وُلِد موريس بلونديل في ديجون بفرنسا عام 1861 ودخل المدرسة العليا نورمال في عام 1881 واجتاز التجميع في عام 1886، ومثل العديد من أبناء جيله تأثر بشدة بالتوترات في الحياة الفرنسية ولا سيما تلك بين المؤسسة الأكاديمية الفرنسية والكاثوليكية.
المنظور العام لفلسفة بلونديل:
دافع بلونديل عن أطروحته الحدث (L’action) في عام 1893 في جامعة السوربون، وهذه الأطروحته تدافع عن حتمية المشكلة الدينية، وأدخلته في قلب الجدل اللاهوتي والفلسفي في عصره، حيث أولاً تم رفض بلونديل من منصب جامعي على أساس أنّه اتخذ موقفًا دينيًا غير لائق في فلسفته، وحصل أخيرًا على الأستاذية في إيكس في عام 1897.
بعد الصعوبات التي واجهها مع الفلاسفة وجد بلونديل نفسه يتعرض للهجوم من قبل علماء اللاهوت المحافظين الجدد لقيامهم بترشيد اللاهوت، وفي نهاية المطاف من قبل مجموعة الحدث فرانسيز باعتباره عصريًا، وكتب بلونديل رسالة في علم الدفاع عن النفس في عام 1896، والتاريخ والعقيدة في عام 1903 لمعالجة هذه المشكلات على وجه التحديد وليس أقلها الفجوة الكبيرة بين الفكر الكاثوليكي والفلسفة الحديثة والوجود الاجتماعي.
رفض بلونديل إعادة نشر كتاب الحدث بقصد إعادة صياغته في ضوء مشروع أكبر وأكثر صرامة والذي أصبح ثلاثية ميتافيزيقية، في غضون ذلك نشر العديد من المقالات حول الفلسفة الحديثة وآباء الكنيسة، وشارك في الجدل حول الحداثة، واتخذ موقفًا لم يكن حداثيًا ولا بيطريًا بل شدد على دور التقليد الحي.
في عام 1905 اشترى بلونديل مجلة حوليات الفلسفة المسيحية (Annales de la Philosophie Chrétienne)، وأقام لوسيان لابيرثونيير كمحرر، وانخرط في حجة ضد العمل الفرنسي (L’Action Francaise) ومؤلفيها، وفي عام 1919 توفيت زوجة بلونديل روز وفي عام 1927 تدهور بصره مما جعله شبه أعمى مما استلزم تقاعده وأصبح غير قادر على العمل إلّا بالإملاء.
من عام 1934 إلى عام 1937 نشر المجلدات الخمسة الفكر المجلد 2 (La Pensée) والوجود والكائنات (L’être et les êtres) والحدث المجلد 2 (L’action) من ثلاثية ميتافيزيقية، متبوعًا بالروح المسيحية (L’Esprit chrétien) وتم الانتهاء من مجلدين فقط بالكامل عند وفاته في عام 1949.
فلسفة الأنطولوجيا لدى بلونديل:
من أجل الحفاظ على كلٍّ من غموض الوجود والتحديد المستمر لهما وإنصافهما، فلا يمكن فصلهما تمامًا عن بعضهما البعض بمفهوم الاختلاف الأنطولوجي كما يدعي هايدجر، فبدلاً من أن تكون غير قابلة للتشكيل يجب أن تُحسب فهناك حاجة ماسة في علاقتنا بالوجود تتطلب منا أن نعطيها ونكتشف بداخلها، والعزم والتضامن ليس فقط بين الكائنات والكائنات الأخرى والنظام الجوهري ولكن أيضًا بين الكائنات والوجود وترتيب التعالي.
في الوقت نفسه من الجانب الإنساني فإنّ التفكير في هذا والوجود الذي يدعم ذلك، والفعل الذي ينتج هذا هو دائمًا غير كافٍ وهذا يعني أنّه ليس بالضرورة أن يفشل ولكنه يتطلب العون والجذب الغائي والمساعدة من كائن أعظم الضروري بشكل فريد، فيجادل بلونديل بأنّ هذا هو الإله المسيحي.
لهذه الأسباب فإنّ مفهوم الكائن المخلوق يعتبره بلونديل هو المفهوم الوحيد المتماسك والمتسق حقًا، أي أنطولوجيا أخرى ولا سيما تلك الخاصة بأشكال مختلفة من المثالية، وهي أكثر من مجرد نظرية حول بنية وجوهر الكائنات، حيث إنّه أيضًا فعل للذات الراغبة وهو فعل يضع سرًا الذات الراغبة وتجاربها كمركز وأساس لكل شيء آخر غير نفسه وشكلاً من أشكال عبادة الذات.
المشكلة المركزية في مثل هذا الموقف مع ذلك ليست ببساطة أنّها عبادة وثنية، بل أنّها تخون نفسها ومهمتها الفلسفية التي فرضتها على نفسها، ومثل هذا الموقف يتطلب حتمًا استبعاد أو تقليص الظواهر المركزية للوجود التاريخي البشري إلى مجال آخر، وفقط من خلال دراسة الكينونة التي تعترف بالنقص ولكن أيضًا بقدرة المخلوق على معرفة الخلق والخالق يمكن فهم كيان الإنسان بشكل صحيح، ونتيجة لذلك كان لهذا تأثير الجدال ضد تفضيل نظرية المعرفة على ميتافيزيقيا الذات المعرفية والتنفيذية وهو أمر شائع في الحداثة.
المادة:
المادية هي المستوى الأول من الوجود الذي يوجه بلونديل انتباهه النقدي إليه، وذلك في المقام الأول لأنّ المادية من أنواع مختلفة، وكذلك المثالية كردود فعل ضد الآثار الخافتة للمادية وهي تحامل شائع جدًا للحداثة.
يكرر بلونديل حجته التي قدمها سابقًا في مقالة الوهم المثالي (L’illusion idéaliste) بأنّ أي شكل من أشكال المادية التي تأخذ المادة على أنّها شيء مكتفٍ ذاتيًا تمامًا كأساس يتم صنع كل الأشياء المحددة له هو في الواقع شكل خفي من المثالية، لأنّه يقنن مفهومًا أي مفهوم المادة ويفترض ببساطة اختزال جميع الظواهر إلى ترتيبات المادة فوي الواقع إلى بنى مثالية.
في الوقت نفسه لا يهدف بلونديل إلى مجرد استبدال مفهوم المادة بمفهوم الفكر وإنشاء نظام مثالي جديد، وبدلا من ذلك فإنّ همه هو أن يأخذ في الاعتبار دور المادة، وهنا فإنّ روايته تحمل أوجه تشابه مع كل من الروايات التوماسية-الأرسطية والماركسية للمادة، فبالنسبة لتوماس فإنّ المادة الأساسية هي مجرد ضرورة مفاهيمية ووجود عقل، ولكن في نفس الوقت لا يمكن إخراج طبيعتنا الروحية تمامًا من مادتنا والتي توفر إمكانية ليس فقط للعاطفة والمدة ولكن أيضًا للعمل والإحساس والفكر نفسه.
يميز ماركس بين المادية المبتذلة التي تنظر إلى المادة والروح على أنّهما منفصلان تمامًا والمادية الديالكتيكية التي ترى أنّ المسألة مسكونة بالفعل بالروح، وبالنسبة إلى بلونديل لا توفر المادة أيضًا إمكانية التفرد والتمايز فحسب بل توفر أيضًا تضامن الظواهر حتى تلك ذات الأنظمة المختلفة لأسباب ليس أقلها أنّ كونها مادية تعني أيضًا في نفس الوقت القصور والتصميم، مثلما تعمل المادة على فصلهم (الكائنات) عن الوجود في حد ذاته، فإنّه يسمح أيضًا بالمشاركة دون إمكانية الخلط معها.
كما إنّ طبيعتنا المادية والطبيعة المادية للكائنات الأخرى التي نرتبط بها تعكس طبيعتنا ككائنات مفكرة وهي طبيعة، ومع ذلك لا يتم تحديدها من خلال نوع واحد أو أساس واحد من التفكير، فإذا كان علينا أن نتحدث وفقًا لمظاهر معقولة ووفقًا للخيال المشترك فمن المعتقد أنّ هذا موجود في مادة منظمة.
وعلى العكس تمامًا إنّها مادة مكونة بين وجهين حقيقيين للغاية للفكر الناقص ولفكرة غير قابلة للاختزال إلى وحدة شفافة، وتشعر نفسها في كل مكان وفي جهدها لمعرفة (connaître) وللإرادة وللعمل ولإتقان نفسها في مواجهة عقبة أو جدار أو عتامة ليست بالتأكيد غامضة تمامًا، ولكنها لا تسمح أبدًا بقمعها بالكامل واجتيازها بالكامل، ولذا فالمسألة ليست شيئًا (مختارًا) بقدر ما هي الشرط المشترك للمقاومة التي تعارضها كل الأشياء (تختارها) بالنسبة لنا وأننا أنفسنا نعارض أنفسنا، وهذا الفكر يجد نفسه منقسما.