فلسفة القدرات وتصنيفاتها

اقرأ في هذا المقال


ما هي القدرة؟ ربما هذا يستدعي الإجابة على هذا السؤال بتوقع نظرية القدرة بشكل معقول بما هو أن يكون لدى المرء القدرة بطريقة تبرر ظهور الحقيقة، وتستحق مثل هذه النظرية اسم (فلسفي) بقدر ما تقدم حسابًا وأهمية، ليس من هذا النطاق أو ذاك من القدرات ولكن من القدرات بشكل عام.

مع ذلك فإنّ هذا السؤال يطلب ببساطة دليلًا تقريبيًا لنوع الأشياء التي نتحدث عنها عندما نتحدث عن مفهوم القدرات، وهذا السؤال مفهوماً للغاية بحيث لا يطلب نظرية للقدرة، ولكن لما ستكون نظرية القدرة بالضبط نظرية؟

التصرفات والقوى الأخرى:

سيكون من المفيد أن نبدأ بالنظر بالتمييز بين القدرات والتصرفات كما يلي.

التصرفات: هي في البداية تلك الخصائص التي يتم انتقاؤها بواسطة المسندات (ما يعزا إليه صفة ما) مثل هشة أو قابلة للذوبان، أو بدلاً من ذلك من خلال جمل من النموذج: “(x) تميل إلى الانكسار عند ضربها” أو “تميل (x) إلى الذوبان عند وضعها في المياه”، ولقد برزت المواقف المفهومة بشكل مركزي في الميتافيزيقا وفلسفة العلوم في القرن الماضي، وكذلك في التفسيرات المؤثرة للعقل.

حيث أنّها تشبه القدرات في العديد من النواحي المهمة، لا سيما في حقيقة أنّها خصائص لأشياء يمكن أن توجد حتى عندما لا تتجلى، حيث قد يكون الزجاج هشًا حتى عندما لا ينكسر، لذلك قد يكون لدى الشخص القدرة على رفع ذراعها وذلك عندما لا ترفع ذراعها.

في حين أنّ التصرفات كانت مركزية في المناقشات الفلسفية المعاصرة، فإنّها لا تستنفد نطاق الاحتمالات الكامنة في الأشياء، ومن الملحوظ بشكل خاص للأغراض الحالية تلك التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوكيل أو صاحب القوة.

وتشمل هذه قابلية الأشياء للتصرف بطرق معينة، من مثل صلاحية تفاحة للأكل، أو قابلية المشي في الممر، وهي التي أطلق عليها عالم النفس جيمس جيروم جيبسون (J.J. Gibson) وسائل تحمل التكاليف (1979).

وتشمل هذه أيضًا قوى التصرف التي ننسبها إلى الأشياء، ومن النوع الذي لاحظه توماس ريد: “هكذا نقول تهب الرياح ويهيج البحر وتشرق الشمس وتغرب والأجسام تنجذب وتتحرك”، حيث أنّ ريد نفسه اعتبر هذه الكلمات على أنّها (سوء تطبيق) للأفعال والتصرفات النشطة بناءً على وجهات نظر خاطئة حول أسس القوى، وأخيرًا وبشكل حاسم تشمل هذه سلطات الوكلاء أنفسهم.

في ضوء هذا التنوع الوجودي سيكون من المفيد أن يكون لدينا مصطلح يشمل كل الاحتمالات الكامنة في الأشياء وفي العوامل، فيمكن أن نحتفظ بكلمة القوة لتلك الطبقة العامة، التصرفات هي مجموعة فرعية مناسبة من القوى بشكل عام، والنفقات هي واحدة أخرى، وكذلك القدرات بمعنى لم يتم تحديده بعد هي واحدة أخرى.

قد تكون هذه التصرفات مميزة بشكل خاص بين القوى، على سبيل المثال قد تكون أكثر جوهرية من القوى الأخرى، بمعنى أنّه يمكن اختزال الصلاحيات الأخرى لها، ولقد تم اقتراح على سبيل المثال أنّه قد يتم تقليص المنح إلى التصرفات.

حيث أنّ هناك اقتراح قائل بإمكانية تقليص القدرات نفسها إلى تصرفات، ولكن فرضيتنا الأولية هي أنّ التصرفات هي ببساطة عضو واحد من عائلة القوى الأوسع، وإن كانت قد حظيت بقدر كبير من الاهتمام في الأدبيات الفلسفية.

حدود القدرات أو ترسيم القدرات:

القدرات إذن هي نوع من القوة، ولكن أي نوع من القوة على وجه التحديد هي القدرة؟ كما سيتم فهم المصطلح هنا هناك شرطان إضافيان يجب أن تفي بهما القوة حتى تكون قدرة:

1- القدرات تتميز بموضوعاتها، فالقدرات هي خصائص الوكلاء بدلًا من الأشياء التي ليست وكلاء، فالأشياء لها تصنيفات وإمكانيات، حيث يتم التخلص من الزجاج عند ضربه أو يسمح بشرب السائل لكن ليس لدى الزجاج أو السوائل القدرات، ومع ذلك فإنّ كون المرء يشكل قوة عامل ليس شرطا كافيا لكونه قدرة، وهذا لأنّ الوكلاء لديهم قوى ليست قدرات.

2- يجب تمييز القدرات من خلال أهدافها، من حيث القدرات التي تربط الوكلاء بالأفعال والتصرفات، وقد توضح بعض الأمثلة الحاجة إلى هذا الشرط الثاني، حيث بعض القوى على الرغم من خصائصها لا تنطوي بشكل حدسي على أي علاقة بالفعل، فلو وضع المرء في اعتباره قوة فهم اللغة، فإن فهم الجملة على الرغم من أنّها ليست سلبية أو عقلانية بالكامل، ولكنها ليست عادة فعلًا أو تصرفًا، وفي المقابل ذلك يتحدث جملة.

وبالتالي فإنّ القدرة على فهم اللغة الفرنسية لن تكون قدرة في التصنيف الحالي، وعلى النقيض من ذلك فإنّ القدرة على التحدث بالفرنسية ستكون قدرة لأنّها تنطوي على علاقة بالفعل أو التصرف والأداء.

لذا كما سيتم فهم المصطلح هنا بأنّ القدرة هي القوة التي تربط الفاعل بفعل ما، وهذه هي الطريقة في ترسيم القدرات، على الرغم من كونها قابلة لخدمة أغراضنا إلّا أنّها ليست خالية من المشاكل، لأنّه يرث المشاكل التي ينطوي عليها التمييز بين الأفعال وعدم الأفعال:

1- هناك مشكلة أنّ مجال العمل هو بحد ذاته مسألة خلافية.

2- هناك مشكلة أنّه حتى لو توصلنا إلى حساب للفعل والتصرف، فمن المعقول أن يكون مجال العمل غامضًا، بحيث تكون هناك بعض الأحداث التي ليست بالتأكيد أفعالًا، ولكنها ليست بالتأكيد أفعالًا أيضًا.

يمكن القول أنّ هاتين النقطتين حول الإجراء تنطبقان أيضًا على خاصية كون الإنسان وكيل، وإذا كان هذا صحيحًا فسيكون الحساب الحالي للقدرة، والذي يتم صرفه من حيث الفاعلية والفعل مثيرًا للجدل وغامضًا.

قد تولد الحالات الحدودية في النهاية لحدوث مشاكل لنظرية القدرة، ولكن مثل هذه المشاكل لن تكون مركزية هنا، حيث أنّ تقديم مثل هذه النظرية سيكون صعبًا بدرجة كافية حتى عندما نركز على الحالات النموذجية للوكالة والعمل، وما إلى ذلك على الحالات النموذجية للقدرة.

من الملاحظ أنّ هناك تشابهًا بين فئة القدرة الحالية التي تختلف عن القوى الأخرى والفئة التقليدية للقوى النشطة، حيث القوى النشطة هي تلك التي تنطوي أساسًا على الإرادة، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الفروق تتداخل تمامًا.

على سبيل المثال من الواضح أنّ قوة الإرادة نفسها ستكون قوة فاعلة، وليس من الواضح ما إذا كان سيتم اعتباره قدرة أم لا، لأنّ الإجابة على هذا السؤال ستثير السؤال المثير للجدل حول ما إذا كانت الرغبة بحد ذاتها فعل.

كيفية القيام بعمل ما ومفهوم القوى الذكية:

معرفة كيف إجراء ما:

يتوقع البعض أنّ حساب القدرة سيكون أيضًا حسابًا لما هو عليه معرفة كيفية تنفيذ إجراء ما، على افتراض أنّ المرء يعرف كيفية القيام بعمل معين فقط في حالة امتلاكه القدرة على تنفيذ هذا الإجراء.

هذا الافتراض الذي يمكن أن نطلق عليه وصف ريلين (Rylean) لمعرفة كيف، حيث تم التشكيك فيه من قبل جيسون ستانلي وتيموثي ويليامسون، فلنبدأ في التفكّر بإيجاز في حجة ستانلي وويليامسون وكيف تؤثر على نظرية القدرة.

يجادل ستانلي وويليامسون على أسس لغوية على نطاق واسع، بأنّ نظرتنا الافتراضية للمعرفة كيف يجب أن تكون مختلفة إلى حد ما عن وجهة نظر رايل، وجزء من الحجة لهذا هو أنّ المعالجات القياسية للأسئلة المضمنة (“تعرف من”، “تعرف أين”، وما إلى ذلك) تقترح معالجة مختلفة نوعًا ما.

في هذا العلاج لمعرفة كيفية معرفة (A) هو معرفة اقتراح معين، فالبداية في العرض التقديمي لستانلي وويليامسون لكي يعرف (S)، لا بد من طريقة لكيف يعرف (A) وذلك بأن يعرف (S)، وهناك بعض الطرق ذات الصلة بالسياق للتصرف هي (w)، حيث أنّ (w) هي طريقة لـ (S) إلى (A).

يطور ستانلي وويليامسون مثل هذه المعاملة ويدافعان عنها، ويقدمان اعتبارات مستقلة لرفض حجج رايل الخاصة لوجهة نظر ريلين، فمن وجهة نظرهم إذن معرفة كيفية (A) لا يعني امتلاك القدرة، ونّ حجج ستانلي وويليامسون بعيدة كل البعد عن القبول على نطاق واسع، لكنها تخبر على أقل تقدير ضد الافتراض ببساطة أنّ حساب القدرة سيكون أيضًا حسابًا لمعرفة كيف.

ومن المعقول أيضًا أن نأمل في أن يسلط حساب القدرة رغم أنّه قد لا يكون مجرد سرد للمعرفة وتسليط الضوء على الخلافات حول معرفة الكيفية، فطالما أننا نفتقر إلى نظرية حول ماهية القدرة فإنّ المحتوى الدقيق لوجهة النظر ريلين (Rylean) وإنكارها يظل غير واضح، لذلك قد يساعدنا توضيح القدرات ربما بشكل غير مباشر في معرفة كيفية القيام بذلك أيضًا.

القوى الذكية:

مهما كانت وجهة النظر حول القدرة والمعرفة، فهناك سؤال آخر عند تقاطع هذه الموضوعات يستحق النظر، وهذه هي كيفية استيعاب قوى الوكلاء التي تبدو مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشكل خاص بالذكاء العملي مثل المهارات والمواهب، والتي قد نطلق عليها بشكل جماعي القوى الذكية.

هل القوى الذكية مجرد نوع من القدرات أم أنّها تتطلب معالجة مستقلة؟ فهناك عدد من المقترحات الأخيرة للنظر فيها هنا، ومنها وجهة نظر روب (Robb) وقد اقترح نظرية نزفية للموهبة، حيث الموهبة هي نزعة للحفاظ على المهارات وتطويرها، أمّا ماكجير (McGeer) تؤكد على أهمية نوع مميز من القوة الذكية، والتي تسميها متبعة رايل القدرة الذكية والتي تقدم أيضًا تفسيرًا نزعيًا واسعًا.

تقترح هذه المقترحات برنامجًا أكثر عمومية للنزعة الذاتية حول القوى الذكية، والتي لها أوجه تشابه توحي بالنزعة الذاتية حول القدرة، وتظل المحاسبة الدقيقة لطبيعة القوى الذكية وعلاقة هذه القدرات والقوى بشكل عام مشكلة مفتوحة ومثيرة للاهتمام.


شارك المقالة: