فلسفة الأخلاق والجماليات الواقعية لدى أندرسون

اقرأ في هذا المقال


يعد الفيلسوف الأسترالي الاسكتلندي جون أندرسون الذي تقلد كرسي أستاذ الفلسفة في جامعة سيدني في الأعوام 1927-1958، كما أسس العلامة التجارية التجريبية للفلسفة المعروفة باسم (الواقعية في سيدني)، حيث كان ترقيته للفكر الحر في جميع المواد بما في ذلك السياسة والأخلاق مثيرًا للجدل وجعله في صراع دائم مع مجلس الشيوخ بالجامعة.

الأخلاق الواقعية:

في نظريته الأخلاقية الواقعية رسم أندرسون فرقًا حادًا بين الأخلاق والفضيلة، فالأخلاق هي نظام الضرورات والالتزامات التي لا يمكن فهمها إلّا بشكل علائقي، وإذا أكدنا أنّ: “(X) يجب أو من اللازم القيام به”، فيجب أن يكون هناك دائمًا شخص يؤكد هذا الالتزام، ولا تتمثل وظيفة العلم الأخلاقي في هذا الحساب في تحديد الطبيعة المطلقة أو الفئوية للحتمية ولكن تحديد من يؤكد مثل هذه الحتمية.

وفي المقابل تصور أندرسون الأخلاق كعلم الخير والشر، ففي هذه النظرية الخير والشر هما صفات تحدث بشكل طبيعي للأنشطة الاجتماعية والنفسية، ومن ثم فقد رفض وجهة النظر النسبية القائلة بأنّ العلاقات تحدد بطريقة ما نوعية الخير، حيث إنّها إحدى السمات الأكثر غرابة لنظرية أندرسون الأخلاقية أنّه لا توجد توصية أو تثبيط مشجع ضمنيًا في وصف نشاط ما بأنّه جيد أو سيئ، أي نحن ببساطة نصف نشاطًا بالمعنى العلمي العادي.

فيما يتعلق بالطبيعة الدقيقة للحاجات والأشرار نفسها قال أندرسون أنّه إذا نظرنا إلى تاريخ الفلسفة الأخلاقية والمعنوية فإنّ بعض الصفات التي توصف باستمرار بأنّها جيدة وفاضلة أو إلزامي يشير إلى طبيعة الحاجات نفسها، ففي تصنيفه للحاجات والأشرار تأثر أندرسون كثيرًا بنظرية سوريل عن أخلاقيات المنتج وأخلاقيات المستهلك.

فأخلاقيات المنتج هي التي تستهلك من أجل الإنتاج بينما أخلاقيات المستهلك هي أخلاقيات الإنتاج من أجل الاستهلاك، وهذا يعني أنّ أخلاقيات المنتج هي في الأساس إبداعية واستفسارية ومنتجة (الصفات التي يتم عرضها في تصنيف سوريل للثقافة الاجتماعية للفنون والعلوم والصناعة) في حين أنّ أخلاقيات المستهلك تقليد وظلامية واستهلاكية، وقد أدرج أندرسون فيما بعد الحب على أنّه الخير والكراهية على أنّها الشر في المجال المنزلي.

استخدم أندرسون أيضًا وجهة نظر سقراط القائلة بأنّ الحاجات تدعم بعضها البعض ولكنها تعارض السيئات، بينما تعارض الحاجات السيئة كلاً من الحاجات والأشرار الأخرى للمساعدة في عملية التصنيف الخاصة به، وبعبارة أخرى الحاجات داعمة بشكل أساسي بينما الشر السيئ معارض في الأساس، وعلى هذا الأساس جادل أندرسون بأنّ الحاجات تعاونية وتواصلية في حين أنّ الشر السيئ تنافسية وغير متصلة.

أي أنّ الشر في علاقات الدعم الخاصة بها ستسعى إلى العمل مع الأشرار الأخرى والتواصل معها، بينما سيحارب الأشرار في علاقاتهم المتعارضة ضد الأشياء السيئة والحاجات ولن يتواصلوا معها، وقد أدرج أندرسون أيضًا شرورًا أخرى في نظريته الأخلاقية بما في ذلك الاهتمام بالدقة ورفض فكرة المكافأة على فعل شيء ما، ولكنه لم يطور أبدًا تصنيفًا كاملاً للشرور المختلفة والأشرار.

هذا هو أحد الانتقادات الرئيسية لنظريته الأخلاقية، وإنّ التأكيد على أنّ بعض الصفات جيدة وسيئة وأنّها تعمل بطرق معينة شيء واحد، كما إنّه شيء آخر تمامًا لإظهار أنّ هذا تصنيف صحيح وحقيقي، ولم ينجز أندرسون هذه المهمة الأخيرة أبدًا.

البروليتارية:

وُصفت النظرية الاجتماعية والسياسية لأندرسون خلال الثلاثينيات من القرن الماضي بأنّها نظرية بروليتارية، وهذا المصطلح يعني أنّها كانت ذات توجه ماركسي عام وشيوعي على وجه التحديد، حيث كانت ماركسية أندرسون فريدة من نوعها من حيث أنّه بينما تمسك بنظرة مادية شاملة مثل البنية الطبقية للمجتمع والتمييز بين القاعدة الاقتصادية والبنية الفوقية الاجتماعية، فقد رفض نظرية ماركس التاريخية عن الديالكتيك.

ومن ثم بينما وافق على أنّ البروليتاريا والبرجوازية خلال الرأسمالية انخرطت في حرب طبقية، ولم يكن يعتقد أنّ البروليتاريا ستنجح لمجرد أنّها كانت جزءًا من التطور الديالكتيكي للتاريخ، وكان تحليل أندرسون لهذا الصراع الاجتماعي أيضًا أكثر تعددية من تحليل ماركس لأنّه كان يعتقد أنّ البروليتاريا بحاجة إلى العمل مع الفنانين والمثقفين لتحقيق ثورة اجتماعية وسياسية، وفي هذا الصدد كانت الأصول البرجوازية لبعض الفنانين والمثقفين مثل أندرسون نفسه غير ذات صلة بالصراع الاجتماعي المستمر.

بصرف النظر عن التوجه البروليتاري الواسع لنظرية أندرسون الاجتماعية والسياسية خلال الثلاثينيات كانت هناك لحظتان مختلفتان تمامًا في مشاركته السياسية النشطة، فمن عام 1927 إلى عام 1932 شارك أندرسون بنشاط في الحزب الشيوعي الأسترالي، حيث في هذا الوقت كان يعتقد أنّ الشيوعية الروسية كانت النموذج البارز للأحزاب الشيوعية في كل مكان، على الرغم من أنّه دعم العملية المستقلة للأحزاب المحلية.

في البداية غير مدرك للتأثير الخبيث لستالين في موسكو فقد جاء أندرسون ليرى أنّ الحزب الروسي يعاني من البيروقراطية والرقابة والأيديولوجية، وأنّ موقفه المستقل جعله يتعارض بشكل متزايد مع الأعضاء المحليين الذين كانوا أكثر عرضة لاتباع خط موسكو، وتعكس كتابات أندرسون في الدفاع عن الشيوعية خلال هذه الفترة بشكل عام إيمانه بالحتمية والتعددية والموضوعية في النشاط الاجتماعي والسياسي.

في عام 1933 ساعد في تشكيل حزب العمال التروتسكي في أستراليا وظل مشاركًا بنشاط خلال السنوات الأربع التالية، وكان سبب انفصاله عن الشيوعية في عام 1933 هو اعترافه بالطبيعة الفاسدة للستالينية بدلاً من أي اعتقاد بأنّ الشيوعية كانت تتعارض مع عقائده الفلسفية.

ومن ثم خلال هذه الفترة احتفظ بالاعتقاد بأنّ النظرية الشيوعية غير الملوثة بالممارسة الستالينية، حيث كانت حتمية وتعددية وموضوعية وقبل أنّ التروتسكية قدمت بديلاً نظريًا وعمليًا قابلاً للتطبيق للستالينية، ولكن بحلول وقت رحيله في إجازة في ديسمبر 1937، وكان قد وصل إلى رفض التروتسكية كبديل قابل للتطبيق للستالينية وكان يتساءل عما إذا كانت الماركسية تتفق في الواقع مع فلسفته الواقعية.

جماليات واقعية:

في نظريته الجمالية الواقعية غالبًا ما انتقد أندرسون النظريات الجمالية على أساس نسبيتها أو ذاتيتها، ومن ثم في نقد الذات في الجماليات جادل بأنّه إذا كان الجمال مجرد سؤال عما يعتقده الفرد أو يفضله فلا يوجد شيء جميل في حد ذاته، ومثل هذا الادعاء هو ببساطة إنكار لإمكانية وجود نظرية جمالية.

في المقابل في نقده للنظريات الجمالية النسبية مثل الرومانسية أو الماركسية، فقد جادل بأنّه إذا كان الجمال يكمن فقط في السياق السياسي للحكم الجمالي أو الرغبة النشطة للحكم الجمالي فلا يمكن أن يكون هناك نظرية جمالية موضوعية مرة أخرى، ومن هذه الحجج يمكن الافتراض بشكل معقول أنّ أندرسون يعتقد أنّ الجمال مثل الخير هو صفة من الأشياء الطبيعية، ومع ذلك لم يذكر أندرسون هذا الرأي صراحة أبدًا على الرغم من أنّه أكد ذات مرة أنّ الجمال هو سمة من الأشياء الطبيعية.

بصرف النظر عن هذه السمات الأكثر رسمية لنظرية أندرسون الجمالية فهناك بعض الدلائل على أنّه كان يطور أيضًا نظرية أكثر جوهرية للإدانة الجمالية والفداء، وعدة مرات خلال الثلاثينيات من القرن الماضي اقتبس من تعبير جويس أنّ: “التاريخ كابوس أحاول أن أستيقظ منه”، وأنّ خضوع الإنسان للتاريخ هو حالة اغتراب عن الذات، واقترح أندرسون أنّ التحرر من هذه العبودية هو تأكيد للروح الإنسانية من خلال الإبداع الفني والنقد الجمالي، ومع ذلك لم يطور هذه الآراء بالتفصيل.


شارك المقالة: