فلسفة ديكارت في نظريات الجوهر

اقرأ في هذا المقال


كان نظام الفيلسوف رينيه ديكارتالفلسفي بما في ذلك روايته عن الجوهر شديد التأثير خلال القرن السابع عشر، على عكس سبينوزا ولايبنيز لم تكن نظرية ديكارت عن الجوهر هي محور نظامه الفلسفي، ومع ذلك قدّم ديكارت نظرية جديدة للمادة التي اختلفت بطرق مهمة عن التقليد السكولاستيكي الأرسطي.

حساب ديكارت للجوهر:

يقال أحيانًا أنّ ديكارت يقدم تعريفين مختلفين للجوهر وفي الواقع في المبادئ والردود الثانية يعرّف الجوهر بطرق مختلفة، ومع ذلك لا ينبغي أن ننظر إلى هذا كدليل على أنّ ديكارت غير رأيه، على العكس من ذلك من الواضح أنّ هذه التعريفات بالنسبة إلى ديكارت تعبر عن وجهين لسرد موحد للجوهر.

عند البدء في التعريف الذي يقدمه في كتابه مبادئ الفلسفة فإنّ هناك يعرّف الجوهر من حيث الاستقلال، ويبدأ بتوضيح أنّ هناك بالفعل معنيين فلسفيين مختلفين للمصطلح (يقابل درجتين من الاستقلال)، ولأسباب ستتضح بعد قليل لا بد من أن نميّز بين الحواسين من خلال استدعاء مادة واحدة والأخرى مادة مخلوقة، ويمكن إعادة صياغة تعريفات ديكارت على النحو التالي:

1- الجوهر: الشيء الذي لا يعتمد وجوده على شيء آخر.

2- المادة المخلوقة: الشيء الذي لا يعتمد وجوده على غير الله.

بالمعنى الدقيق للكلمة بالنسبة إلى ديكارت هناك مادة واحدة فقط (على عكس المادة المخلوقة)، حيث يوجد شيء واحد فقط يكون وجوده مستقلاً عن كل الأشياء الأخرى وهو الله، ومع ذلك يوجد داخل الكون الذي خلقه الله كيانات يعتمد وجودها فقط على الله، فهذه المواد الأقل هي المكونات النهائية للعالم المخلوق.

إنّ تعريف الجوهر الذي يقدمه ديكارت في الردود الثانية (وفي أماكن أخرى)، ويتجاهل التمييز بين الله والخلق ويعرف الجوهر بطريقة أكثر تقليدية بكثير، مدعيًا بأنّ المادة هي موضوع له أو يحمل أنماطًا، ولكنه ليس في حد ذاته نمطًا لأي شيء آخر، وهذا يتناسب تمامًا مع تعليقاته الأخرى حول الجوهر في المبادئ، وهكذا يخبرنا أنّ كل مادة مخلوقة لها صفة واحدة بالضبط.

يوضح ديكارت أنّ سمة المادة هي الخاصية الأساسية التي تشكل طبيعتها وجوهرها، والتي يشار إليها جميع خصائصها الأخرى، وبالتالي فإنّ صفة المادة تملي نوعها لأنّ السمات تشكل طبيعة المادة وكل الأشياء التي لها نفس الطبيعة فقط هي من النوع نفسه، علاوة على ذلك في الادعاء بأنّ جميع خصائص المادة تتم الإشارة إليها من خلال خاصية المادة، حيث يدّعي ديكارت أنّ خاصية المادة تملي الخصائص التي قد تمتلكها المادة.

يحدد ديكارت سمتين وهما الفكر والامتداد، وبالتالي هناك نوعان على الأقل من المواد المخلوقة وهي المواد الممتدة ومواد التفكير، وبواسطة (الامتداد) ديكارت يعني فقط وجود الطول والعرض والعمق، فبشكل عام قد نقول إنّ التمديد هو مجرد شغل مساحة أو الحصول على حجم، في حين أنّ ديكارت يعني في (مادة التفكير) فقط (العقل).

على الرغم من أنّ ديكارت يناقش هاتين السمتين فقط إلّا أنّه لم يستبعد صراحة إمكانية وجود سمات أخرى، ومع ذلك فسر التقليد ديكارت على أنّه يؤيد وجود نوعين فقط من المادة المخلوقة ولهذا السبب يُطلق على ديكارت غالبًا اسم ثنائي الجوهر، ومع وجود هذه المواصفات في متناول اليد فنحن في وضع أفضل لفهم ما يعنيه ديكارت عندما يقول أنّ جميع خصائص المادة تتم إحالتها من خلال سمة المادة أو (خاصية المبدأ)، فعند التفكر في مادة ممتدة على سبيل المثال صخرة معينة، ومن بين خصائص هذه الصخرة الشكل والحجم، ولكن امتلاك هذه الخصائص يفترض مسبقًا خاصية التمديد.

بمعنى آخر لا يمكن أن يكون لشيء ما شكل أو حجم دون أن يتم تمديده أيضًا، علاوة على ذلك فإنّ الخصائص التي قد تكون للصخرة تقتصر على تعديلات التمدد، فلا يمكن للصخرة أن تمتلك خاصية الشعور بالألم على سبيل المثال لأنّ خاصية الشعور بالألم ليست وسيلة للتمدد، وبشكل عام يمكننا أن نقول أنّه بالنسبة إلى ديكارت فإنّ سمة المادة هي أكثر خصائصها عمومية، وأنّ كل خاصية أخرى للمادة هي مجرد تحديد أو طريقة وجود أو نمط لتلك السمة.

ما هي المواد الموجودة؟

بالنظر إلى هذا الاعتبار لطبيعة المادة فما هي المواد الموجودة؟ هنا يجادل ديكارت بشكل مشهور في التأمل السادس بأنّ العقول والأجساد البشرية متميزة حقًا أي أنّها كل مادة، وفي الواقع كل وعي أو عقل فردي هو مادة تفكير، وعلاوة على ذلك يتعامل ديكارت مع الأجسام بما في ذلك الأشياء التي نشهدها في حياتنا اليومية (الكراسي والأشجار والملاعق وما إلى ذلك) كمواد ممتدة، هذا يبدو منطقيا.

الامتداد هو سمة من سمات الجوهر لذلك يبدو أنّه يتبع أنّ أي شيء يتم تمديده (له خاصية الامتداد) هو بحد ذاته مادة، علاوة على ذلك فإنّ أجزاء المواد الممتدة كما هي ممتدة تبدو أنّها مواد ممتدة بالنسبة إلى ديكارت، وبالنظر إلى أنّ ديكارت يعتقد أنّ المادة قابلة للقسمة بلا حدود، وأنّ كل جزء من المادة نفسه يمتد إلى أسفل، فهذا يعني أنّ هناك عددًا لا حصر له من المواد الممتدة.

وهكذا تركنا مع الصورة التالية للواقع، فالشيء الأكثر واقعية هو الله الذي تعتمد عليه كل الأشياء الأخرى، ومع ذلك يوجد داخل العالم المخلوق كيانات مستقلة عن كل شيء غير الله، وهذه هي المواد المخلوقة، فتأتي المواد المخلوقة في نوعين: المواد الممتدة والعقول وهناك تعدد في كليهما، ويثير هذا الملخص الموجز لرواية ديكارت عن الجوهر عددًا من الأسئلة والخلافات الأعمق، وأحد الأسئلة المركزية التي تثار بشكل طبيعي هو لماذا يعتقد ديكارت أنّ الامتداد والتفكير هما أكثر الخصائص عمومية للمواد؟

هل يتجسد البشر في المواد؟

يتناسب البشر المتجسدون بشكل غير مريح مع ميتافيزيقيا ديكارت، كما يتجسد البشر كائنات مركبة، ويتألف الإنسان المتجسد من مادة عقلية (عقلنا) ومادة مادية (جسمنا) بالنسبة إلى ديكارت، ويعتقد ديكارت أنّ هذا الكائن المركب مع ذلك شيء فوق وفوق مجرد تجميع، فيكتب في وساطة ستة (Mediation Six): “تعلمني الطبيعة أيضًا أنني لست حاضرًا في جسدي فقط، حيث أنّ بحارًا موجودًا في سفينة، ولكنني مرتبط بشكل وثيق جدًا، وكما هو الحال متداخل معها، لذلك أنا والجسد يشكل وحدة”.

بشكل عام من الواضح أنّ ديكارت يعتقد أنّ البشر المتجسدين هم كائنات استثنائية في بعض النواحي، ولكن كيف يجب أن نفهم اتحاد العقل / الجسد هذا ومكانه في ميتافيزيقيا ديكارت كان موضع خلاف بين العلماء، فكان أحد الخلافات الأكثر بروزًا بين هؤلاء العلماء الذين قرأوا ديكارت على أنّه يعتقد أنّ البشر المتجسدين هم نوع مميز من المواد المخلوقة، وأولئك العلماء الذين لا يفعلون ذلك، والأول يرى ديكارت على أنّه مختص بالمواد، في حين أنّ الأخير قرأه على طول الخطوط التقليدية باعتباره مادة ثنائية.


شارك المقالة: