فلسفة الأكويني في الغاية من الفضائل

اقرأ في هذا المقال


في إطار فكر توما الأكويني تدور الفلسفة الأخلاقية حول تحديد أفضل طريقة لعيش حياة المرء، وهذا مستمر مع مناهج العصور الوسطى والقديمة الأوسع، حيث يميل المنظرون المعاصرون إلى افتراض أنّ الناس لديهم مجال واسع من الخيارات التي تقلل الأخلاق، بينما في المقابل يعتقد الأكويني أنّ الناس بحاجة إلى تحديد أهداف ذات مغزى قبل أن يتمكنوا من التصرف، وعلى هذا النحو فإنّ النظرية الأخلاقية هي وسيلة لتسهيل العمل بدلاً من تقييده.

الأكويني وأسباب نحتاجها للفضائل:

الفضائل هي التصرفات التي نلائم بها مصلحتنا المحددة بشكل فعال، ولا تحتاج الحيوانات الأخرى إلى فضائل لأنّ رغباتها توجهها تلقائيًا إلى كمالها الخاص، ولكن نظرًا لأنّ كمالنا الخاص يتضمن العقل فلا يمكن تحقيقه إلّا من خلال الاختيار العقلاني، ورغباتنا وحدها لا تكفي للاختيار العقلاني تمامًا، ولكن لما لا؟

هناك ثلاثة أسباب كل منها يفضح الحاجة إلى نوع معين من الفضيلة إذا أردنا أن نحقق خيرنا كما يتضح من العقل، فالسبب الأول هو أنّ الرغبة الحسية بطبيعتها تهدف فقط إلى جزء من صالحنا، وكذلك الجزء الذي نشاركه مع الحيوانات الدنيا، لذلك يمكن أن يتعارض مع ما يعتبره العقل جيدًا للفرد كنظام متكامل بالكامل.

نتيجة لذلك عندما يتعين على شخص ما التعامل مع أشياء الرغبة الحسية، فإنّه يحتاج من أجل القيام بذلك بشكل جيد إلى نوع من الميل أو الاكتمال في الرغبة الحسية التي تمكنه من طاعة العقل بسهولة، وهذا ما يسمّى بالفضيلة.

الاعتدال هو الفضيلة التي تُكمل الجزء الحسي، والشجاعة هي الفضيلة التي تُكمل الجزء العدواني، لذا فإنّ الرغبة الحسية تحتاج إلى الفضيلة لكي تتبع العقل بسهولة وموثوقية، بينما الإرادة ومع ذلك لا، فطبيعتها هي أن تكون رغبة عقلانية أي الميل إلى أي سبب يقدمه لها على أنّه خير، ومع ذلك فحتى الرغبة العقلانية ليست كافية بالنسبة لنا لقيادة حياة العقل لأنّها موجهة فقط لمصلحتنا الفردية.

لكن مصلحتنا الفردية مفتوحة بطريقة حاسمة معينة، أي جزء من الخير البشري هو العيش في المجتمع، لكن الحياة في المجتمع تتطلب علاقات معينة مع أشخاص آخرين تتجاوز الاعتبارات الضيقة لكمالنا الفردي حتى لو لم يفعلوا ذلك، وفي الواقع يتعارض هذا مع كمالنا الفردي.

لذلك يجب أن تُكمل الإرادة من خلال العدالة، والتي من خلالها يتوافق الفرد مع سعيه الخاص للخير المدرك بعقلانية إلى الصالح العام للمجتمع، الذي يوفر رفاهه وسلامته المؤسسية السياق الذي يمكنه من خلاله السعي وراء مصلحته.

لقد رأينا حتى الآن سببين لكون ميولنا الشهية ليست كافية في حد ذاتها لتمكيننا من تحقيق خيرنا البشري المميز:

1- الأول يتعلق بالرغبة الحسية: نظرًا لأنّه من تلقاء نفسه يمكن أن يتعارض مع العقل فإنّه يتطلب فضائل الاعتدال والشجاعة إذا كان يجب أن يتعامل بشكل صحيح مع الخير البشري كما يتضح من العقل.

2- الثاني يتعلق بالرغبة العقلانية: بما أنّ الإرادة موجهة لخير الفرد، فإنّها تتطلب فضيلة العدالة إذا أُريد لها أن تتصرف بشكل صحيح لصالح الآخرين.

3- السبب الثالث يتعلق بالرغبة بشكل عام: حيث يشرح الأكويني أنّ الحيوانات تشارك في عدد محدود من الأنشطة، وأنّ حاجاتها ثابتة ولا تتغير، ولذا فهم يحتاجون فقط إلى ما يسميه الحكم الطبيعي، وهو نوع من الاعتراف بما هو جيد لا ينطوي على تمييز فكري.

كذلك يحتاجون إلى شهية طبيعية لمصلحتهم الثابتة وغير المتغيرة، وعلى النقيض من ذلك فإنّ البشر ينخرطون في العديد من الأنشطة المتنوعة، خيرهم يأتي في أشكال عديدة، وما هو جيد للبشر يشمل أشياء كثيرة مختلفة، لذلك لا يمكن أن تكون هناك شهية طبيعية لدى البشر لحاجة محددة تناسب جميع الظروف اللازمة لشيء ما ليكون جيدًا لهم.

كما أنّ الحكم الطبيعي ليس مناسبًا لتحقيق هذا الخير البشري المتنوع والمتعدد الأوجه، ولذلك يحتاج البشر إلى العقل القادر على مقارنة الأشياء المختلفة لاكتشاف وتمييز خيرهم المميز الذي يتم تحديده في ضوء جميع الظروف ذات الصلة، كما ينبغي البحث عنه في هذا الوقت وفي هذا المكان، فالفضيلة التي تمكن العقل من القيام بذلك بسهولة وموثوقية هي الحكمة العملية.

غموض مفهوم الغاية النهائية في فلسفة الأكويني:

هناك جانبين يعتقد توماس فيهما أنّ تعبير الغاية النهائية أو السعادة غامض:

1- أولاً الحديث عن السعادة التي يمكن أن يمتلكها البشر في هذه الحياة شيء واحد، وهو ما يسميه توماس أحيانًا السعادة البشرية غير الكاملة، وشيء آخر للحديث عن السعادة التي يمتلكها الله والملائكة والمباركين والتي قال توماس تعتبر مثالية وكاملة.

يصف توماس هذه السعادة البشرية الدنيوية بالنقص ليس فقط لأنّه يعتقد أنّها تتضاءل بالمقارنة مع السعادة المثالية التي يتمتع بها القديسون في السماء، ولكن أيضًا لأنّه يقرأ أرسطو الذي تعتبر مناقشته للسعادة مهمة جدًا بالنسبة لتوماس، وذلك على أنّه يفكر في أنّ السعادة البشرية الدنيوية باعتبارها ناقصة.

يلاحظ توماس أنّه بعد أن حدد أرسطو الخصائص العامة للسعادة البشرية في أخلاقيات نيكوماشيان، يستمر أرسطو في الإشارة إلى أنّ البشر لا يمكن أن يكونوا سعداء في هذه الحياة بشكل مطلق أو تمامًا، لأنّ البشر في هذه الحياة يمكن أن يفقدوا سعادتهم، وعدم القدرة على فقدان سعادتهم هو أمر يرغب فيه البشر.

وهكذا يعتقد أرسطو نفسه أنّ السعادة البشرية في هذه الحياة غير كاملة مقارنة بالظروف التي وضعها في أخلاقيات نيكوماشيان، ويعتقد أرسطو أنّ البشر سعداء في هذه الحياة فقط كبشر أي ككائنات ذات طبيعة قابلة للتغيير.

2- ثانيًا يتعرف توماس على نوعين مختلفين من الأسئلة التي قد نرغب في طرحها عندما نفكر في طبيعة السعادة البشرية، وعندما نسأل عن طبيعة السعادة البشرية ربما نسأل ما هو الصحيح عن الشخص السعيد، وكما يقول توماس هذا هو تركيز انتباهنا على استخدام أو امتلاك أو تحقيق السعادة من قبل الشخص الذي نصفه بالسعادة على الأقل افتراضيًا.

إنّ الحديث عن السعادة بهذا المعنى هو تقديم ادعاءات حول ما يجب أن يكون صحيحًا عن روح الشخص السعيد، على سبيل المثال أنّ السعادة نشاط للروح وليست مجرد حالة نفسية أو عاطفة حيث أنّه نشاط تخميني أكثر من كونه نشاطًا عمليًا وأنّ هذا النشاط لا يتطلب هيئة وما إلى ذلك.

ومع ذلك عند السؤال عن سعادة البشر ربما نسأل عن موضوع السعادة أو كما يقول توماس الشيء نفسه الذي يوجد فيه جانب الخير، على سبيل المثال نهاية الإنسان الجائع أي أنّ موضوع شهوته هو الطعام، ونهاية الإنسان الجائع هي التحصيل الأكل.

ما الذي يشكل السعادة في فلسفة الأكويني؟

يتفق توماس مع أرسطو على أنّ تحقيق السعادة يتمثل في نشاط الروح الذي يعبر عن الفضيلة، وعلى وجه الخصوص أفضل فضيلة في التأمل حيث يكون موضوع هذا التأمل هو أفضل شيء ممكن أي الله، وهكذا فإنّ موضوع السعادة البشرية سواء أكان كاملًا أم غير كامل هو سبب كل الأشياء أي الله، وذلك لأنّ البشر يرغبون في معرفة كل شيء ويريدون الخير الكامل.

ومع ذلك فهذه مجرد طريقة أخرى للحديث عن الله، ولذلك سواء عرفوا ذلك بوعي أم لا فإنّ جميع البشر يرغبون في اتحاد تأملي مع الله، حيث يعتقد توماس أنّ البشر في هذه الحياة حتى أولئك الذين يمتلكون الفضائل المغروسة سواء كانت لاهوتية أو أخلاقية، فإنّهم في أفضل حالاتهم ينالون السعادة بشكل غير كامل فقط لأنّ تأملهم وحبهم لله هو في أحسن الأحوال غير كامل.

بالنسبة لتوما فإنّ السعادة البشرية فقط في السماء وهي الكمال بقدر ما يجلبها الله إلى أن يتمتع الأشخاص في السماء باتحاد فكري وإرادي كامل مع الله، ويسمي توماس مثل هذا الاتحاد الرؤية المبهرة.


شارك المقالة: