اقرأ في هذا المقال
- فلسفة أرسطو والأكويني في ثنائية المادة للروح والجسد
- فلسفة الأكويني للروح البشرية
- مصطلح غير مادي وفلسفة الروح والجسد
- هل تتوقف الروح بموت الجسد في فلسفة الأكويني؟
سوف يرغب الفلاسفة في الوقت الحاضر في معرفة كيف يضع حساب فلسفة توماس الأكويني في التصور والفكر للجوهر على مسألة العلاقة بين الجسد والروح فيما يتعلق بالثنائية والمادية، فليس من السهل أن يؤكد الأكويني أنّ الروح قادرة على الوجود بعيدًا عن الجسد الحي بعد موت الجسد، لأنّ الروح غير قابلة للفساد، وقد يشير هذا إلى أنّه نوع من ثنائي المادة حيث أنّ الروح مادة واحدة والجسد الآخر مع الروح تتفاعل كما كانت مع المادة الأخرى وهو الجسد.
فلسفة أرسطو والأكويني في ثنائية المادة للروح والجسد:
قد فشلت الصورة في التعرف على المصطلحات الأرسطية للرواية التي يقدمها الأكويني للروح والجسد، حيث يعرّف توماس ويقبل تأكيد أرسطو في كتاب عن الروح (De anima II.1) أنّه من العبث التساؤل عما إذا كان الروح والجسد واحدًا، كما هو الحال في التساؤل عما إذا كان الختم والشمع واحدًا أم لا.
حيث أنّ الروح قادرة بالفعل على الوجود بمعزل عن الجسد عند الموت، وهذه الاستقامة ناتجة عن حقائق الفهم والإرادة التي ليست حقائق أي عضو في الجسم لكن للحيوان البشري على هذا النحو المميز بالشكل العقلاني، ومع ذلك استنتج توما فقط من هذه الحقيقة أنّ الروح هي شيء خاص، وبالتالي فهي موجودة بعد موت الجسد.
يجادل توما بأنّ ما ينتمي إلى مفهوم هذا الشيء بالذات هو فقط أنّه موجود، وليس أنّه مادة كاملة في الطبيعة، حيث أنّ الوجود هو شيء له عملية خاصة به وموجود إما بمفرده أو في جزء آخر كجزء لا يتجزأ، ولكن ليس بالطريقة التي توجد بها أشكال عرضية أو مادية في أخرى.
فالوجود بمفرده لا يميز المواد وحدها، مثلًا الكرسي هو شيء معين وبالتالي فهو موجود، ولكن من وجهة نظر الأكويني فهي ليست مادة، حيث إنّها بالأحرى وحدة عرضية لمكونات أخرى قد تكون أو لا تكون مادية، فاليد لها عملية مميزة كجزء لا يتجزأ من الجسم الحي، وهي عملية تختلف عن عملية المعدة حيث إنّه شيء خاص وموجود أيضًا، ومع ذلك لكونها جزءًا لا يتجزأ وعمليًا من مادة ما فإنّها لا تمتلك الطبيعة الكاملة للمادة.
من ناحية أخرى فإنّ الجوهر هو شيء موجود وكامل في الطبيعة على حد سواء، والطبيعة هي مبدأ جوهري للحركة والتغيير في الذات، فالنفس البشرية هي عنصر مكون لطبيعة الجوهر البشري، حيث إنّه المبدأ الرسمي للمادة البشرية، وإنّه ما يتم تحديده عندما نقول ما هي المادة ولكنها غير كاملة، وما يجب أن تكون عليه الروح هو أن تكون شكلًا لبعض الجوهر.
وبهذا المعنى يعد مبدأ المادة، حيث أنّ المبدأ مصطلح تقني يشير إلى المدخل الأول وهو الفلك (arche)، وذلك في معجم أرسطو الفلسفي في الميتافيزيقيا، وكذلك تعليق توماس عليها وتوماس حول مبادئ الطبيعة في أعماله الفلسفية.
كمبدأ للطبيعة فإنّ طبيعتها هي أن تكون العنصر الرسمي لمادة كاملة، وبالتالي ليس لها طبيعتها الخاصة وليست مادة في حد ذاتها حتى لو كانت قادرة على العيش بعيدًا عن الجسم الحي، حيث يرى توماس أنّ هذه الحالة غير طبيعية بالنسبة لها، لأنّها غير مكتملة بشكل طبيعي باعتبارها موجودة بعيدًا عن الجسد، وإشارة إلى قيامة الجسد ولكن ليس حجة لها.
فلسفة الأكويني للروح البشرية:
السؤال Ia.75 من العمل الفلسفي الخلاصة اللاهوتية يعد أفضل مكان للبحث عن مناقشة توماس للواقع القائم للروح البشرية، على الرغم من أنّ العمل الفلسفي (الأسئلة المتنازع عليها بخصوص الروح) (Quaestiones Disputatae De Anima) والتعليق على كتاب عن الروح لأرسطو يوفران مادة تكميلية مهمة لتلك المناقشة.
يبدأ توماس بالإشارة إلى أنّ اهتمامه هو اهتمام اللاهوتي، وأنّ اللاهوتي يهتم بالطبيعة البشرية في المقام الأول فيما يتعلق بالروح، ويهتم بالجسد فقط في علاقته بالروح، وإنّ جسد السؤال مليء بالحجج الفلسفية ومع ذلك فإنّ ترتيبها وموضوعها لاهوتيان، ومع ذلك يمكن أن يؤدي هذا الترتيب والنقطة اللاهوتية إلى بعض التشوهات الفلسفية المتعلقة بالروح إذا لم يكن المرء حذراً، لذا فإنّ توماس حريص للغاية.
مصطلح غير مادي وفلسفة الروح والجسد:
تعتبر الروح شكلاً جوهريًا من الجسد المادي فهي موجودة في كائن حي كشكل جوهري للحيوان، وهنا من المهم التوضيح أنّه يمكن قول مصطلح غير مادية بطريقتين من الأشكال:
1- في الطريقة الأولى أي شكل على هذا النحو غير مادي لأنّه ليس مبدأ ماديًا، ويتم تمييزه كمبدأ للواقعية في كائن من المبدأ المادي الذي هو مبدأ الإمكانية والتغيير في الكائنات المادية، وبهذا المعنى فإنّ أي شكل جوهري مهما كان سيكون غير مادي، بما في ذلك الشكل الأساسي لشجرة البلوط أو الشكل الأساسي للكلب، وكذلك الشكل الأساسي للإنسان غير المادي بهذا المعنى.
فيوضح الأكويني هذا الأمر بوضوح عندما يثبت أنّ الروح البشرية غير مادية في الخلاصة اللاهوتية في السؤال Ia.75.5، حيث إنّه غير جوهري بالطريقة التي يكون فيها أي شكل مهما كان غير مادي.
2- بالطريقة الثانية يقال غير المادي عن الأشكال الموجودة، مثل الأشكال التي توجد بدون مادة مثل الملائكة أو المواد الروحية بشكل عام.
هل تتوقف الروح بموت الجسد في فلسفة الأكويني؟
في سؤال 75.1 جادل توماس ضد الماديين القدماء وذلك بأنّ الروح ليست جسداً حيث إنّه غير مادي، وفي سؤال 75.2 أثبت أنّ النفس البشرية هي روح حية لأنّ لها نشاطًا يتعلق بها دون استخدام عضو مادي أي نشاط الفهم في العقل، ولكن بعد ذلك على الفور في سؤال 75.3 أثبت أنّ أرواح الحيوانات الأخرى ليست على قيد الحياة، لأنّهم ليس لديهم عملية لا توظف عضوًا جسديًا.
أرواح الحيوانات الأخرى غير مادية بمعنى السؤال 75.1، لكنها ليست موجودة كما في السؤالان 75.2 وفي 75.4، فقد أثبت توماس بعد كل ذلك أنّ الروح ليست الرجل، فسقراط الرجل لديه أنشطة حيوية هي أنشطة حيوان حي مثل الإحساس والتغذية والتكاثر وما إلى ذلك، والأنشطة التي لا تمثل أنشطة مميزة للروح نفسها مثل العقل في حالة الإنسان، ونظرًا لأنّ هذه أنشطة سقراط وليست أنشطة للروح فإنّ سقراط والروح ليسا متطابقين.
ولذا فإنّ سقراط إن وجد هو حيوان حي تمامًا مثل الحيوانات الأخرى، وهذا يترك ضمنيًا إمكانية وجود روح حيوانية لسقراط لا تتطابق مع الروح الفكرية، وكما هو موضح في سؤال 75.3 أنّ هذه الروح الحيوانية لسقراط لن تكون موجودة، وهذا الاحتمال بوجود روحين في سقراط وهما روح حيوانية وروح مثقفة لن يتم استبعادها إلّا لاحقًا في السؤال 76.
في سؤال 75.5 يثبت توماس أنّ الروح الفكرية البشرية غير مادية تمامًا مثل أرواح الحيوانات الأخرى، ولكن بالاقتران مع نتيجة السؤال 75.2 فإنّه لدينا الآن روح غير مادية، حيث بالاقتران مع السؤال 75.3 فإنّ أرواح الحيوانات الأخرى ليست كائنات غير مادية.
وفي سؤال 75.6 وبالاعتماد على كل ما حدث من قبل يجادل توماس بأنّ النفس البشرية هي روح غير مادية، وبالتالي لا تتوقف عن الوجود نتيجة موت الجسد، وتظهر هذه النتيجة أنّ الروح هي شكل ثابت يمكن أن يوجد بدون مادة خارجية، ولذا يُنظر إليه الآن على أنّه عنصر غير مادي بالمعنى الثاني الموصوف أعلاه، وليس فقط بالمعنى الأول، والآن يميز غير المادي نمط وجوده وليس فقط الحقيقة السلبية بأنّه غير مادية مثل كل الأشكال الأخرى غير مادية.
لذا فإنّ الاختلاف بين الروح الفكرية البشرية وأرواح الحيوانات الأخرى هو أنّه في حين أنّ كلاهما غير مادي بالمعنى الأول، بمعنى أنّه ليس مبادئ مادية فإنّ الروح الفكرية هي غير مادية بالمعنى الثاني بينما أرواح الحيوانات الأخرى ليست عناصر غير مادية، وهو المعنى الثاني لمصطلح غير المادي الذي يعطينا مفتاحًا لفهم ما يعنيه توماس بالشكل المادي، ولا سيما الشكل المادي.