اقرأ في هذا المقال
- فلسفة جرين في التعاون الجماعي لتكوين المجتمع
- شكل الدولة الحديثة
- فلسفة جرين في دور الوعي الأبدي بتشكيل الدولة
يرى توماس هيل جرين أنّ الدولة مؤسسة طبيعية وضرورية للإدراكالأخلاقي لكل فرد، بحيث يجب أن تحاول حماية الفرد من حقوقه والظروف المتعلقة بالحياة الكريمة، وأيضًا إنّ الدولة يجب ألّا تتخذ أي خطوات إيجابية للترقية أو الأخلاق بدلاً من ذلك يجب أن تساعد في تطوير الأخلاق، كما أعلن جرين أنّه لا قيمة له إذا لم يتم تنفيذ الحقوق، ولذلك يجب على الدولة تنفيذ أو إنفاذ الحقوق حتى عن طريق الإكراه إذا لزم الأمر، وبرر استخدام القوة من قبل الدولة لأنّها تنفذ الإرادة العامة للشعب والدولة المطلقة والقادرة.
فلسفة جرين في التعاون الجماعي لتكوين المجتمع:
هنا يجب اعتبار كل فاعل أخلاقي غاية في ذاته، ويعبّر كانط عن هذه الفكرة الأساسية على النحو التالي: “تصرف بطريقة تعامل الإنسانية دائمًا سواء في شخصك أو في شخص أي شخص آخر، وليس كوسيلة فحسب ولكن دائمًا في نفس الوقت كغاية”، فعند الرغبة في مصلحته يجب على الفرد أن يتعرف على نفسه كإنسان وبالتالي كطرف في ذاته.
ولكن على أساس الاتساق يجب عليه أيضًا أن يتعرف على جميع البشر على أنّهم غايات في أنفسهم، وبهذه الطريقة يجب الاعتراف بأنّ البشرية جمعاء عليها واجبات بحكم عقلانيتها المتأصلة بغض النظر عن جنس أعضائها أو العرق أو الدين أو المكانة، ويتسع فهم من هو الجار تدريجياً، ويختفي تدريجياً الاعتماد الحصري للمطالبات الأخلاقية على علاقات الأسرة أو المكانة أو المواطنة، كما أنّ توسيع المفهوم العملي للجار يعطي حافزًا إضافيًا للتطور الواضح للوعي الأبدي من حيث أنّه يؤدي إلى تمديد نفس الحق في الحرية للجميع.
وهكذا فإنّ الملكات التي يمنعها القمع والانفصال الاجتماعي عن التطور تأخذ حياة جديدة من التعاون الموسع الذي يجلبه الاعتراف بالمطالب المتساوية بين جميع الرجال، وبالتالي فإنّ العملية ذاتية الترويج، وإنّ المنطق المتأصل في معاملة الناس على أنّهم متساوون هو الاعتراف المتزايد بالمركزية الأخلاقية للنوع ككل وليس إحدى مجموعاته الفرعية.
تعطي هذه الخطوة الأخيرة بعض المحتوى حتى النهاية والذي يجب الترويج له، حتى لو كان ذلك فقط من خلال استبعاد بعض خيارات الفعل الأخلاقي، وبالتالي فإنّ المصالح التي يجب أن تتحقق ليست على سبيل المثال تعظيم المتعة لأنّ هذا يعني أنّه يتم تقديم غاية أخرى غير الطبيعة المتأصلة للإنسان، وأيضًا لا يمكن العثور على المصالح الحقيقية والرضا عن النفس في الدوافع الحيوانية على هذا النحو لأنّ هذه الدوافع لا تستند إلى ضرورة احترام الشخص كغاية في حد ذاته.
وفقط من خلال مساعدة الأفراد على تحقيق أهدافهم يُظهر لهم الاحترام حقًا وبالتالي يعاملهم حقًا كغايات في أنفسهم، وبالتالي عندما يتم التعرف على الأفراد على أنّهم غايات في حد ذاتها فإنّ المجموعات الأكبر مثل الأسرة والقبائل تميل إلى النظر إليها على أنّها أقل استحقاقًا للاحترام في حد ذاتها، وفي النهاية يجب أن ننظر إلى المجتمع البشري ككل على أنّه الكائن الحي الذي تتكشف فيه قدرات الروح البشرية.
الآن تتجلى عملية التاريخ هذه في اتساع المجتمع الأخلاقي الذي يجب أن يصاحب بالضرورة الاعتراف المتزايد بأنّه في النهاية شرارة الإنسانية التي تتطلب الاحترام وليس الولاء القومي أو الطبقي، وعلى حد تعبير كانط فإنّ الدستور السياسي المثالي مثالي على وجه التحديد لأنّ وجوده ضروري لتحقيق جميع القدرات الطبيعية للبشرية، ولهذا السبب يتعرف الفرد على المزيد من الناس على أنّهم مساوون له أخلاقيًا بحكم مشاركتهم في مفهومه الضمني والنهائي للصالح العام، ولا يوضح جرين تمامًا مدى راديكالية هذا الخط من الجدل، حيث في الواقع ربما لم يتعرف عليه بنفسه.
شكل الدولة الحديثة:
يعتمد شكل الدولة الحديثة وقوانينها على مرحلة التطور التي وصل إليها المجتمع الذي تنبثق منه، وتوضح الدولة إذن من الناحية القانونية الآراء والعلاقات الأخلاقية الموجودة بالفعل داخل المجتمع (قد تتخلف القوانين عن الأعراف الاجتماعية لكنها لا تزال في نهاية المطاف أقرب إلى التجسيد الكامل للوعي الأبدي بهذه القيم)، ومع تقدم التاريخ تميل الحقوق وجميع أشكال التعبير الأخرى عن المرحلة الحالية من التطور الاجتماعي إلى أن تصبح عالمية، أي أنّه يمتد ليشمل المزيد والمزيد من المجموعات.
ومن ثم فقد تم إلغاء العبودية وحصلت المرأة على نفس حقوق الرجل، ويمتد هذا أيضًا إلى أعضاء الدول القومية الأخرى، ويتم تعريف الأمة من خلال امتلاك أعضائها لمفهوم غاية مشتركة وأساس الحصول على الحقوق يصبح القدرة المتصورة لتحقيق هذا الهدف المشترك، ومن ثم فإنّ الحقوق تميل إلى أن تكون عالمية والأهم من ذلك عبر الدول، حيث تتقارب أهداف كل دولة واندماج الأمم وتراجع الأمة كقوة دافعة للعمل البشري.
فلسفة جرين في دور الوعي الأبدي بتشكيل الدولة:
الدافع وراء حجة جرين هو أنّه من الحتمي تاريخيًا أن تختفي الدولة القومية كشكل من أشكال التنظيم السياسي حيث يصبح الوعي الأبدي أكثر وضوحًا في العالم، والمرجع النهائي هو المواطنة الدينية العالمية، وهذا مجتمع عقلاني حقيقي للإنسان هدفه المشترك هو العيش في توافق كامل مع الوعي الأبدي، وسيكون مجتمعًا من الأفراد الأحرار يتمتع كل منهم بنفس الحقوق ونفس الواجبات والولاءات نفسها.
إذن يدعي جرين هنا بأنّ الحقوق اجتماعية بالضرورة، ولقد ثبت أنّ الحقوق المعنوية لا توجد إلّا عندما يُعترف بأنّها تساهم في الصالح العام، أي حيث يُنظر إليهم لدفع المجتمع لتحقيق أهدافه، والحقوق القانونية قد تجسد أو لا تجسد الحقوق المعنوية لكن المثل الأعلى هو تمكين الجميع والحقوق المعنوية فقط من خلال القانون، وجزء أساسي من الحقوق هو تماسكها العقلاني، أي يجب أن تتوافق مع حتمية كانط القاطعة، وهكذا فإنّ الاحترام الكانطي للأشخاص ينتشر من العائلات إلى القبائل وأخيراً إلى الأفراد كأعضاء في الجنس البشري، وقد قيل إنّ ضمنيًا في هذا هو تفوق الدولة القومية.