اقرأ في هذا المقال
- فلسفة ديموقريطس في مفهوم الذرية
- فلسفة التغيير وشكل المادة
- الفلسفة الذرية والإدراكات الحسية
- فلسفة ديموقريطس وأصل البشرية
مصطلح الذرية (Atomism) هي أي عقيدة تشرح الظواهر المعقدة من حيث مجاميع الجسيمات أو الوحدات الثابتة، ووجدت هذه الفلسفة أكثر تطبيقاتها نجاحًا في العلوم الطبيعية، ووفقًا لوجهة النظر الذرية يتكون الكون المادي من جسيمات دقيقة، والتي تعتبر بسيطة نسبيًا وغير قابلة للتغيير وصغيرة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها، إذن فإنّ تعدد الأشكال المرئية في الطبيعة يعتمد على الاختلافات في هذه الجسيمات وفي تكويناتها، ومن ثم يجب تقليل أي تغييرات يمكن ملاحظتها إلى تغييرات في هذه التكوينات.
فلسفة ديموقريطس في مفهوم الذرية:
يعتبر ليوسيبوس وديموقريطس على نطاق واسع أول علماء الذرة في التقليد اليوناني، ولا يُعرف الكثير عن ليوسيبوس (Leucippus)، في حين أنّ أفكار تلميذه ديموقريطس (Democritus) الذي يقال إنّه تولى المسؤولية ونظم نظرية معلمه ومعروفة من خلال عدد كبير من التقارير.
وضع هؤلاء الذريون القدماء نظرية مفادها أنّ المكونين الأساسيين والمتعارضين للعالم الطبيعي هما أجسام غير قابلة للتجزئة (ذرات) وفراغ، ويوصف الأخير ببساطة بأنّه لا شيء أو نفي وإنكار الجسد، والذرات بطبيعتها غير قابلة للتغيير في جوهرها، حيث يمكنهم فقط التحرك في الفراغ والاندماج في مجموعات مختلفة.
نظرًا لأنّ الذرات مفصولة عن طريق الفراغ فإنّها لا يمكن أن تندمج بل يجب أن ترتد عن بعضها البعض عندما تصطدم، ونظرًا لأنّ جميع الكائنات العيانية أو المجهرية هي في الواقع مجموعات من الذرات، فإنّ كل شيء في العالم العياني عرضة للتغيير حيث تتحرك ذراتها المكونة أو تتحرك بعيدًا، وهكذا في حين أنّ الذرات نفسها تستمر طوال الوقت فإنّ كل شيء في عالم تجربتنا هو عابر وعرضة للانحلال.
فلسفة التغيير وشكل المادة:
وفقًا لعرض أرسطو في عمله الفلسفي حول الجيل والفساد، فإنّ الدافع وراء الافتراض الأول للأجسام غير القابلة للتجزئة هو الإجابة على لغز ميتافيزيقي حول إمكانية التغيير والتعددية، فقد جادل بارمينيدس بأنّ أي تمايز أو تغيير في الوجود يعني ضمناً أنّ (ما ليس هو) إما موجود أو يأتي، على الرغم من وجود مشاكل في تفسير المعنى الدقيق لبارمينيدس، فقد كان مفهوماً أنّه أثار مشكلة حول كيف يمكن أن يكون التغيير ممكنًا دون أن يأتي شيء من لا شيء.
صاغ العديد من علماء ما قبل سقراط استجابةً أنظمة فلسفية لا يُنظر فيها إلى التغيير على أنّه يتطلب وجود شيء ما من عدم الوجود الكامل، بل ترتيب العناصر الموجودة مسبقًا في مجموعات جديدة، ورأى علماء الذرة أنّ الذرات مثل الوجود كما تصورها بارمينيدس غير قابلة للتغيير ولا تحتوي على تمايز داخلي من النوع الذي يسمح بالانقسام، ولكن هناك كائنات كثيرة وليس كائنًا واحدًا والتي يفصلها شيء عن الآخر أي بالفراغ.
من خلال افتراض أجسام غير قابلة للتجزئة كان يُعتقد أيضًا أنّ علماء الذرة يجيبون على مفارقات زينو إيليا حول استحالة الحركة، وجادل زينو أنّه إذا أمكن تقسيم المقادير إلى ما لا نهاية فسيكون من المستحيل حدوث الحركة، ويبدو أنّ المشكلة تكمن في أنّ الجسم المتحرك سيتعين عليه اجتياز عدد لا حصر له من المساحات في وقت محدود.
من خلال افتراض أنّ الذرات تشكل الحد الأدنى للانقسام يفلت علماء الذرة من هذه المعضلة، وهي المساحة الكلية التي يتم اجتيازها وتحتوي فقط على عدد محدود من الأجزاء، ونظرًا لأنّه من غير الواضح ما إذا كان علماء الذرة الأوائل قد فهموا أنّ الذرات غير قابلة للتجزئة فيزيائيًا أو نظريًا فربما لم يكونوا قد قاموا بالتمييز، فالتغييرات في عالم الأجسام العيانية ناتجة عن إعادة ترتيب المجموعات الذرية،
ويمكن أن تختلف الذرات في الحجم والشكل والنظام والموضع (الطريقة التي يتم بها قلبها)، حيث إنّها تتحرك في الفراغ ويمكن لبعضها -اعتمادًا على شكلها- أن تترابط مؤقتًا مع بعضها البعض عن طريق خطافات وأشواك دقيقة على أسطحها، وهكذا فإنّ شكل الذرات الفردية يؤثر على النسيج العياني لمجموعات الذرات، والتي قد تكون سائلة وذات إنتاجية أو صلبة ومقاومة، وذلك اعتمادًا على مقدار المسافة الفارغة بين واندماج الأشكال الذرية، ويتم أيضًا حساب نسيج الأسطح والكثافة النسبية وهشاشة المواد المختلفة بنفس الوسائل.
الفلسفة الذرية والإدراكات الحسية:
استوعب علماء الذرة الإدراك عن طريق أفلام ذرات تنسلخ من أسطحها بواسطة أجسام خارجية ودخلت وأثرت على أعضاء الحواس، ولقد حاولوا تفسير جميع التأثيرات المحسوسة عن طريق الاتصال، واعتبروا جميع الإدراكات الحسية ناتجة عن خصائص الذرات التي تشكل الأفلام التي تعمل على ذرات أعضاء الحواس لدى الحيوانات.
فتصورات اللون ناتجة عن (دوران) أو موضع الذرات، حيث الأذواق ناتجة عن نسيج الذرات على اللسان، على سبيل المثال الأذواق المرة بسبب التمزق الناجم عن الذرات الحادة، حيث تنسب مشاعر الحرارة إلى الاحتكاك، كما اعتبر أرسطو ديموقريطس أنّه يعتبر الفكر عملية مادية تتضمن إعادة ترتيب محلية للأجساد تمامًا مثل الإدراك.
يميز الاقتباس الشهير من ديموقريطس بين الخصائص المتصورة مثل الألوان والأذواق، والتي توجد فقط من خلال الاصطلاح على عكس الواقع وهو الذرات والفراغ، ومع ذلك فقد أدرك على ما يبدو مشكلة معرفية لفلسفة تجريبية تعتبر مع ذلك موضوعات المعنى غير واقعية.
وفي اقتباس مشهور آخر تتهم الحواس العقل بإسقاطها رغم أنّ العقل يعتمد على الحواس، والاتهام هو أنّه من خلال تطوير نظرية ذرية تقوض أساس الثقة في الإدراك الحسي، فإنّ الفكر في الواقع قد قوض أساسه الخاص على المعرفة المكتسبة من خلال الحواس، ويبدو أنّ ديموقريطوس أحيانًا يشك أو ينفي إمكانية المعرفة.
يحاول علماء الذرة الأوائل تفسير تكوين العالم الطبيعي من خلال علم الوجود البسيط للذرات والفراغ وحده، واعتقد ليوسيبوس أنّ هناك عددًا لا حصر له من الذرات تتحرك طوال الوقت في فراغ لا نهائي، وأنّ هذه يمكن أن تتشكل في أنظمة كونية أو ما يطلق عليه (kosmoi) أي من العالم، عن طريق حركة الدوران التي تثبت نفسها بشكل عشوائي في مجموعة كبيرة بما يكفي من الذرات.
من المثير للجدل ما إذا كان يُعتقد أنّ للذرات وزنًا كخاصية جوهرية، مما يتسبب في سقوطها جميعًا في اتجاه معين أو ما إذا كان الوزن مجرد ميل للذرات (التي تتحرك بخلاف ذلك في أي اتجاه وفي كل اتجاه، باستثناء عندما تضرب) نحو مركز النظام الذي تم إنشاؤه بواسطة دوران الدوامات الكونية، وعندما تتشكل دوامة فإنّها تخلق غشاءًا من الذرات عند حافتها الخارجية، ويشتعل الشريط الخارجي للذرات مكونًا الشمس والنجوم، وهذه (kosmoi) غير دائمة ولا يتم احتسابها عن طريق الغرض أو التصميم، وتوصف الأرض بأنّها أسطوانة أسطوانية مسطحة في مركز كوننا.
لا يُنظر إلى الأنواع على أنّها أشكال مجردة دائمة ولكن كنتيجة لتوليفات الذرات بالصدفة، وتعتبر الكائنات الحية ذات نفسية أو مبدأ للحياة، حيث يتم التعرف على هذا مع الذرات النارية.
فلسفة ديموقريطس وأصل البشرية:
ويُعتقد أنّ الكائنات الحية تتكاثر عن طريق البذور، أي يبدو أنّ ديموقريطوس يعتقد أنّ كلا الوالدين ينتجان بذورًا تتكون من أجزاء من كل عضو في جسمهما، وأيًا كانت الأجزاء المأخوذة من العضو ذي الصلة للوالدين السائدة في الخليط الجديد فإنّه يحدد الخصائص التي يرثها النسل.
يقال أنّ ديموقريطس قد أعطى وصفًا لأصل البشر من الأرض، ويقال أيضًا إنّه مؤسس نوع من الأنثروبولوجيا الثقافية، نظرًا لأنّ وصفه لأصل الكون يتضمن وصفًا لأصل المؤسسات البشرية بما في ذلك اللغة والتنظيم الاجتماعي والسياسي، ومجموعة كبيرة من التقارير حول آراء ديموقريطس تتعلق بالمبادئ الأخلاقية، فقد حاول بعض العلماء اعتبارها منهجية أو معتمدة على الفيزياء الذرية بينما يشكك آخرون في قرب الصلة، وذلك نظرًا لأنّ العديد من الأقوال تؤكد على قيمة (البهجة)، ويتم تصوير ديموقريطوس أحيانًا على أنّه (الفيلسوف الضاحك).