فلسفة برادلي وترابط الأفكار في الاستدلال وصحة فلسفته المنطقية

اقرأ في هذا المقال


الميتافيزيقا هي اكتشاف أسباب سيئة لما نؤمن به على الغريزة، ولكن العثور على هذه الأسباب ليس أقل من غريزة”.

فلسفة برادلي في ترابط الأفكار:

ترابط الأفكار: هو اسم لعملية توجد كحقيقة نفسية، وما يهاجمه برادلي هو التفسير التجريبي لهذه الحقيقة واستخدامه لشرح الحكم والاستدلال، حيث تحاول النظريات التجريبية لديفيد هيوم وجون ستيوارت ميل شرح حياة العقل من حيث ارتباط الأفكار التي تمثل وجودًا متميزًا أو ذرات نفسية.

عادة ما يتم التعرف على قوانين تكوين الترابطات والتواصل والتشابه، ويجادل برادلي بأنّ التجريبيين لا يملكون حتى الموارد اللازمة للتعبير بوضوح عن موقفهم المركزي ويقدم إعادة الصياغة التالية: “أي عنصر يميل إلى إعادة إنتاج تلك العناصر التي شكل بها حالة ذهنية واحدة”، ويسمي هذا القانون (إعادة الدمج) مستمدًا من المصطلح السير ويليام هاملتون، حيث استخدام المؤهل (يميل) هو المعيار لقوانين الترابطات، يصر برادلي على أنّ قانونه لا يستبعد أي تعاقب للأحداث التي تأتي ككل قبل العقل، وهو بالطبع أمر حيوي لتفسير الاستدلال السببي.

وعلى الرغم من التشابه السطحي هناك هوة تفصل بين إعادة دمج برادلي وترابط التجريبيين، فالارتباط هو تماسك بين التفاصيل النفسية، حيث إعادة الدمج تتعلق بربط المسلمات التي هي المعادلة المتطابقة المثالية داخل الأفراد، وفقط الاتصال المثالي في العقل يمكنه النجاة من اختفاء الأفراد المتصلين.

لقد ولت الانطباعات التي قدمت في الأصل بالتزامن ولا يمكن إحياؤها، والمحتوى المثالي العالمي فقط (ماذا) على عكس (ذاك) يُترك كتتبع للذاكرة، وذلك من خلال المسلمات التي ربما نكون قادرين على إنتاج صور هي كما كانت أشباح الماضي، ولكن هذه الصور ستكون تفاصيل جديدة ووجودًا متميزًا يمكن اعتباره إعادة تجسيد للماضي فقط بحكم الهوية المثالية المحفوظة من خلال العالمية.

في النظرية التجريبية التي طورها على سبيل المثال من قبل جون ستيوارت ميل لم يعتبر التواصل المجرد للانطباعات كافياً في حد ذاته لتشغيل آلية الارتباط، ولا يمكن أن يكون التواصل الماضي ساريًا إلّا إذا تم تقديم ذاكرته من خلال التشابه بين مكون في تجربة سابقة والإحساس الذي يتم الاستمتاع به الآن.

لكننا ما زلنا نواجه المشكلة وهي ما تم استدعاؤه لم يكن متجاورًا أبدًا، وما كان متجاورًا لا يمكن استدعاؤه، ولا يمكن حتى للتشابه أن يحيي ما مات وذهب الآن، ويمكن أن يوجد التشابه فقط في حالة وجود المصطلحات المتشابهة، لذلك لا يمكن الاستنساخ من خلال التشابه لأنّ التشابه يتطلب أن يكون ما يتم إعادة إنتاجه موجودًا بالفعل.

وهناك القليل من الآثار الباقية اليوم في علم النفس أو فلسفة النظرية التي هدمها برادلي، ويمكن اعتبار عنف الخطاب على الرغم من كونه مسليًا ومفرطًا ولكن في يومه كانت النظرية راسخة بقوة وربما كان الديناميت مبررًا.

فلسفة برادلي بين الحقيقة والصدق:

كان التركيز فرانسيس هربرت برادلي على فينومينولوجيا (علم الظواهر يختلف عن علم طبيعة الوجود) الاستدلال، ولكن الاستدلال مهم وذلك ليس لأنّه يحدث ولكن لأنّه يؤخذ على أنّه يتمتع بالصلاحية والتبرير، وتكمن المشكلة في شرح كيف يمكن أن يكون للاستدلال صحة وتبرير في مواجهة المعضلة الأساسية التي يحددها برادلي، وما لم يكن هناك انتقال من الافتراض إلى استنتاج مختلف فلن يحدث شيء ولا يوجد استنتاج، ولكن إذا كان هناك فرق بين الافتراض والاستنتاج فكيف نبرر التحرك الفكري؟

يرفض برادلي الادعاء المتطرف بأنّه نظرًا لاختلافهما، حيث أنّه هناك تناقض فعلي بين الافتراض والاستنتاج، وإنّ تأكيد الافتراضات لا يعني إنكار الاستنتاج أي إنّه مجرد الفشل في تأكيده حتى يتم الاستنتاج، ولكن كيف يمكن تبرير التأكيد النهائي لاستنتاج مختلف؟

يمكن لعلماء المنطق الذين لا يتحدون شرعية الحكم التحليلي للحس أن يشكلوا مفهومًا للحقيقة سيسمح لهم بشرح أنّ ما هو حاسم للاستدلال الصحيح ليس عدم وجود تغيير من الافتراض إلى الاستنتاج بل مجرد وجود لا تغيير في قيمة الحقيقة من صواب إلى خطأ، ففي حالة الاستدلال الاستنتاجي الصالح يكون هذا مضمونًا، ولأننا فقط نعيد ترتيب معلوماتنا لجعل عنصرًا معينًا أكثر بروزًا، وما يتغير هو مجرد معرفتنا بالعلاقة الضمنية في الافتراضات.

يتطلب فعل الاستدلال تدخلاً من قبل الذات يكون تعسفياً بمعنى أنّه ربما لم يحدث، ولكن في حالة الاستدلال الاستنتاجي الصحيح فإنّه ليس تدخلاً يعبث بالحقيقة، وربما يكون هناك مزيد من التدخل من جانب الموضوع عند اتخاذ قرار لإزالة جزء من المحتوى المثالي الأصلي، وكما هو الحال عندما نتخلى عن المصطلح الأوسط في خاتمة القياس المنطقي، وحتى أنّ إسقاط المحتوى المثالي يجعل من الممكن أن تكون النتيجة صحيحة وعندما تحتوي الافتراضات على خطأ، ولكن هذا لا يهم طالما أنّه إذا كانت الافتراضات صحيحة فيجب أن يكون الاستنتاج صحيحًا أيضًا.

ربما يمكن التعامل مع الاستدلال الاستنتاجي إذا لم نحققه بعمق كبير لكن برادلي يأتي الآن إلى بحر صاعد من الاستدلالات غير الاستنتاجية التي لا يمكن التحكم فيها بسهولة، وفي البناء الرياضي قد نستنتج امتداد خط مستقيم معين لمضاعفة حجمه لكن هذا ليس خصمًا لاستنتاج من الافتراض.

وكذلك المقارنة والتمييز هي أيضًا أفعال العقل التي ليست استنتاجًا استنتاجيًا، ويمكن القول في الواقع أنّ هذه الأفعال ليست في الواقع استنتاجات على الإطلاق بل هي أشكال من الحكم الجماعي التي تتضمن في الأصل أكثر من موضوع واحد مميز في التجربة المباشرة، ومع ذلك لن يكون برادلي مهتمًا بهذا كثيرًا لأنّه في رأيه الأخير يجب تفكيك التمييز بين الحكم والاستدلال.

ومع ذلك فإنّ المشكلة الجدية حقًا هي الاستدلال التجريبي بما في ذلك التنبؤ بالمستقبل الذي نعتمد عليه بشدة لتحقيق أهدافنا، فقد اتخذ برادلي الخطوة الأولى في بداية مبادئ المنطق عندما قدم التخفيف من تجربة معينة لمحتوى مثالي يمكن نقله إلى مكان آخر.

وقد يفسر هذا كيف يمكن صياغة اعتقاد حول ما سيحدث لكنه لا يفسر لماذا نختار تبني المعتقدات التي نقوم بها أو كيف يتم تبرير هذه المعتقدات، ولنفترض أننا نستخرج من التجربة الفورية اقترانًا من العناصر المثالية، وقد يغرينا هذا بتخيل اقتران مماثل في تمثيلنا للمستقبل لكن هذا سيكون مبررًا، وفقط إذا كان اتصال العناصر غير مشروط وضروري.

ونظرًا لأنّه في تجريد الاقتران من التجربة المعينة تم فصله عن السياق الذي وُجد فيه فإنّه يظل كما يعتقد برادلي مشروطًا بهذا السياق، ونظرًا لأنّ هذا السياق غير معروف تمامًا أبدًا لا يمكن ضمان النقل الناجح للمركب المثالي المستخرج من سياق معين إلى سياق جديد قد يكون مختلفًا تمامًا.

إنّ الاعتراف بالسياق الذي يتم فيه تضمين المحتوى المثالي المعين يقوض النقل المضمون إلى مكان آخر، وهل يقوض أيضًا الحكم التحليلي للمعنى الذي يسند محتوى التجربة المباشرة؟ وهذا ما دفعنا إلى التفكير فيه في الانتقال إلى وجهة نظر أعلى وسيكون الأمر خطيرًا للغاية لأنّه سيدمر مفهوم الحكم الصحيح.

ومن المثير للسخرية أنّه في بداية كتاب مبادئ المنطق كشف برادلي عن مصدر الحكم الحقيقي في تحديد محتوى مثالي لتجربة فورية تم تخفيفها ومرتبط بها بالضرورة، ويوضح هذا كيف يمكن نقل المحتوى المثالي المستخرج من التجربة المباشرة إلى جزء من الواقع لم يتم اختباره على الفور، وهذه الأحكام بالطبع قد تكون إما صحيحة أو خاطئة.

هذا النظام متاح كنقطة نظر منخفضة لأولئك الذين لا يستطيعون متابعة برادلي على طول الطريق (يوجد أيضًا موقف احتياطي في حالة اكتشاف عيب فادح في التفكير المتقدم لبرادلي على الرغم من أنّ برادلي نفسه لا يبدو أنّه يخشى هذا الاحتمال)، ووجهة النظر السفلية سعيدة بما يكفي بالحجة القائلة بأنّ الاستدلالات التجريبية ليس لديها ضمان منطقي لأنّ الكائن المعطى المتضمن في الافتراض مضمن في سياق غير معروف في النهاية.

تؤسس هذه الحجة استنتاجًا يتفق عليه الجميع، وما لا يمكن قبوله هو استخدام نفس الحقيقة لكسر الصلة بين المحتوى المثالي والموضوع الذي يشكل حكمًا حقيقيًا، وبدون مفهوم قابل للتطبيق للحكم الصحيح حتى الاستدلال كما نفهمه عادة سيختفي لأنّ الافتراضات والاستنتاجات للاستدلال كلها أحكام والحجة الاستنتاجية صحيحة وإذا كان يجب أن يكون الاستنتاج صحيحًا عندما تكون جميع الافتراضات صحيحة.


شارك المقالة: