كان الكثير من أعمال الفيلسوف دونالد ديفيدسون المبكرة في نظرية القرار، والتي لم يبدأ ظهور العمل الذي اشتهر به في الطباعة إلّا في أوائل الستينيات، وفي الواقع كان أول منشور فلسفي رئيسي لديفيدسون هو الورقة البحثية الأساسية الإجراءات والأسباب كأسباب (Actions, Reasons and Causes) في عام 1963، وفي تلك الورقة شرع ديفيدسون في الدفاع عن الرأي القائل بأنّ تفسير الفعل بالإشارة إلى الأسباب، فهو شيء نقوم به على سبيل المثال عندما نشير إلى نوايا أو دوافع الوكيل في التصرف، وهو أيضًا شكل من أشكال التفسير السببي.
السببية بين ديفيدسون وفيتجنشتاين:
في الواقع يجادل ديفيدسون بأنّ الأسباب تفسر الأفعال بقدر ما هي أسباب تلك الأفعال، وكان هذا النهج في تناقض واضح مع أرثوذكسية فيتجنشتاين في ذلك الوقت، وفي هذا الحساب الأخير تم النظر إلى التفسير السببي على أنّه مسألة إظهار الحدث ليتم شرحه كمثال على انتظام يشبه القانون، ونظرًا لأنّ التفسير العقلاني بشكل عام لا يتضمن أي إشارة من هذا القبيل إلى القوانين بل يتطلب إظهار كيف يتناسب الإجراء مع نمط أكبر من السلوك العقلاني، فقد تم اعتبار التفسير بالإشارة إلى الأسباب مختلفًا عن التفسير ومستقلًا عن طريق إشارة إلى الأسباب.
على الرغم من أنّه موجه ضد وجهة النظر المستوحاة من فيتجنشتاين بأنّ الأسباب لا يمكن أن تكون أسبابًا، إلّا أنّ حجة ديفيدسون تعيد نشر عدد من مفاهيم فيتجنشتاين بشكل فعال، وتلعب فكرتان دورًا مهمًا بشكل خاص في تفسير ديفيدسون، حيث أنّ الأفكار التي تعتبر أيضًا بشكل أو بآخر مهمة في تفكير ديفيدسون في مكان آخر، وأول هذه الأفكار هو مفهوم (السبب الأساسي) وهو الاقتران بين الاعتقاد والرغبة (أو الموقف المؤيد) في ضوء ذلك يتم شرح الفعل.
وبالتالي يمكن تفسير عملي المتمثل في قلب مفتاح الضوء بالرجوع إلى اعتقادي بأنّ قلب المفتاح يؤدي إلى تشغيل الضوء جنبًا إلى جنب مع رغبتي في تشغيل الضوء (بالنسبة لمعظم التفسيرات هناك إشارة صريحة إلى كل من المعتقد و الرغبة غير ضرورية)، وهكذا يصبح الفعل مفهومًا من خلال تضمينه في نظام أوسع من المواقف المنسوبة إلى الفاعل، وذلك من خلال التضمين أي في إطار أوسع من العقلانية.
الفكرة الثانية هي فكرة العمل (تحت الوصف) وهي عبارة ظهرت في الأصل في نية أنسكومب التي نُشرت عام 1959، وكما هو الحال مع مفهوم السبب الأساسي فإنّ الفكرة هنا بسيطة بما يكفي حيث نفس الإجراء قابل دائمًا لأكثر من وصف صحيح، وهذه الفكرة مهمة بشكل خاص ومع ذلك لأنّها توفر وسيلة يمكن من خلالها فهم نفس عنصر السلوك على أنّه متعمد في ظل بعض الأوصاف ولكن ليس تحت البعض الآخر.
وبالتالي يمكن إعادة وصف عملي لقلب مفتاح الضوء بأنّه فعل تشغيل الضوء (الذي يكون تحته متعمدًا) وأيضًا باعتباره فعل تنبيه المتسكع الذي دون علمي يتربص في الأدغال بالخارج (التي تحتها إنه غير مقصود)، وبتعميم هذه النقطة يمكننا أن نقول أنّه يمكن الإشارة إلى نفس الحدث تحت أوصاف متباينة تمامًا، حيث إنّ حدث تنبيه المتسابق هو نفس حدث تقليب مفتاح الضوء وهو نفس حدث تحريك جسدي (أو جزء منه من جسدي) بطريقة معينة.
العلاقة بين العقل والفعل:
يتعامل ديفيدسون مع العلاقة بين العقل والفعل (حيث يكون السبب بالفعل هو سبب الفعل) كعلاقة تربط بين حدثين (إيمان الفاعل ورغبته من جهة وتصرفه من جهة أخرى) والتي يمكن وصفهما بشكل مختلف، فالارتباط عقلاني على حد سواء حيث أنّ زوج المعتقد والرغبة (السبب الأساسي) يحدد سبب الفعل ولكنه أيضًا سببي، حيث أنّ الحدث الواحد يتسبب في الآخر إذا كان بالفعل هو السبب في ذلك.
كما إنّه على وجه التحديد لأنّ السبب مرتبط سببيًا بالإجراء الذي يمكن تفسيره بالرجوع إلى السبب، وفي الواقع عندما يكون للوكيل عدد من الأسباب للتصرف، ومع ذلك يتصرف على أساس سبب واحد على وجه الخصوص فلا توجد طريقة لاختيار السبب الذي يتصرف به الفاعل بخلاف القول بأنّه السبب تسبب في عملها.
يُفهم على أنّه عقلاني ولا يمكن وصف العلاقة بين العقل والفعل من حيث أي قانون صارم، ومع ذلك بقدر ما يكون الارتباط أيضًا ارتباطًا سببيًا، لذلك يجب أن يكون هناك نوع من الانتظام الشبيه بالقانون، وعلى الرغم من عدم وصفه بلغة العقلانية حيث تقع الأحداث المعنية والتي يمكن أن يكون التفسير سببيًا إذن على الرغم من أنّه موجود لا تحدد أي قانون صارم.
وهكذا يكون ديفيدسون قادرًا على الحفاظ على أنّ التفسير العقلاني لا يحتاج إلى إشارة صريحة إلى أي انتظام شبيه بالقانون، بينما يرى مع ذلك أنّه يجب أن يكون هناك نوع من الانتظام الذي يكمن وراء الارتباط العقلاني بقدر ما هو سببي، وعلاوة على ذلك نظرًا لأنّ ديفيدسون يقاوم فكرة أن التفسيرات العقلانية يمكن صياغتها في إطار علم تنبؤي لذلك يبدو ملتزمًا بإنكار إمكانية حدوث أي اختزال في التفسير العقلاني إلى التفسير غير العقلاني.
مشاكل اللاعقلانية:
أدى التزام ديفيدسون بعقلانية العقلية كأحد أحجار الزاوية في الأحادية الشاذة -وكذلك بالإضافة إلى تفسير التفسير الراديكالي– قاده إلى الاهتمام بشكل خاص بمشكلة الاعتقاد والفعل الظاهر على أنّه غير عقلاني وهو الشيء الذي تم تناوله لأول مرة في (كيف يكون ضعف الإرادة ممكنًا؟)، وبينما يتعامل ديفيدسون مع اللاعقلانية على أنّها سمة حقيقية لحياتنا العقلية، فإنّه يقدم طريقة للتعامل معها تهدف إلى الحفاظ بمعنى ما على العقلانية الكلية للعقل.
يمكن أن يتسبب الاعتقاد أو الرغبة في عقل شخص ما في اعتقاد أو رغبة في عقل آخر دون المساس بعقلانية العقل، وكمثال مقدم من ديفيدسون هو إنمائه لزهرة جميلة لأنّه يرغب في دخول حديقته، وتتطور الرغبة في رؤية الزهرة كنتيجة لرغبته، وبالتالي تسببت رغبته دون أن تكون سببًا في رغبتنا.
ويقترح ديفيدسون أننا يجب أن ننظر إلى نفس النوع من العلاقة كما هو الحال في بعض الأحيان داخل عقل واحد، وتحقيقًا لهذه الغاية يجب أن ننظر إلى العقل على أنّه مقسم بشكل ضعيف بحيث يمكن أن تكون المواقف المختلفة موجودة داخل مناطق مختلفة، وبالتالي لا يلزم أخذها في مواجهة صراع مباشر، وقد تأثر تفكير ديفيدسون في اللاعقلانية بشكل متزايد بالانخراط في التفكير التحليلي النفسي، ولدى مارسيا كافيل الزوجة الثالثة لديفيدسون اهتمامات قوية في التحليل النفسي، وفي كتاب العقل التحليلي النفسي تربط فكر ديفيدسون مباشرة بفرويد.