فلسفة ميل في الحرية وحرية الكلام

اقرأ في هذا المقال


إنّ تحول المجتمع من الأرستقراطية إلى الأشكال الديمقراطية المتزايدة للتنظيم جلب معه فرصًا ولكنها تمثل أيضًا مخاطر، حيث كان يعني حكمًا من قبل كتلة اجتماعية كانت أكثر قوة وتوحيدًا وانتشارًا في كل مكان من الملوك في العصور السابقة.

فلسفة ميل في مناهضة الاستبداد:

وقد اعتبر ميل أنّ هيمنة الأغلبية قدمت تهديدات جديدة بالاستبداد على الفرد لم تكن الحرية أقل عرضة للخطر من قبل الكثيرين الذين تم تمكينهم حديثًا بل من ملك استبدادي، وتضمنت القيود المفروضة على الحرية التي اهتم بها ميل بالتأكيد قيودًا تشريعية تم سنها على الحرية لكنها أيضًا أخذت في نطاق أوسع من الإكراه والسيطرة سواء كانت الوسائل المستخدمة هي القوة المادية في شكل عقوبات قانونية أو الإكراه الأخلاقي للرأي العام.
ويمكن أن تكون الآليات غير الرسمية للضغط الاجتماعي والتوقعات في المجتمعات الديمقراطية الجماعية المسيطرة بالكامل، وكان ميل قلقًا من أنّ ممارسة مثل هذه السلطات قد تؤدي إلى خنق التوافق في الفكر والشخصية والعمل.

في هذا السياق تمت كتابة في عمل ميل الفلسفي حول الحرية (On Liberty) والذي يعلن فيه الهدف من الحجة في الفصل الأول:

“الهدف من هذا المقال هو تأكيد مبدأ واحد بسيط للغاية، وهذا المبدأ هو أنّ الغاية الوحيدة التي يُبرر للبشرية بشكل فردي أو جماعي، وفي التدخل في حرية عمل أي عدد منهم هي حماية الذات”.

كما هو الحال مع كل فلسفة ميل العملية فإنّ حجة هذا الادعاء نفعية:

“من المناسب أن أذكر أنني أتخلى عن أي ميزة يمكن أن تنبثق عن حجتي من فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة“.

فلسفة ميل في علاقة الحرية بازدهار البشرية:

لا يمكن أن يكون معروفًا مسبقًا أنّه يجب علينا تنظيم المجتمع وفقًا للمبادئ الليبرالية، وفي الواقع اعتبر ميل أنّ شروط الحرية مرغوبة فقط في المجتمعات المتحضرة: “حتى ذلك الحين لا يوجد شيء بالنسبة لهم سوى الطاعة الضمنية لأكبر(Akbar) أو لشارلمان (Charlemagne)، وإذا كانوا محظوظين جدًا للعثور على واحد.”، وإنّ حجة ميل من أجل الحرية بهذا المعنى تستند إلى ملاحظة حول الظروف التي في ظلها يزدهر البشر ويسعدون.

إنّ ادعاء ميل بأنّ حول الحرية يقدم مبدأ واحدًا بسيطًا جدًا وهو نوع من كتاب نصي فلسفي لحقيقة واحدة وربما يتناقض مع حقيقة أنّ هناك العديد من الحجج والاستنتاجات المتميزة المستخلصة في النص، ويستخدم ميل استراتيجيات مختلفة للدفاع عن حرية الفكر والمناقشة وحرية الشخصية وحرية التصرف، وبالرغم من تداخل هذه الحجج بالطبع إلّا أنّه يجب عدم انتقاءها بعناية إذا أردنا تقدير نقاط قوتها وضعفها.

فلسفة ميل في تقييد الحرية للأفراد:

تم تقديم حجة ميل لحرية الفكر والمناقشة في الفصل الثاني من حول الحرية وفيها يهدف إلى إظهار أنّه لا ينبغي أن تكون هناك محاولة للتحكم في التعبير عن الرأي، ويأخذ الفصل شكل الإثبات من استنفاد القضايا، ويدعي ميل أنّه بالنسبة لأي رأي P يكون مرشحًا للقمع يجب أن يكون P إما:

  • صحيحًا.
  • خطأ.
  • صحيحًا جزئيًا.

أيًا كانت الحالة كما يجادل ميل فإنّ تأكيد P سيكون مفيدًا لاكتشاف الحقيقة والحفاظ عليها وبالتالي يجب أن يكون موضع ترحيب.

ويتم قمع المعتقدات الحقيقية بشكل عام لأنّه على الرغم من صحتها يُعتقد أنّها خاطئة، ويجادل ميل بأنّ الافتراض أنّه نظرًا لاعتقاد المرء بأنّ وجهة نظر ما خاطئة يجب قمعه، وكما يقول ميل يعني افتراض عصمة معتقدات المرء، ولكن البشر ليسوا مخلوقات قادرة على المعرفة المعصومة، حيث قادته التجريبية إلى الاعتقاد بأنّه ليس لدينا رؤية مسبقة مباشرة للحقيقة، وأنّ جميع معتقداتنا يجب أن تظل مفتوحة للمراجعة في ضوء المزيد من الملاحظة.

وعلى هذا النحو يجب أن تظل المناقشة مفتوحة، حتى بشأن القضايا التي نعتقد أنّها راسخة بشكل آمن، وقد يُقال كما يلاحظ أنّه يجب قمع بعض المعتقدات الحقيقية لأنّها على الرغم من صحتها يُعتقد أنّها ضارة، ولكن القول بأننا يجب أن نقمع وجهة نظر ما لأنّها ضارة سوف تعني إما افتراض العصمة عن الخطأ في حالتها باعتبارها ضارة، أو السماح بالنقاش حول هذه المسألة والتي بدورها يجب أن تتضمن مناقشة حول القضية الموضوعية نفسها، والآراء التي تنتمي إلى الحالة رقم (1) أي صحيحة فلا ينبغي أن يتم قمعها.

ويرى ميل أنّه حتى عندما يكون الاعتقاد خاطئًا فقد يظل تأكيده مفيدًا لتأمين الحقيقة وعلى هذا النحو لا ينبغي قمع الآراء التي تنتمي إلى الحالة رقم (2) والتي تحمل الخطأ، ويؤدي تأكيد الآراء الخاطئة إلى الجدل والذي يؤدي بدوره إلى فهم أكبر، وبدون الدفاع الفعال عن الحقيقة فإننا نجازف بفقدان الإحساس بمعناها الحقيقي مع اختزال المعرفة الحقيقية في عبارات يتم الاحتفاظ بها عن ظهر، ولذلك فإنّ الاستماع إلى الحجج المضادة للحقيقة لا يقل أهمية عن إعادة صياغتها.

وعلى الرغم من أنّ الشخص الذي لديه رأي قوي قد يعترف عن غير قصد باحتمال أن يكون رأيه خاطئًا فيجب أن يتأثر بالاعتبار الذي قد يكون صحيحًا، وإذا لم يتم مناقشته بشكل كامل ومتكرر وبلا خوف فسيكون كذلك، وتم اعتباره عقيدة ميتة وليس حقيقة حية.

“هناك حالة مشتركة أكثر من أي منهما، حيث عندما تكون المذاهب المتضاربة بدلاً من أن تكون واحدة صحيحة والآخر خاطئة تشارك الحق بينهما”.

مثل هذه الحالات تشكل حالة رقم (3) أي صحيحة جزئيًا، ففي الأمور المعقدة خاصة في ما يتعلق بسياسة الأخلاق تكون الحقيقة متعددة الجوانب، بحيث تحتوي معظم الآراء المدروسة جيدًا سواء كانت محافظة أو ليبرالية حول مثل هذه الأمور على جزء من الحقيقة، ونادرًا ما يكون الأفراد في وضع يمكنهم من رؤية الحقيقة الكاملة بأنفسهم، والطريقة الوحيدة لظهورها هي من خلال التوفيق والجمع بين الأضداد.

ويعتبر ميل الحالات الثلاث شاملة، بمعنى بغض النظر عن حالة الرأي من حيث الحقيقة فإنّ قمعه سيكون ضارًا، وإنّ تركيز الحجة على الحقيقة بالطبع يحد من نطاق الحجة، وعلى الرغم من أنّه قد تكون هناك حجج تثبت أنّ أشكال الاتصال التي لا تهدف إلى الحقيقة كهدف الشعر والفن والموسيقى يجب أن تكون خالية من التدخل فهذه ليست موجودة في الفصل الثاني ولكن فيما بعد في العمل الفلسفي حول الحرية.


شارك المقالة: