فلسفة راسل ومشكلة الحلقة المفرغة والخلاف المتلاشي

اقرأ في هذا المقال


خلافًا لعلماء الأخلاقيات العملية في الوقت الحاضر ولكن مع بعض الاستثناءات البارزة مثل بيتر سينغر، فقد قرأ الجمهور غير الفلسفي على نطاق واسع فلسفةبرتراند راسلالأخلاقية، فعلى سبيل المثال فيليبس (2013) فقد أوضح بالتفصيل نجاحات راسل كخبير أخلاقي مشهور في الخمسينيات، كما أنّه في الآونة الأخيرة ولربما في الخمسة عشر عامًا الماضية أو نحو ذلك بدأ المنظرون الأخلاقيون في الاهتمام به.

ولكن هناك بعض المشاكل التي تواجه فلسفة راسل الأخلاقية من حيث تحليل المفاهيم والمصطلحات الأخلاقية.

فلسفة راسل ومشكلة الحلقة المفرغة:

وفقًا لستيفنسون (Stevenson) وآير (Ayer) فإنّ وظيفة الأحكام الأخلاقية هي التعبير عن الموافقة والرفض، ولكن جملة “(X) جيد” لا بد أنّها تعني الموافقة على (X) تعني التفكير أو الشعور بأنّ (X) جيد أو صحيح، أي الرفض والتفكير أو الشعور بأنّه سيء ​​أو خطأ.

وبالتالي فإنّ التحليل العاطفي للمصطلحات الأخلاقية دائري بشكل شرس، حيث طور برتراند راسل نفسه خطًا مشابهًا من الحجة ضد النظريات التي تحدد الصواب مع الميل لإثارة الموافقة في كتابه عناصر الأخلاق في عام 1912.

هذا الاعتراض يترك راسل كما هو، فالموافقة على (X) قد يعني التفكير أو الشعور بأنّ (X) جيد، ولكن بالنسبة إلى راسل أن يعتقد أنّ (X) جيد، ولا يعني ذلك الموافقة على ذلك ولكن الرغبة في أن يرغب الجميع في (X)، وعلى الرغم من أنّ هذا غير معقول فلا توجد دائرة مفرغة او غير ذلك.

فلسفة راسل ومشكلة الخلاف المتلاشي:

إذا كانت الأحكام حول ما هو جيد أو سيء في حد ذاته تعبر فقط عن الموافقة والرفض، فإنّ “(X) جيد” التي قالها فرد ما بواسطته و”(X) سيء” التي قالها لا تتعارض مع بعضها البعض.

بعد كل شيء هذا المرء فقط يعبر عن مشاعره بينما شخص آخر تعبر عن مشاعره، ولا يوجد شيء غير متسق عن بعد حول الافتراض بأنّ (X) يثير الموافقة والاستنكاف في المرء، ولكن من الواضح أنّه عندما يتم تسمية (X) جيدًا والمرء يسميه سيئًا فإنّه يتناقض مع بعضها البعض، ومن ثم فإنّ العاطفة التي يبدو أنّها توحي بخلاف ذلك هي خاطئة.

مرة أخرى أنّ السمة للعاطفة لدى راسل محصنة ضد هذا الاعتراض، فوفقًا لراسل “(X) جيد” و”(X) سيء” حقًا في مزاج اختياري على الرغم من ظهورهما الدلالي، وعلى هذا النحو فإنّهم يعبرون عن رغبات أو الأمنيات أو الطلبات، ويمكن أن تكون الرغبات والطلبات بمعنى ما غير متسقة مع بعضها البعض، أي عندما لا تكون في عبارة راسل محتملة أو ممكنة، أي عندما لا يمكن تحقيق كليهما.

“هل لو كان لدي كل الآيس كريم!” قالها شخص (أ) و “هل كان لي كل الآيس كريم” قالها شخص (ب)، حيث عبرت عن رغبات متناقضة لأنّه لا يستطيعان هذان الشخصان الحصول على كل الآيس كريم.

وعلى هذا النحو يتعارض الخياران مع بعضهما البعض، ليس لأنّهما يصفان حقائق غير متوافقة ولكن لأنّهما يصفان حالات غير متوافقة، وبالمثل عندما قال المرء “(X) جيد” و”(X) سيئة” من قبل والتي تعبران عن رغبات متناقضة وبالتالي تناقض بعضهما البعض.

لأنّ “(X) جيد” تعني هل رغب الجميع في (X) و”(X) سيء” تعني هل يرغب الجميع في عدم وجود (X)، والرغبات التي يعبر عنها هذان الخياران ليست ممكنة، أو على الأقل تكون متوافقة فقط بشرط أن تكون لدينا جميعًا رغبات غير متسقة (كلاهما (X) وليس (X)).

لكن الوضع يختلف قليلاً عندما نصل إلى أحكام حول ما هو صواب أو ما يجب القيام به، فكما يلاحظ أنّ راسل يميل إلى إعطاء مثل هذه الأحكام قراءة تبعية ومن ثم فهرستها لمجموعة من المشاريع المفترضة.

لذلك فيما يتعلق بالقول: “شخص ما وراسل يجب عليهم إلغاء عقوبة الإعدام، لأنّ إلغاء عقوبة الإعدام يؤدي إلى تحقيق الغايات التي يحبذونها”، ولكن من الصحيح بنفس القدر فيما يتعلق ببعض العقائيين المتشددين أنّه لا ينبغي لهم إلغاء عقوبة الإعدام، لأنّها لا تفضي إلى نهايات العين بالعين التي تعتبرها جيدة.

ويبدو أنّ هذه مشكلة، لأنّه عندما يتم القول: “شخص ما وراسل أنهم يجب أن يلغو عقوبة الإعدام” ويقول العقابي “إننا لا يجب أن نفعل ذلك”، يبدو أنّهم يتناقضون مع بعضهم البعض، ومع ذلك إذا تمت فهرسة الجهتين لرؤى مختلفة للخير فيبدو أنّهما متوافقان تمامًا.

ما أريد الوصول إليه أنّه هذا الشخص وراسل هو أنّ إلغاء عقوبة الإعدام يمكن توقعه بشكل عقلاني لتعظيم الأشياء التي تعتبر جيدة وتقليل الأشياء التي تعتبر شرًا، وما تقوله القصاصة (إذا كانت عواقبية) هو أنّ عدم إلغاء عقوبة الإعدام يمكن توقعه بشكل عقلاني، وذلك لتعظيم الأشياء التي تعتبرها جيدة (والتي تشمل العقوبة العقابية) وتقليل الأشياء التي تعتبرها شريرة (مثل القتلة لا يحصلون على عقوباتهم العادلة).

ويمكن أن تكون هذه الادعاءات صحيحة، ومن هنا تأتي نظرية راسل بمظهر زائف للتناغم الدلالي حيث يوجد في الواقع صراع وتناقض، حيث تقترح نظريته أنّ أصدقاء وأعداء عقوبة الإعدام لا يتناقضون مع بعضهم البعض، بينما من الواضح في الواقع أنّهم كذلك.

الخلاف الحقيقي ممكن فقط بين أولئك الذين اتفقوا على الغايات لكنهم اختلفوا حول الوسائل، وبالتالي إذا ادعى هتلر (في عام 1940) أنّ طائرة وفتوافا (Luftwaffe) يجب أن تقصف لندن بدلاً من مطارات سلاح الجو الملكي البريطاني.

بينما ادعى غورينغ (Goering) أنّ طائرة وفتوافا يجب أن تقصف مطارات سلاح الجو الملكي البريطاني بدلاً من قصف لندن، فسيكون الاثنان في تناقض لأنّ نهاياتهما كانت على ما يبدو، ولكن وجهات نظرهم ستكون متوافقة تمامًا مع آراء دعاة السلام الذين ادعو أنّه لا ينبغي لأحد أن يقصف أي شيء!

لقد أثار راسل نفسه الاعتراض نفسه إلى حد كبير ضد التعريفات النسبية لكل من الخير والشر في عام 1912:

“إذا كان التأكيد على أنّ (A) جيد فإنّه يعني (X) مجرد التأكيد على أنّ (A) له علاقة معينة بنفسه مثل إرضاء ذوقه بطريقة ما، أو أنّ يؤدي إلى نهاياته، و(Y) في القول بأنّ (A) ليس جيدًا، يعني مجرد إنكار أنّ (A) كانت له علاقة مماثلة بنفسه، ثم لن يكون هناك موضوع نقاش بينهما”.

ولكن كما يعتقد راسل بوضوح أنّ هناك موضوع نقاش بينهما، مما يعني أنّ القراءات النسبية لكل من (جيد) و(سيء) يجب على الأقل في بعض الأحيان أن تكون خاطئة.

مشكلة مماثلة أصابت تحليلاته اللاحقة لـ (يجب) و(الحق) نظرًا لأنّ مقتطفاتهم مفهرسة إلى غايات مختلفة، ويبدو أنّه عندما يقول النازي: “يجب علينا أن نقصف لندن” ويقول المسالم “لا يجب لأحد أن يقصف أي شيء”، فإنهم لا يتعارضون مع بعضهم البعض، على الرغم من أنها واضحة مثل ضوء النهار.

قد يرد راسل بأنّ اقتراحه لا يُقصد به أن يكون تفسيرًا لما تعنيه كلمة (صواب) و(خطأ) و(يجب) في الواقع، ولكن كاقتراح حول ما يجب أن تعنيه، ولم يكن المقصود من نظريته وصف الأحياء الفقيرة الدلالية الحالية لدينا ولكن كمخطط للإصلاح اللغوي.

قد يكون الأمر أننا في الوقت الحالي نأخذ أولئك الذين يجب أن تكون المفهرسة إلى غايات مختلفة متناقضة مع بعضهم البعض، ولكن راسل يأمل في تغيير كل ذلك.

وبالنظر إلى الاستخدام الحالي عندما يقول هتلر: “يجب علينا أن نقصف لندن” ويقول المسالم “لا أحد يجب أن يقصف أي شيء على الإطلاق”، فإنّ ذلك يتعارض فيها الادعاءان مع بعضهما البعض، ولكن بمجرد أن يتم تنفيذ إصلاحات راسل فإنّ هذا الخلاف البغيض سوف يتحول إلى عدم وجود.

المشكلة في هذا أنّ اقتراح راسل ليس جذابًا للغاية، وأحد الأشياء التي نريد القيام بها باللغة الأخلاقية هو التعبير عن خلافاتنا، ولن تتمكن كلمة (يجب) ذات الشكل الجديد لراسل من الوفاء بواحدة من أهم الوظائف اللغوية لـ (يجب) على الطراز القديم، أي للتعبير عن حقيقة أنّ الأشخاص ذوي الغايات المختلفة يختلفون وذلك كما نضعها الآن حول ما يجب القيام به.

ففي حرمان الأشخاص ذوي الأهداف والغايات المختلفة من وسائل التناقض مع بعضهم البعض، فإنّ راسل سيلحق بهم الضرر، وعلاوة على ذلك سيترك راسل مع ما وراء الأخلاق متداعية بشكل غريب.

وسيكون لديه حساب وصفي لما تعنيه كلمة (جيد) و(سيئ) واقتراح توجيهي حول ما يجب أن تعنيه كلمة (صحيح) و(خطأ) و(يجب)، فلا يوجد تناقض فعلي في هذا ولكن يبدو أنّه شاذ بعض الشيء.

فإذا كان اسم اللعبة هو تحليل المفاهيم الأخلاقية، فيبدو أنّ تحليل راسل لـ (الصواب) و(يجب) خطأ، ولكن إذا كان اسم اللعبة هو إصلاح المفاهيم الأخلاقية فلماذا لا نُخضع (الخير) و(الشر) لنفس المعاملة مما يمنحهم الموضوعية اللطيفة التي كان من الواضح أنّ راسل يفضلها؟


شارك المقالة: