فلسفة بايل في حل مشكلة الشر

اقرأ في هذا المقال


إذا كان الإله الصالح تمامًا والقوي وحده هو الذي خلق كل شيء في الكون، فلماذا يوجد الألم والشر الأخلاقي والعديد من أنواع النقص؟ حيث يشير الفلاسفة اليوم إلى عائلة القضايا التي يطرحها هذا السؤال على أنّها (مشكلة الشر)، وربما لا توجد أطروحة تجعل الفيسلوف الفرنسي بيير بايل أكثر شهرة من الادعاء المتشكك بأنّه لا يوجد حل منطقي لمشكلة الشر، ويمكن العثور على مثل هذه الشكوك بالفعل في أقدم أعمال بايل دورة الفلسفة للأعوام من 1675 إلى عام 1677، حيث يجادل بايل بأنّه لا يوجد تفسير متاح لعلاقة الله السببية بالخطيئة والمعاناة يجيب على المشكلة.

مشكلة الشر في أعمال بايل:

على الرغم من أنّ القاموس هو المكان الأكثر شهرة حيث يتعامل بايل مع مشكلة الشر، إلّا أنّ عمليه الأخيرين وهما: الرد على أسئلة المقاطعة وحوارات ماكسيموس وثيميستوس يحتويان على معالجة شاملة للقضايا ذات الصلة أيضًا، وأهداف بايل كثيرة في هذه الأعمال، ولكن أحد الأهداف المركزية هو إسحاق جاكيلوت وهو عالم اللاهوت المصلح الذي يدافع عن موقف من النوع الثيوديسي.

كان جاكيلوت واحدًا من الهوجوينت الوطني وهو مجموعة من المفكرين تم تحديدهم من خلال الالتزامات اللاهوتية الكالفينية والالتزامات الفلسفية الديكارتية على نطاق واسع، وكان جاكيلوت منخرطًا بعمق في مشروع اللاهوت العقلاني، وكان له تاريخ فكري مثمر مع بايل، وتأثر جاكيلوت بعمق بالفيلسوف الفرنسي نيكولاس مالبرانش، لا سيما في الحكم الإلهي كلي العلم للطبيعة والآثار الخاطئة للإرادة الحرة.

المصالح المشتركة لفلسفة مالبرانش و الهوجوينت تجعل من جاكيلوت محاورًا ممتازًا لبايل، ويظل تفسير بايل المقترح لمشكلة الشر دون تغيير جوهريًا عن موقعه في القاموس، أي إنّه في النهاية من العبث مناقشة أسباب مسبقة ضد حقيقة تعايش طبيعة الله مع الشر.

حل بايل المقترح لمشكلة الشر يظهر مرة أخرى ردًا على أسئلة المقاطعة كجزء من نقاش حول الإرادة الحرة، بما أنّ السمة المميزة للاهوت المصلح هي السيادة الكاملة لله على الخلق، فمن الصعب على أي مصلح أن يعتقد أنّ الحرية الممنوحة للبشرية يمكن أن تبرئ الله من المسؤولية عن الأفعال الشريرة لمخلوقاته، وإذا كان الله صاحب سيادة حقًا فسيكون لديه نوع من الحكم على اختيارات البشر.

فالحد الأدنى سيكون لديه معرفة مسبقة بالخيارات المرتبطة سببيًا بوجود الشر، وبالتالي يبدو أنّ المعرفة المسبقة المقترنة بالقدرة المطلقة تستلزم مسؤولية تجاه الله للتصرف بحيث لا يأتي الشر إلى حيز الوجود، وإذا كان هذا صحيحًا فإنّ الله مسؤول في الواقع عن وجود الشر فقط بقدر ما لم يمنعه، ولم ينكر بايل أبدًا أي جزء من هذه الحجة، ويبدو أنّه غير راغب في إلقاء نظرة على أو شرح مقدماته المختلفة بالطريقة التي فعلها أسلافه ومعاصروه.

ومع ذلك فإنّ اقتراح بايل الأصلي لمعالجة تعايش الله والشر يتوافق مع هذا الخط من الجدل، وكما هو الحال في القاموس يدعو بايل في عمله الفلسفي (الرد على أسئلة المقاطعة) إلى اتباع نهج واقعي في التعامل مع الاستعصاء بين شجاعة الله والشر، ويعلن الكتاب المقدس أنّ هذا التعايش هو كذلك ومن غير المنطقي أن يجادل العقل ضد أمر واقع.

يرفض بايل أيضًا صراحة اقتراح جاكيلوت بأنّ عدم التوافق هو ببساطة فوق العقل من خلال رفض التمييز (فوق السبب أو ضد السبب)، ووفقًا لبايل لا يوجد شيء مثل (فوق العقل) عندما يكون السبب في القضية هو العقل البشري، أي إما أنّ البديهية متوافقة مع العقل البشري أو أنّها ضد العقل البشري، ويجادل بايل أنّه إذا بدا أنّ هناك شيئًا ما لا يتوافق مع العقل البشري فإنّه بحكم التعريف يبدو أيضًا مخالفًا له.

نقد فلسفة وقراءة بايل لمشكلة الشر:

أحد الاعتراضات على هذه القراءة لبايل هو أنّه في الواقع لا يوجد فرق كبير بين موقف بايل وموقف (فوق السبب)، فالموقفان يمثلان في الواقع تمييزًا دون اختلاف، وإذا كان بايل يؤيد في النهاية الإيمان بتعايش الله والشر في مواجهة التناقض الواضح، فإنّ الاعتراض يذهب فهو على الأقل يؤيد ضمنيًا بعض الحقائق التي تتجاوز العقل البشري، ومع ذلك فإن نقطة الخلاف الحقيقي هي أنّه وفقًا لموقف (فوق السبب)، فإنّ ما هو فوق العقل البشري لا يزال متسقًا مع العقل البشري على الرغم من عدم فهمه له.

عندما ينظر المرء إلى الأسرار الإلهية من الواضح بقدر ما يمكن فهمها من قبل العقل البشري فإنّها تتعارض معها، وتتعارض عقيدة الثالوث مع قوانين الرياضيات، وتتعارض عقيدة التجسد مع تصورنا لقدرة الشيء على امتلاك أكثر من طبيعة واحدة، وتتعارض عقيدة قيامة المسيح بالجسد مع تصورنا لطبيعة الأجساد المادية، وتقع هذه الصراعات داخل عالم العقل البشري وليس فوقه، وعلى الرغم من أنّ الألغاز ليست قابلة للتفسير بشكل كامل، وبالتالي فهي ألغاز إلّا أنّها مفهومة بما يكفي لجعل الصراع حقيقيًا وليس مجرد ظاهر.

في حوارات ماكسيموس وثيميستوس كان بايل حريصًا على تقييد رفضه للتمييز (فوق السبب أو ضد السبب) في نطاق العقل البشري، وهذا لأنّ مشكلة الشر بغيضة جدًا للعقل البشري لدرجة أنّ الاستجابة الوحيدة الممكنة لها يجب أن تستبعد تمامًا استنتاجات العقل البشري.

يتحدى بايل جاكيلوت ليشرح كيف يمكن تفسير سماح الله للشر بشكل مناسب باستخدام العقل البشري، ووفقًا للعقل البشري يجادل بايل أنّ سماح الله للشر بالوجود ينتهك الأسباب المسبقة وفكرتنا عن الله كشيء كلي الوجود، والموقف هنا هو في الأساس موقف القاموس، ويبدو أنّ تكرار بايل له في الحوارات يظهر أنّه غير متأثر بحل جاكيلوت المقترح لمشكلة الشر.

وفقًا لبايل فإنّ المشكلة المحددة في الحل الذي اقترحه جاكيلوت لمشكلة الشر هو أنّ جاكيلوت يقبل المعرفة المسبقة الإلهية، ومن المفترض أنّ احتفاظ جاكيلوت بالمعرفة المسبقة الإلهية من المفترض أن يدعم إمكانية الدفاع عن الإرادة الحرة.

كما يلاحظ بايل مع ذلك أنّ المعرفة المسبقة الإلهية ليست في الواقع مفيدة إلى هذا الحد، أي حتى مع المعرفة المسبقة الإلهية فإنّ وجود الشر يدعو إلى التساؤل عن شجاعة الله المطلقة، لأنّ الكائن الذي يتوقع العواقب السلبية للإرادة الحرة لا يمكن أن يكون لديه نوايا حسنة إذا استمر في منحها للبشر.

تدعم هذه الاعتراضات تأكيد بايل في الحوارات على أنّ حله لمشكلة الشر هو حقًا آخر موقف يساري الإيمان، على الرغم من عدم فهم كيفية توافق حيلة الله الشاملة مع الشر، والأهم من ذلك بالنسبة لبايل أنّ هذا الاعتقاد لا يرتكز على قدرة العقل بل على إعلان الكتاب المقدس أنّ الله والشر يتعايشان في الواقع.

تتجه أعمال بايل اللاحقة نحو نوع من العقلانية الأخلاقية فيما يتعلق بالسلوك البشري، لكن دفاعه عن هذا الحل الواقعي لمشكلة الشر لا يتغير أبدًا طوال حياته، ومناقشاته مع جاكيلوت حول مشكلة الشر لا تقوض ثبات موقفه، والسلوك الإلهي ببساطة لا يخضع لأحكام العقل الصحيح.


شارك المقالة: