اقرأ في هذا المقال
- حياة ميكافيلي
- كتاب الأمير كتحليل القوة لدى مكيافيلي
- القوة والفضيلة والثروة لدى مكيافيلي
- الأخلاق والدين والسياسة لدى مكيافيلي
حياة ميكافيلي:
لا يُعرف الكثير نسبيًا على وجه اليقين عن حياة مكيافيلي المبكرة، ولد في 3 مايو 1469 في فلورنسا وأصبح في سن مبكرة تلميذ معلم لاتيني مشهور باولو دا رونسيجليوني، ومن المتوقع أنّه التحق بجامعة فلورنسا، وتم تعيينه في عام 1498 بصفته المستشار الثاني لجمهورية فلورنسا، على مدار الأربعة عشر عامًا التالية انخرط مكيافيلي في موجة من النشاط الدبلوماسي نيابة عن فلورنسا، وسافر إلى المراكز الرئيسية في إيطاليا وكذلك إلى البلاط الملكي في فرنسا وإلى كوريا الإمبراطورية ماكسيميليان.
كتاب الأمير كتحليل القوة لدى مكيافيلي:
لقد كان الرأي السائد بين الفلاسفة السياسيين أنّ هناك علاقة خاصة بين الخير الأخلاقي والسلطة الشرعية، ويعتقد العديد من المؤلفين (خاصة أولئك الذين ألفوا كتب مرايا الأمراء أو كتب النصائح الملكية خلال العصور الوسطى وعصر النهضة) أنّ استخدام السلطة السياسية كان صحيحًا فقط إذا كان يمارسها حاكم يتمتع بشخصيته الأخلاقية الفاضلة تمامًا.
وهكذا تم نصح الحكام بأنّهم إذا أرادوا النجاح أي إذا كانوا يرغبون في حكم طويل وسلمي ويهدفون إلى نقل منصبهم إلى ذريتهم، فيجب عليهم التأكد من التصرف وفقًا للمعايير التقليدية للخير الأخلاقي، بمعنى ما كان يُعتقد أنّ الحكام يقومون بعمل جيد عندما يفعلون الخير، ولقد حصلوا على الحق في أن يطيعوا ويحترموا بقدر ما أظهروا أنفسهم على أنّهم فاضلون ومستقيمون أخلاقياً.
وينتقد مكيافيلي مطولاً هذه النظرة الأخلاقية للسلطة في أطروحته الأكثر شهرة، فالأمير بالنسبة لمكيافيلي لا يوجد أساس أخلاقي للحكم على الفرق بين الاستخدامات المشروعة وغير المشروعة للسلطة، وعلى العكس من ذلك فإنّ السلطة والقوة متساويتان في الأساس، ومن يملك السلطة له الحق في الأمر، ولكن الخير لا يضمن القوة والإنسان الصالح ليس له سلطة بحكم كونه صالحًا.
وهكذا في معارضة مباشرة للنظرية الأخلاقية للسياسة يقول مكيافيلي إنّ الشاغل الحقيقي الوحيد للحاكم السياسي هو اكتساب السلطة والحفاظ عليها (على الرغم من أنّه يتحدث أقل عن السلطة في حد ذاتها أكثر من الحديث عن “الحفاظ على الدولة”)، وبالمعنى يقدم مكيافيلي نقدًا لاذعًا لمفهوم السلطة من خلال القول بأنّ فكرة الحقوق المشروعة للحكم لا تضيف شيئًا إلى الامتلاك الفعلي للسلطة.
ويزعم الأمير أنّه يعكس الواقعية السياسية الواعية بذاتها لكاتب يدرك تمامًا -على أساس التجربة المباشرة مع حكومة فلورنسا- أنّ الخير والحق ليسا كافيين للفوز بالمنصب السياسي والحفاظ عليه، وهكذا يسعى مكيافيلي إلى تعلم وتعليم قواعد السلطة السياسية، وبالنسبة لمكيافيلي تحدد القوة بشكل مميز النشاط السياسي، وبالتالي من الضروري لأي حاكم ناجح أن يعرف كيف يتم استخدام السلطة، ويعتقد مكيافيلي أنّه فقط من خلال التطبيق الصحيح للسلطة يمكن إخضاع الأفراد للطاعة، وسيكون الحاكم قادرًا على الحفاظ على الدولة في أمان.
تمثل نظرية مكيافيلي السياسية إذن جهدًا متضافرًا لاستبعاد قضايا السلطة والشرعية من الاعتبار في مناقشة صنع القرار السياسي والحكم السياسي، ولا يظهر هذا بوضوح في أي مكان أكثر من معالجته للعلاقة بين القانون والقوة، ويقر مكيافيلي بأنّ القوانين الجيدة والأسلحة الجيدة تشكل الأسس المزدوجة لنظام سياسي جيد التنظيم، لكنه يضيف على الفور أنّه بما أنّ الإكراه يخلق الشرعية فإنّه سيركز انتباهه على القوة.
ويقول: “بما أنّه لا يمكن أن تكون هناك قوانين جيدة بدون أسلحة جيدة فلن أفكر في القوانين بل أتحدث عن السلاح”، بعبارة أخرى تعتمد شرعية القانون بالكامل على التهديد باستخدام القوة القسرية، والسلطة مستحيلة لمكيافيلي كحق بصرف النظر عن القوة لفرضها، وبالتالي فإنّ مكيافيللي يقود إلى استنتاج أنّ الخوف هو الأفضل دائمًا على المودة في الأشخاص تمامًا كما أنّ العنف والخداع يتفوقان على الشرعية في السيطرة عليهم بشكل فعال.
“بما أنّ هذا يجب تأكيده بشكل عام على المخلوقات البشرية حيث أنّهم جاحدون ومتقلبون وزائفون وجبناء وطمعون وطالما نجحت فهم ملكك تمامًا: سيقدمون لك دمائهم وممتلكاتهم وحياتهم وأطفالهم … وذلك عندما تكون الحاجة بعيدة، ولكن عندما يقترب ينقلبون عليك.”
نتيجة لذلك لا يمكن القول حقًا بأنّ ميكيافيلي لديه نظرية التزام منفصلة عن فرض السلطة، ويطيع الناس فقط لأنّهم يخشون عواقب عدم فعل ذلك سواء أكان ذلك خسارة في الأرواح أو امتيازات، وبالطبع لا يمكن للقوة وحدها أن تلزم أحدًا بقدر ما يفترض الالتزام أنّه لا يمكن للمرء أن يفعل غير ذلك بشكل هادف.
وبالتزامن مع ذلك يهاجم المنظور الميكافيلي بشكل مباشر فكرة أي أساس للسلطة مستقل عن امتلاك السلطة المطلق، وبالنسبة لمكيافيللي فإنّ الناس مجبرون على الانصياع فقط للامتثال للسلطة المتفوقة للدولة، وإذا كنت أعتقد أنّه لا ينبغي أن أطالب بقانون معين، فإنّ ما يقودني في النهاية إلى الخضوع لهذا القانون سيكون إما الخوف من سلطة الدولة أو الممارسة الفعلية لتلك السلطة، إنّها القوة التي هي في النهاية ضرورية لفرض وجهات نظر متضاربة حول ما يجب أن أفعله ويمكنني فقط اختيار عدم الانصياع إذا كنت أمتلك القوة لمقاومة مطالب الدولة أو إذا كنت على استعداد لقبول عواقب تفوق الدولة للقوة القسرية.
حجة مكيافيلي في كتابه الأمير مصممة لإثبات أنّه لا يمكن تعريف السياسة إلا بشكل متماسك من حيث سيادة القوة القسرية، والسلطة كحق في القيادة حيث ليس لها وضع مستقل.
القوة والفضيلة والثروة لدى مكيافيلي:
يقدم مكيافيلي لقرائه رؤية للحكم السياسي يُزعم أنّه تم تطهيره من التأثيرات الأخلاقية الدخيلة ويدرك تمامًا أسس السياسة في الممارسة الفعالة للسلطة، والمصطلح الذي يجسد رؤية مكيافيلي لمتطلبات سياسة القوة هو “الفضيلة“.
وفي حين أنّ الكلمة الإيطالية تُترجم عادة إلى اللغة الإنجليزية على أنّها “فضيلة”، وعادة ما تنقل الدلالة التقليدية للخير الأخلاقي فمن الواضح أنّ مكيافيلي يعني شيئًا مختلفًا تمامًا عندما يشير إلى فضيلة الأمير، على وجه الخصوص يستخدم مكيافيلي مفهوم الفضيلة للإشارة إلى مجموعة الصفات الشخصية التي سيجد الأمير أنّه من الضروري اكتسابها من أجل “الحفاظ على دولته” و “تحقيق أشياء عظيمة” وهما علامتان أساسيتان للقوة بالنسبة له.
وهذا يوضح بشكل وحشي أنّه لا يمكن أن يكون هناك تكافؤ بين الفضائل التقليدية والفضيلة الميكافيلية، وهكذا يمكن تلخيص إحساس مكيافيلي بما يعنيه أن تكون شخصًا ذا فضيلة من خلال توصيته بأنّ الأمير قبل كل شيء يجب أن يمتلك “تصرفًا مرنًا”، وهذا الحاكم هو الأنسب للمنصب حسب حساب مكيافيلي فهو قادر على تغيير سلوكه من الخير إلى الشر والعودة مرة أخرى “حسب ما تمليه الثروة والظروف”.
فورتونا Fortuna:
ما هي الصلة المفاهيمية بين الفضيلة والممارسة الفعالة للسلطة لمكيافيلي؟ تكمن الإجابة في مفهوم مكيافيلي مركزي آخر فورتونا (تُترجم عادةً باسم “الثروة”)، فورتونا هي عدو النظام السياسي والتهديد النهائي لأمن وسلامة الدولة.
تمت مناقشة استخدام مكيافيلي لهذا المفهوم على نطاق واسع دون حل مرضٍ للغاية، ويكفي أن نقول إنّه يستخدم Fortuna بواسطته بطريقة مميزة، حيث تعاملت التمثيلات التقليدية مع فورتونا على أنّها إلهة حميدة في الغالب وإن كانت متقلبة ومصدر للبضائع البشرية وكذلك الشرور، فإنّ ثروة مكيافيلي هي منبع خبيث لا هوادة فيه من البؤس البشري والبلاء والكارثة، في حين أنّ فورتونا البشرية قد تكون مسؤولة عن مثل هذا النجاح الذي يحققه البشر فلا يمكن لأي إنسان أن يتصرف بفعالية عندما تعارضه الإلهة مباشرة.
تشير ملاحظات مكيافيلي إلى عدة استنتاجات بارزة حول فورتونا ومكانتها في عالمه الفكري، ففي جميع أنحاء كتابه تم تصوير Fortuna كمصدر أولي للعنف (خاصة الموجه ضد الإنسانية) ومتناقض مع العقل، وهكذا يدرك ميكافيللي أنّ التحضير فقط لتقديم استجابة شديدة لتقلبات فورتونا سيضمن النصر ضدها، وهذا ما توفره الفضيلة: القدرة على الاستجابة للثروة في أي وقت وبأي طريقة ضرورية.
الأخلاق والدين والسياسة لدى مكيافيلي:
أثارت هذه اللبنات الأساسية لفكر مكيافيلي جدلًا كبيرًا بين قرائه منذ القرن السادس عشر عندما تم إدانته كرسول للشيطان ولكن تمت قراءته أيضًا وتطبيقه بتعاطف من قبل المؤلفين (والسياسيين) الذين أعلنوا عقيدة ” سبب الدولة “.
كان المصدر الرئيسي للنزاع يتعلق بموقف مكيافيلي تجاه المعايير الأخلاقية والدينية التقليدية للسلوك البشري وخاصة فيما يتعلق بالأمير، وبالنسبة للكثيرين فإنّ تعاليمه تؤيد اللاأخلاقية، وتجد النسخ المتطرفة من هذه القراءة أن مكيافيلي هو “معلم الشر” على حد تعبير ليو شتراوس على أساس أنّه ينصح القادة بتجنب القيم المشتركة للعدالة والرحمة والاعتدال والحكمة ومحبّة شعبهم على استخدام القسوة والعنف والخوف والخداع.
مدرسة فكرية أكثر اعتدالًا مرتبطة باسم بنديتو كروس (1925) تنظر إلى ميكافيللي على أنّه مجرد “واقعي” أو “براغماتي” يدعو إلى تعليق الأخلاق الشائعة في الأمور السياسية، ولا مكان للقيم الأخلاقية في أنواع القرارات التي يجب على القادة السياسيين اتخاذها ومن أخطر أنواع الخطأ التفكير بطريقة أخرى.
ربما تكون النسخة الأكثر اعتدالًا من الفرضية اللاأخلاقية قد اقترحها كوينتن سكينر (1978) الذي يدعي أنّ ارتكاب الحاكم لأفعال تعتبر شريرة وفقًا للاتفاقيات هو الخيار “الأفضل الأخير”، وبالتركيز على الادعاء في The Prince أنّ على رئيس الدولة أن يفعل الخير إذا استطاع ولكن يجب أن يكون مستعدًا لارتكاب الشر إذا كان يجب عليه، ويجادل سكينر بأنّ مكيافيلي يفضل الامتثال للفضيلة الأخلاقية مع ثبات باقى المتغيرات.
يتخلل عدم الاهتمام بالمخاوف الأخلاقية أيضًا الادعاء الذي كان شائعًا في أوائل ومنتصف القرن العشرين بأنّ مكيافيلي يتبنى ببساطة موقف العالم – وهو نوع من “جاليليو للسياسة” – يميز بين “حقائق” الحياة السياسية و “قيم” الحكم الأخلاقي، وبذلك يتم وضعه في سياق الثورة العلمية بشكل عام.
لا يتمثل هدف “العلم” الميكيافيلي في التمييز بين أشكال الحكم “العادلة” و “الظالمة” ولكن في شرح كيفية استخدام السياسيين للسلطة لتحقيق مكاسبهم الخاصة، وهكذا يرتقي مكيافيلي إلى عباءة مؤسس العلوم السياسية “الحديثة”، وعلى النقيض من رؤية أرسطو الكلاسيكية المليئة بالمعايير لعلم سياسي للفضيلة، ففي الآونة الأخيرة أصبح تفسير ميكافيللي كعالم غير صالح إلى حد كبير.
توجد مجموعة من الآراء فيما يتعلق بموقف مكيافيلي تجاه الدين بشكل عام والمسيحية بشكل خاص، فلم يكن صديقًا للكنيسة المسيحية المؤسسية كما كان يعرفها، ويوضح أن المسيحية التقليدية تستنزف من البشر القوة المطلوبة للحياة المدنية النشطة، ويتحدث الأمير بأجزاء متساوية من الازدراء والإعجاب عن الحالة المعاصرة للكنيسة وباباها.
ولقد أخذ العديد من العلماء مثل هذه الأدلة للإشارة إلى أن مكيافيلي كان هو نفسه مناهضًا للمسيحية بعمق مفضلاً الديانات المدنية الوثنية للمجتمعات القديمة مثل روما والتي اعتبرها أكثر ملاءمة لمدينة تتمتع بالفضيلة، ويجادل أنتوني باريل (1992) بأنّ كون مكيافيلي الذي تحكمه حركات النجوم وتوازن الفكاهة يأخذ في الأساس طاقمًا وثنيًا وما قبل المسيحية، وبالنسبة للآخرين يمكن وصف مكيافيلي على أفضل وجه بأنّه رجل تقوى تقليدي وإن كان غير متحمس ومستعد للانحناء لعوامل خارجية للعبادة ولكنه غير مكرس بعمق في الروح أو العقل لمبادئ الإيمان المسيحي.