فلسفة الأكويني في الطبيعة البشرية

اقرأ في هذا المقال


أصل الشكل المادي في فلسفة الأكويني:

الشكل المادي هو شكل غير موجود وغير مادي، حيث إنّه موجود إما كصدفة في موضوع مادي أو كشكل جوهري في موضوع مادي ولا يوجد، لذا فإنّ الأشكال الجوهرية للأجساد ولا سيما أرواح الأجساد الحية، هي في أشكال مادية عامة باستثناء الروح الفكرية، حيث أنّ أرواح الحيوانات الأخرى غير مادية بالمعنى الأول ومادية فيما يتعلق بالمعنى الثاني، في حين أنّ النفس البشرية غير مادية بالمعنى الأول وغير مادية بالمعنى الثاني.

يأتي تأكيد هذا التمييز بين الحواس غير المادية عندما سأل الفيلسوف توما الأكويني في المقالة الأخيرة الخلاصة اللاهوتية والعمل الفلسفي الأسئلة المتنازع عليها بخصوص الروح (Quaestiones Disputatae De Anima) من السؤال 75.7 ما إذا كانت الروح الفكرية البشرية هي ملاك.

وفي سؤال 75.6 استخدم توماس نتيجة السؤالان 75.5 و 75.2 لإثبات أنّ الروح البشرية غير قابلة للفساد، حيث يكون هناك شيء ما قابل للفساد إذا كان يمكن أن يتوقف عن الوجود من خلال الفساد، أي بفصل الشكل عن المادة كما نراه في موت الكائنات الحية.

أرواح الحيوانات الأخرى لا تتولد مباشرة ولا تفسد بشكل مباشر، حيث إنّه الحيوان الحي الذي يفسد ولكن يمكن القول أنّ أرواحهم فاسدة بالحيوان، ومع ذلك فإنّ النفس البشرية لأنّها شكل ثابت غير مادي لا تفسد بموت الإنسان، لذلك عندما يتم تجميع كل هذه النتائج معًا تكون الروح الفكرية شكلًا روحيًا وغير مادية وغير قابلة للفساد، أي شكل غير مادي بالمعنى الثاني والذي يبدو كثيرًا مثل الملاك، لأنّ الملائكة أيضًا غير مادية وروحية وغير قابلة للفساد والأشكال غير المادية بالمعنى الثاني.

وهذه هي وجهة نظر اللاهوت المشوهة المحتملة لرؤية الروح الفكرية البشرية كشيء مثل الملاك، من الملاحظ مع ذلك أنّ التشويه المحتمل مبني على سلامة الحجج الفلسفية التي استخدمها اللاهوتي طوال السؤال مدفوعة باهتمامه الأساسي بالروح.

الفرق في الروح بين الإنسان والملائكة في فلسفة الأكويني:

في سؤال 75.7 يجادل توماس بأنّ الروح الداخلية ليست من نفس النوع مثل الملاك، لأنّها شكل جوهري للحيوان، فالملائكة كاملون في طبيعتهم كأشكال قائمة غير مادية وروحية وغير قابلة للفساد، وبالتالي فهم مواد تتحدث بشكل صحيح، ولكن توماس أصر طوال الوقت على أنّ الروح غير مكتملة في طبيعتها حتى لو كانت شكلًا غير مادي وروحي وغير قابل للفساد فهي ليست مادة تتحدث بشكل صحيح.

ومع ذلك يمكن تسمية الروح بالجوهر عن طريق القياس بقدر ما هي المبدأ الرسمي للمادة، ففي اللغة الإنجليزية قد يكون من الأفضل تسميتها جوهرية بدلاً من جوهر، وفي هذا الصدد لا يمكن اعتباره أساسًا لنوع من ثنائية الجوهر عند توماس.

تقود حجة السؤال 75.7 بشكل طبيعي إلى موضوع السؤال الرئيسي التالي في السؤال Ia.76 حول اتحاد الروح والجسد، فمن الملاحظ بالفعل أنّ توماس بعد أرسطو يعتقد أنّ طرح أسئلة حول اتحاد الروح والجسد لا معنى له بالنسبة للفيلسوف، ولكن بسبب وجهة نظر اللاهوتي التي قد تكون مشوهة فإنّ الأخير إلى حد ما مجبر على القيام بذلك، حيث على اللاهوتي أن يطرح أسئلة فلسفية لا يحتاج الفيلسوف إلى طرحها من أجل تجنب وجهة نظر مشوهة عن الروح.

لذلك في السؤال 76 يجادل توماس من أجل الوحدة الكاملة للروح مع الجسد ضد المواقف البديلة المختلفة التي يمكن العثور عليها بين محاوريه اللاهوتيين المعاصرين، وهكذا فإنّ السؤال 75 كما هو الحال من المنظور اللاهوتي يؤدي إلى نشوء انحراف فلسفي يجب حله في السؤال 76، ومثلما كان استخدام اللاهوتي للحجج الفلسفية في سؤال 75 يهدد وجهة نظر مشوهة فإنّ استخدام اللاهوتي للحجج الفلسفية في 76 هو الذي يحل السؤال (aporiae) ويتجنب التشويه.

نتائج الأسئلة الفلسفية في الطبيعة البشرية:

بصرف النظر عن أي شيء آخر يفعله توماس في السؤالين، فإنّهما يقدمان معًا نموذجًا لاستخدام الفلسفة في علم اللاهوت، ليس فقط لتعزيز مواقف لاهوتية معينة ولكن لمساعدة اللاهوتي في تجنب الخطأ نظرًا لخصوصية وجهة نظره اللاهوتية، ويحقق توماس ما قاله بنفسه وهو أحد أدوار الفلسفة داخل علم اللاهوت في السؤال الأول من الخلاصة.

توجد على الأقل ثلاث نتائج مهمة للأسئلة Ia.75-76 وذلك للتفكير في الطبيعة البشرية حيث في المقام الأول في 76.3-4 يجادل توماس ضد الموقف التعددي بشأن تعددية الأشكال الجوهرية، وقد يكون من المغري التفكير في الشكل الجوهري للإنسان كنوع من طبقات لأشكال شبه جوهرية أو مكونة منها، حيث أنّ أحد الأشكال الجوهرية للجسد المادي،و ربما يكون أحد الأشكال يفسر الأنشطة النباتية للإنسان والآخر للأنشطة الحيوانية ثم الشكل الأخير للأنشطة الفكرية للإنسان.

ولا بد من تذّكر أنّ السؤال 75.4 في الحجة بأنّ سقراط ليس مطابقًا للروح الفكرية، يترك ضمنيًا إمكانية أن يكون لسقراط روح كمبدأ لهذه الأنشطة الحيوانية الحيوية بالإضافة إلى الروح الفكرية التي لا يتطابق معها، ومع ذلك يرفض توماس رفضًا قاطعًا هذه التعددية على أساس الوحدة الواضحة للإنسان في أفعاله.

وإذا كانت هناك العديد من الأشكال الجوهرية فلن تكون هناك وحدة في كون المرء إنسانًا، فالأشكال الجوهرية المتعددة تشير إلى مواد متعددة وكائنات متعددة، ومع ذلك فإنّ الإنسان هو واحد كوحدة جوهرية واحدة تتجلى في أفعاله، وهنا يعتمد توماس على الوحدة الجوهرية الواضحة للفيلسوف لرفض نوع من تعددية الجوهر وليس فقط ثنائية الروح والجسد، حيث يعتمد بشكل خاص على حقيقة أنّ سقراط هو نفسه الذي يشارك في النشاط الفكري.

ومرة أخرى في السؤال 75.4 رفض وجهة النظر القائلة بأنّ سقراط مطابق لروحه لأنّ سقراط يشارك في أنشطة حيوانية حيوية لا تنتمي إلى الروح على هذا النحو، ومع ذلك فإنّ ما لم يزعمه في 75.4 هو أنّ نشاط العقل الذي يميز الروح ليس من أنشطة سقراط، وفي الواقع الآن في سؤال 76 يدّعي أنّه نشاط سقراط، حيث لدى سقراط أنشطة حيوية لا تنتمي إلى الروح وحدها، ومع ذلك فإنّ النشاط الذي يخص الروح وحدها والفهم هو أحد أنشطة سقراط.

لكن الروح هو مبدأ النشاط في الكائنات الحية، وهكذا فإنّ الروح الحيوانية ولأسباب مماثلة الروح النباتية تكون متطابقة عند سقراط مع الروح العقلانية، ولا توجد تعددية للأشكال الجوهرية بسبب وحدة أنشطة سقراط بما في ذلك الأنشطة الحيوانية والعقل، كما أنّ الروح البشرية لا تتكون من أي أشكال شبه جوهرية.

هذه هي النتيجة المدهشة الثانية لسؤال 76، حيث أنّ سقراط وروحه على الرغم من أنّهما ليسا متطابقين إلّا أنّهما موضوعان لنفس النشاط، وليسا موضوعين لنفس النوع من النشاط ولكنهما موضوعان لنفس المثال الرمزي للنشاط.


شارك المقالة: