يتبع عالم العنف التأمل في العبثية والانتحار عن كثب في نشر رواية الفيلسوف ألبير كامو الأولى وهي الغريب، والتي ركزت أيضًا على التجربة الفردية وتدور حول قتل بطل الرواية الأحمق لعربي على شاطئ في الجزائر العاصمة وتنتهي بإعدامه بالمقصلة.
محاربة كامو العنف:
غالبًا ما يُنسى أنّ هذا الروائي والفيلسوف العبثي كان أيضًا ناشطًا سياسيًا، وقد كان عضوًا في الفرع الجزائري للحزب الشيوعي الفرنسي في منتصف الثلاثينيات وكان منظمًا لفرقة مسرحية في الجزائر العاصمة قدمت عروضها المسرحيات السياسية، وكذلك كان صحفي صليبي من أكتوبر 1938 حتى كانون الثاني عام 1940 عمل في صحيفة الجزائر الجمهورية وصحيفة شقيقة، وفي حزيران 1939 كتب سلسلة من التقارير عن المجاعة والفقر في منطقة القبائل الجبلية الساحلية، ومن بين المقالات التفصيلية الأولى التي كتبها جزائري أوروبي تصف الظروف المعيشية البائسة للسكان الأصليين.
بعد بداية الحرب العالمية الثانية أصبح كامو رئيس تحرير المساء الجمهوري (Le Soir républicain) وعارض دخول فرنسا في الحرب، ويعد مشهد كامو ومعلمه باسكال بيا وهم يركضون جناحهم اليساري على الأرض يوميًا لأنّهم رفضوا إلحاح محاربة النازية هو أحد أكثر فترات حياته لفتًا للانتباه ولكن أقلها تعليقًا، ولسوء فهم النازية في بداية الحرب دعا إلى إجراء مفاوضات مع هتلر من شأنها أن تعكس جزئياً الإهانات الناجمة عن معاهدة فرساي.
كانت مسالمته تتماشى مع التقاليد الفرنسية العريقة، وأبلغ كامو عن الخدمة العسكرية تضامنًا مع هؤلاء الشباب مثل شقيقه الذين أصبحوا جنودًا، وكان ينوي الخدمة بإخلاص والدعوة إلى سلام تفاوضي في الثكنات، وقد غضب لأنّ مرض السل الذي أصيب به قد حرمه.
ترتبط حقائق السيرة الذاتية هذه بالتطور الفلسفي لكامو بعد أسطورة سيزيف، وبالانتقال إلى فرنسا والانخراط في مقاومة الاحتلال الألماني في رسالتين إلى صديق ألماني نُشرتا سراً في عامي 1943 و1944 فكر كامو في السؤال عما إذا كان العنف ضد المحتلين مبررًا، وتحدث عن الكراهية التي كانت لدى الفرنسيين بسبب كل الحروب، والحاجة إلى معرفة ما إذا كان لدينا الحق في قتل الرجال، وإذا سُمح لنا بزيادة البؤس المخيف في هذا العالم.
احتقارًا للحرب ومشبوهًا بالبطولة زعم أنّ الفرنسيين المحتلين دفعوا ثمناً باهظًا لهذا الانعطاف بأحكام بالسجن والإعدامات عند الفجر، مع الهروب والانفصال ومع آلام الجوع اليومية ومع الأطفال الهزالين وقبل كل شيء بإذلال كرامة الإنسان، وفقط عندما كانوا على باب الموت وبعيدًا عن الألمان فهمنا أسباب القتال، حتى نكافح من الآن فصاعدًا بضمير مرتاح وأيدي نظيفة.
كانت قوتنا الأخلاقية متجذرة في حقيقة أننا كنا نناضل من أجل العدالة والبقاء الوطني، واستمرت الرسائل اللاحقة في مقارنة الفرنسيين مع الألمان على أسس أخلاقية مستمدة مباشرة من فلسفة كامو، واقترحت الانتقال من أسطورة سيزيف إلى المتمرد، حيث إذا بدأ كلا الخصمين بشعور من العبثية العالمية، كما ادعى كامو أنّ الفرنسيين اعترف بهذا الوعي وعاش فيه بينما سعى الألمان للتغلب عليه بالسيطرة على العالم.
أدى التزام كامو المناهض للنازية وتجربته الصحفية إلى خلافة بيا في آذار 1944 كمحرر لـ (Combat)، وهي الصحيفة الرئيسية السرية لليسار غير الشيوعي، ومع ذلك بعد التحرير استمرت مسألة العنف في احتلاله سياسيًا وفلسفيًا، ويصور رمزا سنوات الحرب بالطاعون ومقاومة غير عنيفة لوباء غير مفسر.
وفي عام 1945 كان صوته أحد الأصوات القليلة التي أثيرت احتجاجًا على استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية لهزيمة اليابان، وبعد التحرير عارض عقوبة الإعدام للمتعاونين وانقلب على الماركسية والشيوعية لاحتضان الثورة، ورفض الحرب الباردة التي تلوح في الأفق وعنفها المهدد، ثم في كتاب المتمرد بدأ في توضيح فهمه الأعمق للعنف.
العنف موضوع حتمي ومستحيل:
تتخلل الفصول الختامية من كتاب المتمرد كلمات خاتمة مؤكدة، والتي نادرًا ما تتبعها عواقب لما يأتي قبلها وغالبًا ما تقدم تأكيدات أخرى دون أي دليل أو تحليل، ولقد تم ترصيعها بجمل موضوعية مؤلفة بعناية للأفكار الرئيسية، والتي يتوقع المرء أن تتبعها فقرات وصفحات وفصول من التطوير، ولكن بدلاً من ذلك يتبعون بعضهم البعض وينتظرون حتى الجملة التالية التي تم إجراؤها بشكل جيد.
كما هو الحال في كثير من الأحيان في الكتاب يجب أن يكون القارئ مستعدًا لاتباع رقصة مجردة من المفاهيم مثل (التمرد) و(الثورة) و(التاريخ) و(العدمية) وغيرها من الأدلة التي تقف بمفرده دون الرجوع إلى الفاعلين البشريين، ويصبح الأمر أكثر تعقيدًا مع اقترابنا من النهاية ويشارف النص على عدم الترابط، وكيف إذن يمكن أن يحكم فولي على كتاب المتمرد فلسفيًا باعتباره أهم كتاب لكامو؟
في هذه الصفحات يعود كامو إلى أرضية مألوفة مقارناً التدين الضمني للنظرة المستقبلية التي تدعي فهم وتعزيز منطق التاريخ، وتبرير العنف لتنفيذه مع فلسفته للحدود الأكثر تجريبية مع إحساسه بالمخاطرة الجهل المحسوب والعيش في الحاضر، ومع ذلك فإنّ الضغط ينبع من حقيقة أنّه يفعل أكثر من ذلك بكثير، وبينما يحاول أن يصل بالكتاب إلى خاتمة فإنّه يتصارع مع موضوعه الأكثر صعوبة، وهو أنّ اللجوء إلى العنف أمر حتمي ومستحيل.
المتمرد يعيش في تناقض، فلا يستطيع أن يتخلى عن إمكانية الكذب والظلم والعنف لأنّهم جزء من حالة المتمردين، وسوف يدخلون بالضرورة في النضال ضد الاضطهاد، ولذلك لا يمكنه الادعاء بشكل مطلق بعدم القتل أو الكذب دون التخلي عن تمرده وقبول الشر والقتل بشكل نهائي، بمعنى آخر عدم التمرد يعني أن تصبح شريكًا في الاضطهاد، فقد أصر كامو على أنّ التمرد سينطوي على القتل.
ومع ذلك فإنّ التمرد من حيث المبدأ هو احتجاج على الموت، كما أنّه مصدر للتضامن الذي يربط المجتمع البشري، ولقد قال إنّ الموت هو أبسط السخافات، وأنّ التمرد في الأساس هو احتجاج على العبثية، وبالتالي فإنّ قتل أي إنسان آخر حتى لو كان ظالمًا هو تشويش لتضامننا، بمعنى أنّه يتعارض مع وجودنا ذاته، ومن المستحيل إذن احتضان التمرد ورفض العنف.
ومع ذلك هناك من يتجاهل المعضلة من حيث أنّ هؤلاء هم المؤمنون بالتاريخ ورثة هيجل وماركس الذين يتخيلون وقتًا سيتوقف فيه الظلم ويكون البشر في النهاية سعداء، وبالنسبة لكامو هذا يشبه الجنة التي تتجاوز هذه الحياة التي وعدت بها الأديان، ويتحدث عن العيش من أجل والتضحية بالبشر من أجل مستقبل أفضل كما هو وبكل بساطة دين آخر.
علاوة على ذلك فإنّ عداءه الحاد يقتصر على المثقفين الذين يضعون نظريات ويبررون مثل هذه الحركات، فقبول المعضلة من قبل كامو غير قادر على توضيح كيف يمكن لثورة ناجحة أن تظل ملتزمة بمبدأ التضامن والتكافل الذي يؤكد الحياة المتمثل في التمرد الذي بدأت به، ومع ذلك فهو يقترح إجراءين إذا تم تنفيذهما وسيكونان علامة على التزام الثورة بالبقاء متمردة، وستلغي عقوبة الإعدام وتشجع حرية التعبير بدلاً من تقييدها.
بالإضافة إلى ذلك كما يشير فولي يحاول كامو التفكير في مسألة العنف السياسي على مستوى المجموعة الصغيرة والأفراد، وفي كل من كتاب المتمرد وفي مسرحياته كاليجولا والقتلة فقط يجلب كامو فلسفته للتأثير بشكل مباشر على مسألة الظروف الاستثنائية التي يمكن في ظلها اعتبار جريمة القتل السياسي مشروعة من حيث يجب أن يكون الهدف طاغية، ويجب ألّا يشمل القتل مدنيين أبرياء، ويجب أن يكون القاتل على مقربة جسدية مباشرة من الضحية، ويجب ألّا يكون هناك بديل عن القتل.
علاوة على ذلك لأنّ القاتل انتهك النظام الأخلاقي الذي يقوم عليه المجتمع البشري، يطالب كامو بأنّه يجب أن يكون مستعدًا للتضحية بحياته في المقابل، وأما إذا قبل القتل في ظروف معينة فإنّ كامو يستبعد القتل الجماعي والقتل غير المباشر وقتل المدنيين والقتل دون حاجة ملحة لإبعاد القتلة والطغاة، كما تحول هذه المطالب إلى الفكرة الأساسية لكتاب المتمرد، وهي أنّ التمرد هو تأكيد واحترام النظام الأخلاقي ويجب دعم ذلك من خلال استعداد القاتل للموت.