استندت آراء الفيلسوف جوتفريد فيلهلم لايبنيز إلى روايات الفلاسفة رينيه ديكارت وباروخ سبينوزا، وفي الواقع تقابل لايبنيز مع سبينوزا في أوائل سبعينيات القرن السابع عشر، وزاره لفترة وجيزة مع سبينوزا في عام 1676، وعلى عكس سبينوزا لم يكتب لايبنيز رواية واحدة موثوقة لنظامه الميتافيزيقي، وليس ذلك فحسب بل تغيرت آرائه الميتافيزيقية بطرق مهمة على مدار حياته، ومع ذلك من الممكن تحديد تفسير أساسي لطبيعة الجوهر يمتد عبر أعماله الوسطى إلى الأعمال اللاحقة (من الخطاب حول الميتافيزيقيا لعام 1686 وحتى مونادولوجيا 1714).
حساب لايبنيز للمواد:
المواد مستقلة وهي موضوعات نهائية:
يعتقد لايبنيز مثل ديكارت أنّ الله هو الشيء الوحيد المستقل تمامًا، وأنّ هناك بالإضافة إلى ذلك مواد مخلوقة مثل عالم منفصل ومستقل عن كل الأشياء الأخرى باستثناء الله، وثانيًا يتفق لايبنيز صراحةً مع ديكارت وسبينوزا والتقاليد في الحفاظ على أنّ المواد هي الحامل النهائي للأنماط أو الخصائص، ويكتب: “عندما تُنسب العديد من المسندات إلى موضوع واحد ولا يُنسب هذا الموضوع إلى غيره، ويطلق عليه مادة فردية”.
المواد هي الوحدات:
أن تكون وحدة للايبنيز هو أن تكون بسيطًا وبدون أجزاء، وبالتالي فإنّ المكونات النهائية للواقع ليست كائنات مركبة أو مجمعة، وكون المواد بسيطة لها عواقب كبيرة ميتافيزيقية، حيث يستنتج لايبنيز في مبادئ الطبيعة والنعمة وفي أي مكان آخر أنّه بما أنّ الأحاديات لا تحتوي على أجزاء فلا يمكن تشكيلها أو تدميرها
كما لا يمكن أن تبدأ ولا تنتهي بشكل طبيعي وبالتالي فهي تدوم ما دام الكون، ويأتي الكائن ليكون بشكل طبيعي فقط كنتيجة لتكوين، ويتم تدمير الكيان بشكل طبيعي فقط من خلال الحل أو الفساد، وبالتالي فإنّ الكيانات المركبة فقط هي التي يمكن توليدها أو تدميرها بشكل طبيعي، ويؤكد لايبنيز مع ذلك أنّ وحدة المواد والبساطة الناتجة عنها تتوافق تمامًا مع امتلاك وتغييرات في الأنماط أو الخصائص.
المواد نشطة:
إنّ القول بأنّ المادة نشطة لا يعني فقط أنّها فعالة سببيًا، بل إنّها المصدر النهائي (المخلوق) لأفعالها، وهكذا يكتب: “لكل مادة عفوية تامة وأنّ كل ما يحدث لها هو نتيجة لفكرتها أو لوجودها، ولا شيء يحددها إلّا الله وحده”، فالمواد بمعنى ما لها تاريخها الكامل مكتوب في طبيعتها، ويتكشف تاريخ كل مادة على التوالي وكل حالة تتبع سببيًا للحالة السابقة وفقًا للقوانين.
ويترتب على ذلك أنّه إذا كانت لدينا معرفة كاملة بحالة المادة في وقت ما وقوانين الخلافة السببية، فيمكننا أن نتنبأ بالحياة الكاملة للمادة، وكما أوضح لايبنيز النقطة بأناقة في مبادئ الطبيعة والنعمة: “الحاضر يحمل المستقبل، ويمكن قراءة المستقبل في الماضي، ويتم التعبير عن البعد في القريب”.
المواد معزولة سببيًا:
مثل سبينوزا يعتقد لايبنيز أنّ المواد فعالة سببيًا، وأنّ فعاليتها لا تمتد إلى مواد أخرى، وبعبارة أخرى على الرغم من وجود سبب داخلي جوهري (بقدر ما تسبب المواد حالاتها الخاصة) لا يوجد سبب بين الجوهر، ويقدم لايبنيز عددًا من الحجج المختلفة لهذا الادعاء، وفي بعض المناسبات يجادل بأنّ العزلة السببية تنبع من طبيعة الجوهر، وإذا كان من الممكن أن تكون حالة مادة ما هي التأثير السببي لبعض المواد الأخرى فإنّ عفوية المادة واستقلاليتها ستكون عرضة للخطر.
في مكان آخر يجادل بأنّ السببية بين الجوهر مستحيل بحد ذاتها، مدعيًا أنّ الطريقة الوحيدة التي قد تسبب بها مادة ما مادة أخرى هي من خلال النقل الفعلي للحوادث أو الخصائص، وهكذا كتب لايبنيز مقولته الشهيرة: “أنّ المواد ليس لها نوافذ يمكن من خلالها دخول شيء ما أو الخروج منه، ولا يمكن فصل الحوادث ولا يمكن أن تحدث خارج المواد”.
ما هي المواد الموجودة؟
على الرغم من أنّ لايبنيز يتفق مع ديكارت في أنّ الله هو مادة لا نهائية خلقت العالم المحدود وتحافظ عليه، إلّا أنّه يختلف حول المكونات الأساسية لهذا العالم، وبالنسبة إلى ديكارت هناك نوعان أساسيان من الجوهر المحدود وهما مواد التفكير أو العقول والمواد أو الأجسام الممتدة، ولكن لايبنيز لا يوافق، فوفقًا للايبنيز (وهذا واضح بشكل خاص في الأعمال اللاحقة) لا توجد مواد ممتدة، ولا شيء ممتد يمكن أن يكون مادة لأنّ لا شيء ممتد هو وحدة، وأن يتم تمديده يجب تقسيمه فعليًا إلى أجزاء وفقًا لايبنيز وبالتالي يكون مجموعًا.
المواد النهائية التي تم إنشاؤها بالنسبة إلى لايبنيز تشبه إلى حد كبير مواد التفكير الديكارتية، وفي الواقع يشير لايبنيز إلى المواد البسيطة باسم (العقول) أو (الأرواح)، ويمكن أن يكون هذا المصطلح محيرًا، ومن المهم أن يكون واضحًا أنّه باستخدام هذه المصطلحات لا يدعي لايبنيز أنّ جميع المواد البسيطة هي وعي بشري فردي (على الرغم من أنّ الوعي البشري عبارة عن مواد بسيطة للايبنيز)، وبدلاً من ذلك هناك مجموعة كاملة من المواد البسيطة التي تعتبر عقول البشر مثالاً معقدًا لها بشكل خاص.
وهكذا تركنا مع الصورة التالية للواقع، فالله موجود وهو مسؤول عن خلق كل شيء آخر والمحافظة عليه باستمرار، والمكونات النهائية للواقع هي الأحاديات التي هي عقول غير قابلة للتجزئة وغير ممتدة أو مواد شبيهة بالعقل، على الرغم من أنّ الأحاديات معزولة سببيًا إلّا أنّها تتمتع بخصائص أو صفات تتغير باستمرار وهذه التغييرات تمليها طبيعة الموناد نفسها.
ما هو الخطأ في الكائنات المركبة؟
يعتقد لايبنيز أنّ الكائنات المركبة مستبعدة كمواد محتملة لعدد من الأسباب ومنها:
1- لا يوجد مركب (أو يمكن أن يكون) وحدة لأنّه وفقًا للايبنيز لا توجد طريقة يمكن من خلالها توحيد كيانين أو أكثر في كيان واحد، وإنّه يوضح هذا الادعاء بشكل مشهور من خلال مناشدة ماسين، وبشكل عام لا توجد علاقة بين كيانين أو أكثر يمكن أن توحدهم في كائن واحد.
2- المشكلة الثانية وربما الأعمق مع المواد المركبة هي أنّه وفقًا لايبنيز لا يمكن أن تكون موضوعات نهائية، ويكتب لايبنيز في الرسائل إلى أرنولد أنّه: “يبدو أيضًا أنّ ما يشكل جوهر الكائن بالتجميع هو فقط نمط من الأشياء التي يتكون منها، على سبيل المثال ما يشكل جوهر الجيش هو فقط نمط من الرجال الذين يؤلفونه”.
يدّعي لايبنيز أنّه لا يوجد مجموع مادة لأنّ المجاميع هي أوضاع أو حالات من أجزائها ولا يوجد وضع هو موضوع نهائي، ولكن هذا يتركنا مع سؤال: لماذا يعتقد ليبنيز أنّ المجاميع هي مجرد أوضاع أو حالات لأجزائها؟
في كتابه المؤثر (R.C. Sleigh) يوضح أنّ أسباب للتفكير في المجاميع هي أنماط، وهي أنّ المجاميع يمكن الاستغناء عنها من الناحية المعنوية والوجودية، أي أنّ كل ما ينطبق على التجميع يمكن التعبير عنه من خلال إسناد أنماط مختلفة إلى الأجزاء، وكل ذلك دون اللجوء إلى التجميع نفسه، ويخبرنا هذا أنّ جميع أوضاع التجميع المزعومة هي في الواقع أنماط للأجزاء وبالتالي فإنّ التجميع ليس موضوعًا نهائيًا، وبالنظر إلى مادة أو نمط الوجود، فإنّه يترتب على ذلك أنّه بقدر وجود المجاميع ويجب أن تكون أنماطًا.