فلسفة الفيلسوف هنري سيدجويك في المذهب النفعي

اقرأ في هذا المقال


“التحدث عن الحقيقة لا قيمة له إلا كوسيلة للحفاظ على المجتمع: فقط إذا تم الاعتراف بأنّه ذو قيمة على هذا الأساس، ويجب أن أقول إنّه يعني ضمنيًا أنّ الحفاظ على المجتمع، أو بعض الغايات الأخرى التي من أجلها هذا الحفظ، ومرة أخرى هي وسيلة، ويجب أن تكون ذات قيمة في حد ذاتها وبالتالي فهي شيء يجب على الكائن العقلاني على هذا النحو أن يستهدفه، وإذا تم منحنا أننا لسنا بحاجة إلى النظر إلى ما هو أبعد من الحفاظ على المجتمع فإنّ إملاء العقل الأساسي في هذه الحالة سيكون أنّه يجب الحفاظ على المجتمع، ولكن العقل أيضًا يفرض أنّه يجب التحدث عن الحقيقة حتى الآن لأنّ التحدث عن الحقيقة معترف به على أنّه الوسيلة التي لا غنى عنها أو الأصلح لتحقيق هذه الغاية، ومفهوم “يجب” كما هو مستخدم في أي من الإملاء هو ما كنت أحاول توضيحه”.

هنري سيدجويك من كتاب طرق الأخلاق

فلسفة هنري سيدجويك:

في الفلسفة اتبع (هنري سيدجويك (Henry Sidgwick) المذهب النفعي لجون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) واعتمد المبدأ الأخلاقي المعروف باسم الحتمية الفئوية من إيمانويل كانط (Immanuel Kant)، واعتمد على آراء كلا الرجلين في عمله الأول والرئيسي طرق الأخلاق، وبطريقة ما قصد سيدجويك (Sidgwick) العملية العقلانية للوصول إلى وسيلة لاتخاذ القرارات الأخلاقية.

فلسفة اتخاذ القرارات الأخلاقية للفيسلوف هنري سيدجويك:

كان يعتقد أنّه يمكن تلخيص جميع المحاولات الممكنة للطريقة من خلال ثلاثة مناهج هي:

  1. الأنانية: فهي تشير الأنانية إلى النظرية التي تبرر الفعل من حيث السعادة التي ينتجها في فاعل الفعل.
  2. النفعية: تسعى النفعية إلى المساهمة في إسعاد جميع الأشخاص المتأثرين بالفعل.
  3. الحدس: يشير الحدس إلى أنّ غايات أخرى غير السعادة قد تكون مقبولة.

إنّ المبادئ التوجيهية بخلاف تلك التي تعزز السعادة قد تكون وسيلة مناسبة لتحقيق غاية، حيث جادل سيدجويك (Sidgwick) بأنّه لا الأول ولا الأخير يمكن في حد ذاته توفير أساس مناسب للسلوك العقلاني، بدلاً من ذلك اقترح نظامًا من “مذهب المتعة الكوني”، والذي سعى بطريقة موازية لحتمية كانط القاطعة وإلى التوفيق بين الصراع الواضح بين متعة الذات ومتعة الآخرين.

فلسفة كتاب هنري سيدجويك طرق الأخلاق:

يعد كتاب (طرق الأخلاق – The Methods of Ethics) في عام (1874) للفيلسوف هنري سيدجويك (Henry Sidgwick) الذي ولد في عام 1838 وتوفي في عام 1900 أحد أكثر الأعمال شهرة في الفلسفة الأخلاقية النفعية، وهو يستحق ذلك حيث إنّه يقدم دفاعًا عن النفعية على الرغم من أنّ بعض الكتاب (Schneewind) شنيفيند 1977 قد جادلوا بأنّه لا ينبغي قراءتها في المقام الأول كدفاع عن النفعية.

في طرق الأخلاق يهتم سيدجويك (Sidgwick) بتطوير حساب لـ “الأساليب المختلفة للأخلاق التي يجدها ضمنية في تفكير الكائنات الأخلاقية المشتركة، وهذه الأساليب هي الأنانية والأخلاق القائمة على الحدس والنفعية، ومن وجهة نظر سيدجويك (Sidgwick) ​​فإنّ النفعية هي النظرية الأساسية والاعتماد البسيط على الحدس، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن يحل النزاعات الأساسية بين القيم أو القواعد مثل الحقيقة والعدالة التي قد تتعارض.

هنري سيدجويك وفلسفة النظرية النفعية:

على حد تعبير سيدجويك (Sidgwick): “نحن بحاجة إلى مبدأ أعلى للبت في القضية” وسيكون هذا هو النفعية، وعلاوة على ذلك فإنّ القواعد التي تبدو جزءًا أساسيًا من أخلاق الحس السليم غالبًا ما تكون غامضة وغير موصوفة بشكل كافٍ، وسيتطلب تطبيقها في الواقع مناشدة لشيء أساسي أكثر من الناحية النظرية ومرة أخرى النفعية، علاوة على ذلك تبدو التفسيرات المطلقة للقواعد غير بديهية للغاية ومع ذلك فنحن بحاجة إلى بعض التبرير لأي استثناءات توفرها ومرة أخرى النفعية، وهنا يقدم سيدجويك (Sidgwick) حالة مقنعة للأولوية النظرية للنفعية.

كان سيدجويك (Sidgwick) أيضًا فيلسوفًا بريطانيًا وقد تطورت وجهات نظره من آراء بنثام وميل واستجابة لها، وتقدم أساليبه ارتباطًا بالنظرية كما عرضت أمامه وكان استكشافًا لها والبدائل الرئيسية بالإضافة إلى دفاع، كان سيدجويك مهتمًا أيضًا بتوضيح السمات الأساسية للنظرية وفي هذا الصدد كان حسابه مؤثرًا بشكل كبير على الكتاب اللاحقين ليس فقط على المنفعيين والعواقبيين بشكل عام ولكن على الحدس أيضًا، أثارت مناقشة سيدجويك (Sidgwick) الشاملة والمتغلغلة للنظرية العديد من الاهتمامات التي طورها الفلاسفة الأخلاقيون مؤخرًا.

إحدى السمات المثيرة للجدل للغاية لآراء (سيدجويك) تتعلق برفضه لمتطلبات الدعاية للنظرية الأخلاقية فقد كتب ما يلي:

“وبالتالي فإنّ الاستنتاج النفعي الذي تم تحديده بعناية يبدو أنّه هذا، حيث أنّ الرأي القائل بأنّ السرية قد تجعل إجراء ما حقًا ما كان لولا ذلك، يجب أن يظل هو نفسه سريًا ونسبيًا، وبالمثل يبدو من الملائم أن تظل العقيدة القائلة بأنّ الأخلاق الباطنية ملائمة هي نفسها مقصورة على فئة معينة، أو إذا كان من الصعب الحفاظ على هذا الإخفاء فقد يكون من المرغوب فيه أن يرفض الحس السليم العقائد التي من المناسب حصرها في قلة مستنيرة، وبالتالي قد يرغب النفعي بشكل معقول وفقًا للمبادئ النفعية في أن ترفض البشرية عمومًا بعض استنتاجاته، أو حتى أنّ على المبتذلة الابتعاد عن نظامه ككل طالما أنّ عدم التحديد والتعقيد الحتميين لحساباته يجعل من المحتمل أن يؤدي إلى نتائج سيئة في أيديهم”.


إحدى القضايا التي أثيرت في الملاحظات أعلاه ذات صلة بالمداولات العملية، حيث بشكل عام إلى أي مدى يجب على مؤيدي نظرية معينة أو قاعدة معينة أو سياسة معينة أو حتى مؤيدي إجراء معين لمرة واحدة أن يفكروا في ما يعتقدون أنّ الناس سيفعلونه بالفعل على عكس ما يعتقدون أنّه يجب على هؤلاء الأشخاص أنفسهم أن تفعل تحت تفكير كامل ومعقول على سبيل المثال؟ هذا مثال على شيء يظهر في نقاش الواقعية أو الإمكانية في حسابات المداولات العملية.

بالاستقراء من المثال السابق لدينا أشخاص يدافعون عن قول الحقيقة أو ما يعتقدون أنّه الحقيقة حتى لو كانت الآثار سيئة لأنّ الحقيقة بطريقة ما يسيء استخدامها من قبل الآخرين، ومن ناحية أخرى هم أولئك الذين يوصون بعدم قول الحقيقة عندما يُتوقع أن يسيء الآخرون استخدام الحقيقة لتحقيق نتائج سيئة، بالطبع هو أنّه لا ينبغي إساءة استخدام الحقيقة وأنّه يمكن تجنب إساءة استخدامها وليس أمرًا لا مفر منه لكن إساءة الاستخدام يمكن التنبؤ بها تمامًا.

يبدو أنّ سيدجويك (Sidgwick) يوصي بأن نتبع الدورة التدريبية التي نتوقع أن يكون لها أفضل نتيجة، ونظرًا كجزء من حساباتنا للبيانات التي قد يفشلها الآخرون بطريقة ما وذلك إما بسبب وجود رغبات سيئة أو ببساطة عدم القدرة على التفكير بشكل فعال.

فلسفة هنري سيدجويك السياسية ومذهب النفعية:

إنّ القلق الذي يشير إليه ويليامز (Williams) لا يعد مصدراً لقلق على وجه التحديد مع النفعية، وسيشير سيدجويك (Sidgwick) إلى أنّه إذا كان إخفاء الحقيقة أمرًا سيئًا لأنّ أنواع مقر الحكومة على سبيل المثال تنخرط عادةً في تبريرات خادعة ذاتية لسياساتها والتي تبدو معقولة تمامًا فلا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك، وبالطبع هذا يؤثر بشدة على حدسنا.

أثار سيدجويك(Sidgwick) قضايا أعمق بكثير في فهمنا الأساسي للنفعية، على سبيل المثال الطريقة التي وصف بها النفعيون في وقت سابق مبدأ المنفعة تركت حالات عدم تحديد خطيرة مفتوحة، ويعتمد العامل الرئيسي على التمييز بين المنفعة الإجمالية والمتوسطة، حيث أثار القضية في سياق النمو السكاني وزيادة مستويات المنفعة من خلال زيادة أعداد الناس أو الكائنات الحية فكتب ما يلي:

“إذا افترضنا إذن أنّ متوسط ​​سعادة البشر هو كمية إيجابية يبدو واضحًا أنّه بافتراض أنّ متوسط ​​السعادة التي يتمتع بها المرء لا يزال غير منقوص، فإنّ النفعية توجهنا إلى جعل العدد الذي يستمتع به أكبر قدر ممكن، ولكن إذا توقعنا قدر الإمكان أن تكون الزيادة في الأرقام مصحوبة بانخفاض في متوسط ​​السعادة أو العكس، تظهر نقطة لم يتم ملاحظتها رسميًا فحسب ولكن يبدو أنّ العديد من النفعيون قد تجاهلوها بشكل كبير.
لأننا إذا أخذنا النفعية لتصف على أنّها النهاية النهائية للفعل والسعادة ككل وليس سعادة أي فرد ما لم يتم اعتبارها عنصرًا من الكل، فسيتبع ذلك إذا تمتع السكان الإضافيون بالسعادة الإيجابية ككل، ويجب أن نزن مقدار السعادة المكتسبة من خلال الرقم الإضافي مقابل المبلغ الذي فقده الباقي”.

بالنسبة إلى سيدجويك (Sidgwick) ​​فإنّ الاستنتاج بشأن هذه المسألة ليس مجرد السعي لتحقيق متوسط ​​فائدة أكبر، ولكن لزيادة عدد السكان إلى الحد الذي نقوم فيه بتعظيم ناتج عدد الأشخاص الذين يعيشون حاليًا ومقدار متوسط ​​السعادة لذلك يبدو أنّه عرض مختلط متوسط ​​الإجمالي، أثارت هذه المناقشة أيضًا قضية السياسة فيما يتعلق بالنمو السكاني وتابع الكتاب اللاحقون مزيدًا من التفصيل في هذا الشأن وأبرزهم (Derek Parfit) ديريك بارفيت (1986).


شارك المقالة: