا يتفاعل فقط على الفور مع أشياء معينة ذات قيمة ولا تقدر بثمن، ولكن يمكنه مقارنة القيمة وعدم القيمة، وفي بعض الأحيان على الأقل إيجاد الإجراء المناسب، والخطوة التالية في التطوير المناسب هي القيام بالإجراءات المناسبة بشكل منتظم وموثوق، وفي النهاية يقدر الوكيل كيف تتناسب الإجراءات المناسبة معًا في حياة منظمة ومتناغمة.
عند هذه النقطة يتوصل الفاعل النامي إلى رؤية أنّ نظام وتناغم حياتها -الذي أصبح ممكنًا من خلال التفكير في القيمة وعدم القيمة- له قيمة مختلفة نوعًا عن قيمة الأشياء التي تتحدث عنها، وهذا النظام والانسجام باختصار يعد أمرًا جيدًا.
الشيء الجيد الأساسي في الرواقية هو الفضيلة أو الذكاء العملي حول قيمة الاختيار المقارنة، حيث تشمل الحاجات الأخرى النشاط الفاضل والفاعل الفاضل والصديق وهنا فقط الصالحون هم أصدقاء لأنّهم وحدهم يتناغمون مع أنفسهم ومع بعضهم البعض، كما يقدر الشخص الفاضل القيم ذات الصلة على المحك في ظروفه ولديه وجهة نظر ثابتة ومتماسكة حول كيفية مقارنة القيم المعرضة للخطر، وتعرف أيضًا أنّا تتصرف بمعلومات غير كاملة، لذا فهي تتصرف بحذر، مع العلم أنّ المعلومات الجديدة قد تتطلب تغيير الخطط أو المواقف.
على عكس غير المبالين والمفضلين يفضل المرء دائمًا أن يكون لديه فضيلة مفهومة ولا يمكن إساءة استخدامها، أي أنّ للفضيلة قيمة غير مشروطة بمعنى إنّها جيدة، فيختار الحكيم ويرفض اللامبالاة باستمرار وحزم وكذلك التدفق السلس للحياة الذي يسميه الرواقيون السعادة.
بما أنّ السعادة هي امتلاك (أو حيازة واستخدام صحيح) للحاجات، وبما أنّ الرواقيين يعتقدون أنّ الفضيلة هي الخير الوحيد ولا يمكن إساءة استخدامها فإنّ الشخص الفاضل يكون سعيدًا، فلا تعتمد سعادة الحكيم على ما إذا كانت تكتسب بالفعل غير مبالين مفضلين ولا تبدد غير مبال، وهذا هو السبب في أنّهم غير مبالين (فيما يتعلق بالسعادة)، والفضيلة هي تماسك نفسي كامل ولا يأتي بدرجات وكذلك السعادة.
وهكذا فإنّ الحكيم سعيد تمامًا حتى على الرف (لأنّها تمتلك الفضيلة وتمارسها) وهي دائمًا تتصرف بحسن نية، ويوضح شيشرون هذه النقطة بمثال ريجولوس الجنرال الروماني الذي أسره القرطاجيون، فوعد ريجولوس أنّه سيحمل شروط الاستسلام إلى روما ثم العودة، وعندما وصل إلى روما جادل ضد قبول الشروط، وعاد إلى قرطاج كما وعد وتعرض للتعذيب والقتل هناك.
هنا يمكن ملاحظة أنّ هذا يعتبر إجراءً مناسبًا فقط إذا كان الوفاء بوعد للعدو وآثاره ذات قيمة اختيار أكبر من الراحة الجسدية لريجولوس وحياته المستمرة وتأثيراتها، ولا يمكن للمرء أن يفترض أنّ سلوك ريجولوس مطلوب من قبل العدالة، لأنّ الرواقيين ينكرون مثل هذه الادعاءات العامة مثل على المرء دائمًا أن يفي بالوعود، ولا ينبغي لأحد أن يمارس الجنس مع أقربائه، ولا ينبغي أبدًا أن يأكل اللحم البشري.
على الجانب الآخر كل شخص ليس حكيمًا هو أحمق (لأننا جميعًا نفتقر إلى التماسك النفسي المثالي) وبائس (لأننا جميعًا لدينا الشيء السيئ الوحيد وهي الرذيلة)، فالكل من غير الحكماء شريرون وبائسون على حد سواء حتى أولئك الذين يحرزون تقدمًا (prokopê) مثل أولئك الذين هم تحت الماء ولكنهم يرتفعون نحو السطح يغرقون على الأقل من أولئك الذين لا يرتفعون نحو السطح.