فلسفة الموقف الجمالي

اقرأ في هذا المقال


علم وفلسفة الجمال هو موضوع يتعلق كنموذج بالفنون الجميلة، ولكن أيضًا الحالة الخاصة الشبيهة بالفن التي تُعطى أحيانًا للفنون التطبيقية مثل الهندسة المعمارية أو التصميم الصناعي أو الأشياء في الطبيعة، ومن الصعب أن نقول بدقة ما هو مشترك بين هذا الطاقم المتنوع من الأشياء، والذي يشار إليه غالبًا بالأشياء الجمالية، ولكن من المفترض أن يسير الموقف الجمالي إلى حد ما نحو حل هذه المشكلة.

حيث أنّ الموقف الجمالي على الأقل يعد هو وجهة النظر الخاصة التي نتخذها تجاه شيء ما، والذي ينتج عنه تجربة جمالية، وهذه تجربة على سبيل المثال للجمال والسمو أو حتى القبح، ومع ذلك فقد اعتبرت العديد من النظريات الجمالية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد الحدود بين الأشياء الجمالية وغير الجمالية، وهذه النظريات التي تسمى عادةً نظريات الموقف الجمالي، والتي تجادل بأنّه عندما نتخذ الموقف الجمالي تجاه شيء ما فإننا بذلك نجعله كائنًا جماليًا.

فلسفة كانط في الموقف الجمالي:

ربما لمفهوم الفيلسوف إيمانويل كانط (Immanuel Kant) عن نظرية عدم الاهتمام أنّه أحدث سلالته المباشرة في نظريات الموقف الجمالي، والتي ازدهرت من أوائل القرن العشرين إلى منتصفه، وعلى الرغم من اتباع كانط للبريطانيين في تطبيق مصطلح (غير مهتم) بشكل صارم على الملذات، ليس من الصعب تفسير هجرتها إلى المواقف.

بالنسبة إلى كانط فإنّ المتعة التي ينطوي عليها حكم الذوق غير مبالية، لأنّ مثل هذا الحكم لا يصدر في دافع لفعل أي شيء على وجه الخصوص، لهذا السبب يشير كانط إلى الحكم على الذوق باعتباره تأمليًا وليس عمليًا.

ولكن إذا كان حكم الذوق غير عملي فمن المفترض أن يكون الموقف الذي نتحمله تجاه موضوعه غير عملي أيضًا، فعندما نحكم على شيء من الناحية الجمالية فإننا لا نهتم بما إذا كان بإمكانه تعزيز أهدافنا العملية وكيف، ومن ثم فمن الطبيعي أن نتحدث عن موقفنا تجاه الشيء باعتباره غير مبالٍ.

فلسفة نظرية كانط الجمالية ونظرية شوبنهاور الجمالية:

إنّ القول بأنّ انتقال اللامبالاة من الملذات إلى المواقف أمر طبيعي ولا يعني أنّه غير منطقي، فعند وضع في الاعتبار الفرق بين النظرية الجمالية لكانط والنظرية العظيمة الأخيرة للذوق ونظرية الفيلسوف آرثر شوبنهاور (Schopenhauer) الجمالية، وهي أول نظرية جمالية عظيمة، في حين أنّ المتعة غير المهتمة بالنسبة لكانط وهي الوسيلة التي نكتشف بها الأشياء التي تحمل قيمة جمالية، فإنّ الاهتمام المحايد لشوبنهاور  أو (التأمل الأقل إرادة) هو نفسه موضع القيمة الجمالية.

وفقًا لشوبنهاور نحن نعيش حياتنا العادية والعملية في نوع من العبودية لرغباتنا الخاصة، وهذه العبودية ليست مصدرًا للألم فحسب، بل هي أيضًا مصدر تشوه معرفي من حيث أنّه يقيد انتباهنا إلى تلك الجوانب من الأشياء ذات الصلة بتحقيق أو إحباط رغباتنا، لذلك فإنّ التأمل الجمالي كونه أقل إرادة فإنّ له قيمة معرفية ومتعة، مما يسمح لنا بإلقاء نظرة خالية من الرغبة على جوهر الأشياء وكذلك فترة راحة من الألم الناجم عن الرغب، وقد أوضح ذلك في عندما قال:

“ومع ذلك عندما يخرجنا سبب خارجي أو نزعة داخلية فجأة من تيار الإرادة اللامتناهي، وينتزع المعرفة من عبودية الإرادة، ولم يعد الانتباه الآن موجهًا إلى دوافع الإرادة، ولكنه يفهم الأشياء الخالية من فيما يتعلق بالإرادة، وثم يأتي السلام الذي نسعى إليه دائمًا ولكن دائمًا يهرب منا من تلقاء نفسه، وكل شيء على ما يرام معنا”.

نظرية بولوغ وستولنيتز للمواقف الجمالية:

تعد النظريتان الأكثر تأثيراً في المواقف الجمالية في القرن العشرين هما نظريتان للفيلسوفان إدوارد بولوغ (Edward Pollogue) وجيروم ستولنيتز (Jerome Stollnitz).

نظرية ستولنيتز للموقف الجمالي:

وفقًا لنظرية ستولنيتز وهي الأكثر وضوحًا من الاثنين، فإنّ تحمل الموقف الجمالي تجاه شيء ما هو مسألة الاهتمام به بشكل غير مبالٍ وبشكل متعاطف، حيث أنّ المكان الذي يجب أن تحضر إليه دون اهتمام هو أن تحضره ودون أي غرض يتجاوز الغرض من الحضور إليه، والانتباه إليها بتعاطف هو قبولها بشروطها الخاصة والسماح لها، وليس التصورات المسبقة للفرد بتوجيه انتباه الفرد إليها.

ونتيجة هذا الاهتمام فإنهّا تعد تجربة أكثر ثراءً نسبيًا للشيء، أي تجربة تأخذ نسبيًا العديد من ميزات الكائن، في حين أنّ الموقف العملي يحد من موضوع تجربتنا ويشتت منه، مما يسمح لنا برؤية تلك السمات ذات الصلة بأغراضنا فقط، وعلى النقيض من ذلك فإنّ الموقف الجمالي يعزل الشيء ويركز عليه، من مثل مظهر الصخور وصوت المحيط والألوان في اللوحة.

نظرية بولوغ للموقف الجمالي:

يصف بولوغ الذي يفضل التحدث عن المسافة النفسية بدلاً من عدم الاهتمام، والتقدير الجمالي بأنّه شيء تحقق عن طريق وضع هذه الظاهرة إذا جاز التعبير خارج نطاق ذواتنا العملية الفعلية، وذلك من خلال السماح لها بالوقوف خارج سياق احتياجاتنا وغاياتنا الشخصية.

وباختصار يكون ذلك من خلال النظر إليها بموضوعية، وذلك من خلال السماح فقط بردود الفعل هذه من جانبنا كتأكيد على السمات الموضوعية للتجربة، ومن خلال تفسير عواطفنا الذاتية، حتى أنّه ليس ذلك مبنيًا على أنّها أنماط لوجودنا بل كخصائص للظاهرة.

وقد تم انتقاد بولوغ لادعائه أنّ التقدير الجمالي يتطلب انفصالًا نزيهًا، حيث تمت معارضته من حيث توصيف بولوغ للموقف الجمالي بأنّه هو الأسهل للهجوم، وذلك عندما يبكي المرء على مأساة، أو يقفز خائف في فيلم رعب، أو يفقد نفسه في حبكة رواية معقدة، لا يمكن القول من أنّه منفصل على الرغم من أنّه قد يقدّر الصفات الجمالية لهذه الأعمال على أكمل وجه، ومن الممكن أن يُقدر الخصائص الجمالية للضباب أو العاصفة مع الخوف من المخاطر التي تتمثل معه.

لكن يبدو أنّ مثل هذا النقد يغفل دقة وجهة نظر بولوغ، ففي حين أنّ بولوغ يرى أنّ التقدير الجمالي يتطلب مسافة بين أنفسنا وعواطفها، فإنّه لا يأخذ هذا الأمر ليطالبنا بعدم الخضوع للعواطف ولكن العكس تمامًا، وفقط إذا مررنا بالعواطف لدينا التي يجب الابتعاد عنها.

لذلك على سبيل المثال فإنّ المتفرج الذي يكون بعيدًا بشكل صحيح عن مأساة جيدة التصميم ليس هو المتفرج البعيد المدى الذي لا يشعر بأي شفقة أو خوف، ولا المتفرج الناقص الذي يشعر بالشفقة والخوف كما لو كانت كارثة حقيقية حاضرة، ولكن المتفرج الذي يفسر الشفقة والخوف يشعر ليس كأنماط لوجودها بل كخصائص للظاهرة، ويمكن أن نقول إنّ المشاهد البعيدة عن المأساة يُتفهم خوفها وشفقتها على أنهما جزء مما تدور حوله المأساة.


شارك المقالة: