فلسفة برادلي في مفهوم المسؤولية الأخلاقية

اقرأ في هذا المقال


في مقالته (لماذا الأخلاق؟) ومع ظهوره بالقرب من بداية الدراسات الأخلاقية يذكر فرانسيس هربرت برادلي أنّ الهدف من الأخلاق هو تحقيق الذات، أي الرغبة والعمل وفقًا لمثل أعلى نحو غاية أخلاقية، حيث إنّه يدرك أنّ تحقيق الذات المثالية هو بالضرورة مشروط بذات غير محققة، وفي هذا الصدد فإنّ أخلاقه لا توفر أساسًا ميتافيزيقيًا لربط فكرة المثالية بواقع الحقيقة.

معنى المسؤولية الأخلاقية:

عادة ما يتم الحكم على الأشخاص بالمسؤولية الأخلاقية عن أفعالهم، ويمكن الحكم عليهم بالمسؤولية عن أي شيء تقريبًا، فالأحداث والعمليات وخصائصهم النفسية الخاصة، وبالتالي يمكن الحكم على الشخص بأنّه مسؤول أخلاقيًا عن خسارة شركته لعقد أو حروب نابليون أو مزاجه السيء أو تقنية للحفاظ على خصوبة الأرض أو طلاق صديقه.

في أي ظروف يكون الشخص مسؤولاً عن فعل من أفعاله أو عن واقعة أخرى؟ وإذا تمكنا من تحديد الشروط اللازمة والكافية لأحكام المسؤولية الأخلاقية فسنقوم في هذه العملية بإعطاء معنى للتعبير، حيث أنّ مفهوم المسؤولية الأخلاقية مثلها مثل العديد من المصطلحات الأخرى للخطاب الأخلاقي، يتم تعريفها بشكل مقنع لا محالة لأنّه لا بد أن يتأثر المرء في تعريفها بقناعات حول متطلبات اللوم المستحق والثناء وما إلى ذلك، أي أنّه لا بد أن يتأثر المرء بالقناعات الصريحة أو الضمنية حول متطلبات العدالة في مثل هذه الأمور.

ومع ذلك فإن معظم الأشخاص سيقبلون الشكل التالي من التعريف على الرغم من أنّ أولئك الذين لديهم وجهات نظر أخلاقية مختلفة سيكملونها بشكل مختلف، بحيث يُنظر إلى الشخص على أنّه مسؤول أخلاقيًا عن فعل أو حدث ما (x) إذا وفقط إذا كان يعتقد:

1- أنّه قام بذلك (x)  أو جلب (x).

2- القيام بذلك أو القيام به بحرية.

يعتمد إكمال هذه الصيغة على المقصود من الفعل البشري، فما الذي قد يؤدي إلى بعض النتائج، وفوق كل شيء وبأي معنى تُستخدم مصطلحات (حرة أو حرية) فكل هذه المفاهيم إشكالية بطرق تؤدي إلى نظريات مختلفة جدًا عن المسؤولية. افترض الفلاسفة في كثير من الأحيان أنّ مفهوم (الحرية) الأساسي للمسؤولية الأخلاقية يمكن تحديده بشكل مستقل عما يعنيه أن تكون مسؤولاً، وأنّه فقط بعد تحديد معنى الحرية يمكننا تحديد ما إذا كان الشخص مسؤول.

ولكن في الواقع ما يعنيه الإنسان بالحرية فأنّه سيعكس قناعاته الأخلاقية وخاصة آرائه حول العدالة، ونفس الطريقة وللأسباب نفسها التي سيعكس بها مفهومه للمسؤولية الأخلاقية وهذه الآراء كما قال هارالد أوفستاد: “قد تحدد الأنظمة الأخلاقية معنى الحرية الذي نختاره على أنّه مناسب”، كما أنّه يحتاج المرء أن يضيف فقط أنّه لا يجوز لهم ذلك فحسب ولكن يفعلون.

المسؤولية الأخلاقية في فلسفة برادلي:

يبدأ برادلي دراسته للأخلاق والفاعل الأخلاقي بتحليل فهم الشخص العادي للمسؤولية الأخلاقية، وقد تم الكشف عن سبب نقطة البداية هذه في وقت لاحق عندما يجادل بأنّ الأطفال ليسوا مخلوقات أخلاقية حتى يطوروا مقياسًا للوعي الذاتي.

وهذا كما يقول يجعل من الممكن: “التضمين والمسؤولية، وهنا تبدأ الحياة الأخلاقية الصحيحة للذات”، وإذا كان للفعل أي أهمية أخلاقية على الإطلاق فيمكن مساءلة الشخص المسؤول (بالمعنى السببي) (المسؤول بالمعنى المعياري)، ويمكن للمرء أن يشعر بأنّه مسؤول أمام الآخرين أو أمام الله أو تجاه ضميره وبذلك ينتقل الشعور بالمسؤولية تجاه اللوم أو العقاب.

شروط الشخص المسؤول في فلسفة برادلي:

في الواقع أن يكون مذنبًا وبالتالي يستحق اللوم أو العقوبة يتطلب استيفاء ثلاثة شروط:

1- يجب أن يكون الشخص الخاضع للمساءلة هو نفس الشخص الذي ارتكب الفعل.

2- يجب أن يكون الفعل من فعل ذلك الشخص.

3- يجب أن يكون لديه بعض فهم الصفة الأخلاقية للفعل.

في حين أنّه ليس في وضع يسمح له بتقديم رأي فلسفي حول الأسئلة المتعلقة بالهوية الشخصية أو ما الذي يشكل فعلًا فإنّ الشخص العادي يعترف مع ذلك بالقضايا التي يكون فيها المتهم ليس هو نفسه أو لم يقصد القيام بذلك أو تصرف تحت الإكراه ويرى في هذه الظروف المخففة.

باختصار فإنّ وجهة نظر الشخص العادي كما يقدمها برادلي هي أرسطية، وذلك لأغراض تحديد المسؤولية الأخلاقية يجب أن يكون الفعل هو الفاعل من حيث أنّ أصله (arche) يكمن مع أو في الفاعل بمعنى ما، والفاعل يجب ألّا يتصرف تحت الإكراه أو في حالة جهل غير مذنب، وتعكس هذه الشروط الأخيرة وجهة النظر الشائعة القائلة بأنّه لا يمكن في العدالة مساءلة شخص ما ما لم يكن لديه قدر من السيطرة على الموقف وبالتالي يمكن اعتباره يتصرف بمحض إرادته.

فلسفة برادلي والنظرية الحتمية:

إذا لجأنا إلى نظريات الفلاسفة نجد آراء مختلفة حول ما إذا كنا نتمتع بهذا النوع من الحرية من التأثيرات الخارجية، وبرادلي مهتم بكيفية اختلاف نظريات الحتمية -وهي العقيدة القائلة بأنّ جميع الأحداث بما في ذلك العمل البشري يتم تحديدها في نهاية المطاف من خلال أسباب خارجة عن الإرادة.

وقد اتخذ بعض الفلاسفة الحتمية للإيحاء بأنّ البشر ليس لديهم إرادة حرة ولا يمكن تحميلهم المسؤولية الأخلاقية عن أفعالهم- واللاحتمية عن آراء الناس العاديين، وذلك ليس لأنّه يعتقد أنّ الناس العاديين سيكونون دائمًا على صواب بشأن مثل هذه الأمور.

وفي الواقع من المحتمل أنّهم لم يفكروا كثيرًا في مثل هذه الأشياء ولكن لأنّ فحص ما يقوله الناس العاديون عن الأمور الأخلاقية يكشف عن الهياكل العميقة للتفكير الأخلاقي للمجتمع كما هو جزءا لا يتجزأ من لغتها والمؤسسات الاجتماعية، وهذا مهم أيضًا لأنّ برادلي يعتقد أنّ الأخلاق مرتبطة بالبيئة المجتمعية، ويرى أنّ التطور الأخلاقي للطفل يعتمد على العضوية في المجتمع.

فلسفة برادلي في الإرادة الحرة:

فيما يتعلق بمناقشة الإرادة الحرة يعتقد الناس العاديون أنّه لا يوجد طرف ضد الحتمية، حيث يرون أنّهم يستطيعون وغالباً ما يفعلون اتخاذ إجراءات، وفي هذه النقطة يصور برادلي الشخص العادي على أنّه يقبل الأطروحة التي تسمى الآن (علاقة السببية بالفاعل) وهي ما تم حذفه من قبل الحتميين هو تفسيرات للسلوك تتناغم مع أسباب الفاعل، وبالتالي تتجاهل فكرة أرسطو عن السببية النهائية، أو تختزلها عمدًا إلى سببية فعالة.

تقدم اللاحتمية نفسها على أنّها صديقة الحرية ولكن عندما تدعي أنّ الناس أحرار جدًا بحيث يمكنهم اختيار أي فعل في أي وقت يعترض عليه الناس العاديون، ويعتقدون أنّه من الممكن في كثير من الأحيان التنبؤ بما سيفعله شخص ما لأنّها تتمتع بشخصية أخلاقية متكونة ويمكن الاعتماد عليها للتصرف بطريقة معينة عندما تواجه أسئلة أخلاقية.


شارك المقالة: