فلسفة ميل النظرية بمعنى هام دائرية وذاتية الدعم، ومن الملاحظ أنّ ميل يرى الاستقراء العددي، الطريقة الوحيدة للاستدلال النظري المبرر على أنّه التحقق الذاتي والتحسين الذاتي، فنحن نتخذ تلقائيًا بعض التحركات الاستقرائية الأولية لتبريرها، ويؤدي الفحص الذاتي للاستقراء بعد ذلك إلى زيادة الثقة في أنّ الاستقراء طريقة مبررة للتفكير في العالم وإلى صقل عام لطريقة التفكير هذه، وكان من الممكن أن يكون الاستقراء تقويضًا للذات، حيث نجاحه كشكل من أشكال التفكير حول العالم والذي تم تأسيسه وفقًا لشروطه الخاصة وليس بالأمر الهين.
فلسفة ميل لنظرية العقل:
على نطاق أوسع ومع ذلك فإنّ نظرة ميل النظرية للعقل والعالم هي ككل دائرية وداعمة ذاتيا، وإنّ الصورة الطبيعية لميل للعلاقة بين العقل والعالم للعقل كجزء من النظام الطبيعي وغير قادر على المعرفة بداهة، يجب أن تُعامل نفسها على أنّها اكتشاف جوهري، وعلى هذا النحو لا يمكن الوصول إليها إلّا من خلال الاستدلال الاستقرائي، بحيث يتيح لنا البحث الاستقرائي أن نفهم بشكل أفضل أنّ العقل نفسه محكوم بالقوانين الطبيعية.
وكذلك أن نفهم بشكل أفضل عمليات الإدراك الحسي التي تسمح لنا بأن نكون متقبلين سببيًا للعالم، فعناصر علم النفس النقابي لميل قد تبدو وكأنّها عفا عليها الزمن، ولكن هذا لا يغير النقطة الأساسية بأنّ الدراسة الطبيعية للعقل كانت ناجحة بشكل كبير في توفير فهم أفضل لكيفية تعاملنا مع العالم الذي نشغله، وتوضح هذه الاكتشافات وتقوي إحساسنا لماذا تكون المعرفة المسبقة مستحيلة في المقام الأول ، ولماذا يكون التحقيق التجريبي ضروريًا لأي معرفة حقيقية.
والرأي القائل بأنّ تصاميم ومخططات ميل غنية بالإمكانيات، بحيث لديها اتساع كافٍ لتعهد بوسائل ناجحة لتوجيه أنفسنا نظريًا في العالم، والقضية بالطبع هي ما إذا كانت الطبيعية هي وجهة النظر الوحيدة الممكنة، وبالنظر إلى أنّ فلسفة ميل النظرية مثيرة للإعجاب على أساس تقديم طريقة منهجية ومتماسكة للتفكير حول العالم وتاريخ ارتباطنا النظري به.
فلسفة ميل النظرية والمثالية:
ويبقى السؤال ما إذا كان هذا التماسك والنظام المنظم هو أي ضمان للحقيقة؟ ويجب أن يبقى السؤال ما إذا كانت هناك طرق غير طبيعية جيدة للتفكير في العالم ومكاننا فيه؟ ولأنّ المذهب الطبيعي هو عقيدة جوهرية فهذه إمكانية يجب أن يظل ميل منفتحًا عليها.
ولا يزال السؤال الأكثر إلحاحًا هو ما إذا كانت صورة ميل متماسكة حقًا؟ حيث إنّ نهج ميل الطبيعي يدفعه من خلال استقرائه وتأييده لنسبية المعرفة نحو المثالية، وفي النهاية يرى أنّ الأشياء الوحيدة التي يمكن أن نضمن تصديقها هي الاحتمالات الدائمة للإحساس، ولكن هذه الأشياء ليست على الأقل ليس من الواضح كيانات طبيعية.
لم يكن ميل واضحًا تمامًا بشأن حالة الاحتمالات الدائمة للإحساس بقدر ما تكون أشياء مثالية، فقد نشك في وضعها ككيانات طبيعية، وكلما تم تجسيد هذه الكيانات فيما يتعلق بالأحاسيس الفعلية كان من غير المعقول وصف الاستدلال من الإحساس إلى إمكانية الإحساس بأنّه استقرائي، وما إذا كانت طبيعية ميل متوافقة مع مثاليته هو سؤال مفتوح إلى حد كبير.
ثم يأتي القلق من اتجاهات متعددة، وربما كان الأمر الأكثر وضوحًا هو أنّه يدعو إلى التساؤل عن الواقعية التي يؤيدها ميل في فلسفة العلم، ويبدو أنّ ادعاء ميل بأنّ عملية العلم تنطوي على إيجاد البنية الموجودة بالفعل في الطبيعة يتعارض على الأقل مع الادعاء بأنّ كل المعرفة هي ظاهرة ونسبيّة.
وبشكل أكثر دقة يبدو أنّ المفهوم الأساسي لميل للعلاقة بين العقل والعالم يبدو أيضًا وكأنه يمثل تحديًا، ويدعي ميل أنّ المعرفة المسبقة مستحيلة لأننا لا نستطيع أن نعرف أنّ عالم الفكر وعالم الواقع العالم الصغير والعالم الكبير (كما كان يُطلق عليهما سابقًا) يجب تأطيره في مراسلات كاملة مع بعضهما البعض.
ولكن إذا كان العالم مثاليًا بشكل أساسي، حيث إذا كان عالمنا كما يزعم ميل هو العالم المشروط بحواسنا الوسيطة لأننا لا نستطيع معرفته وتمثيله بأي طريقة أخرى، فقد نتساءل لماذا التناغم الأساسي بين العمارة للعقل والعالم لا ينبغي أن يؤخذ على أنّه معطى، وأنّ المعرفة المسبقة ليست ممكنة، وفي الواقع فإنّ ادعاء ميل بأنّ الإدراك يجب أن يتم التوسط فيه بطريقة ما من الإدراك، أي أنّ أي مخلوق يجب أن يدركه بهذه الطريقة بحيث يبدو بحد ذاته أمرًا بديهيًا وغير قابل للريبة.
تظهر هذه المشاكل لأنّ الأولوية بين العقل والعالم في عمل ميل غير واضحة بحيث يُنظر إلى العقل على أنّه شرط لتمثيل العالم الوحيد الذي نواجهه على الإطلاق وكموضوع طبيعي داخل العالم، يظهر الأول في المقدمة فقط في أكثر اللحظات الفلسفية لميل، والأخير موجود خلال توصيف ميل للتفكير العلمي والعادي.
أحد الخيارات لحل هذا التوتر بالطبع هو اتباع كانط في التمييز بين المستويات المتعالية والتجريبية من التفكير، حيث والآخر هو اتباع المثاليين لما بعد كانط في محاولة الاتحاد والتغلب على مثل هذه المعارضات أينما حدثت، ومع ذلك لم يعمل ميل أبدًا من خلال الضغوط الداخلية لمنصبه بصرامة كافية ليشعر بالدفع داخل المذهب الطبيعي نحو هذه المواقف.