فن التوقيعات في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تعتبر التوقيعات من الإبداع الأدبي في النثر المشرقي، وتعلقت نشأتها بالكتابة وتطور الذي حصل لها، والتوقيع جملة ذات بلاغة مختصرة فيها إقناع ويدونها السلطان أو ولاة الأمر على ما يرد من رسائل وَقضايا وشكاوى، وتعددت أشكال التوقيعات فكان منها آيات من القرآن، والشعر والأمثال والحكم والأقوال المتداولة والمتعارف عليها بين الناس، وفي هذا المقال سنتناول التوقيعات في العصر الأموي وأبرز التوقيعات في هذا العصر.

التعريف بالتوقيعات لغة واصطلاحا

لغة: أُخذ التوقيع من الجذر الثلاثي وَقَعَ، وقَع على الغرض ومنه يَقعُ وَقْعاً سقط، ووقَعَ الغرض من قبضتي، وأوقعه بديله ووقَعْتُ من كذا، ووَقَع الغيث بالأرض، ويدل على عمل السيف” وَقْعُ السيف ووَقعتُه نزوله بالضرب، وأيضاً تعني الوجوب والإلزام كما قوله سبحانه وتعالى” وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابةً”

وأما التوقيع اصطلاحاً فيقول ابن خلدون في مفهوم التوقيع اصطلاحاً ما يلي: “ومن خطط الكتابة التوقيع، وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجالس حكمه وفصله، ويُوقَّعُ إليه أحكامها والفصل فيها، متلقاه من السلطان بأوجز لفظ وأبلغه، فإما أن تصدر كذلك ، وإما أن يحذُ الكاتب على مثالها في سجل يكون بيد صاحب القصة، ويحتاج الموقَّع إلى عارضة من البلاغة يستقيم بها توقيعه”.

يُفهم من تعريف ابن خلدون لِفن التوقيع أنه شيء يخصّ الملوك والخلفاء والوزراء وولاة الأمر، ويشترط فيه الاختصار ودقة البلاغة، ويجب أن يتوفر بالشخص المُوقع أن يكون على قدرة عالية من البلاغة.

وكما وضحه أحمد أمين وهو من المحدثين حيث قال عنه أنه: “عبارة عن رأي أو تعليق أو تعقيب، يكتبه الحاكم نفسه أو يمليه إملاء، وهذا هو الغالب على كاتب الديوان تعليقاً على ما يعرض عليه من شؤون الدولة ومن شكاوى ومظالم، أو أخبار أو بريد  وارد لتوه من الولاة في مختلف أنحاء البلاد”.

نظرة تاريخية لفن التوقيعات

إن التوقيع لم يكن معلوم ومتداول في الجاهلية؛ ويرجع سبب هذا إلى انتشار الأمية في ذلك الزمن، فلم تظهر التوقيعات آنذاك إلا توقيعات قليلة، وكان يغلب عليها سمة الشفاهية، حيث كانت تنقل شفهياً بين الناس في تلك الفترة.

ومع توسع الإسلام لم تكن التوقيعات منتشرة في أول العصر؛ ويرجع سبب ذلك إلى أن الإسلام لم يكن جهرًا في البداية، ولم تخضع ولايات ودول تحت الحكم الإسلامي آنذاك حتى يكون هناك تبادل للرسائل والخطابات بيتها وبين مراكز الدولة الإسلامية، وأيضاً لم تكن منتشرة آنذاك، ولكن بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وكثرة الولايات والدول التي أصبحت تحت راية الإسلامية، أصبح هناك تبادل لِرسائل والكتب بين ولاة والخلفاء بشكل كبير.

وفي الفترة الأموية توسع استخدام التوقيعات وانتشرت بشكل واسع حيث كان الملوك يستخدمونه هم وولاة أمورهم وأعمالهم مثل الحجاج، وفي الفترة العباسية توسع استخدام التوقيعات ولم يعد مقتصراً على الملوك والولاة، إنما انتشر بين عامة الشعب، وَأصبحوا يتسابقون على الحصول على توقيعات الشخصيات المهمة والبارزة في الدولة، وقيل عن ذلك أن الرعية كانت نتسابق في جميع التوقيعات جعفر حيث يتم نسخها وتعلم من بلاغتها.

فن التوقيعات الأدبية وعناصر الخطاب

1- السلطان: أو الخليفة الذي يوقّع وهذا يؤثر على نمط التوقيع من الجهة اللغوية فَيظهر في قوة المُوقّع ومركزه في الدولة.

2- الملتقي: هو الذي يتم التوقيع له وقد يكون من الولاة أو عامل أو من الرعية.

3- الوسيلة: هي الورقة أو الشيء التي جاءت فيه رسالة الموقع له، وتوقيع المسؤول أو الخليفة عليها يُوجب ارتباطها بالسياق وعدم انفصالها عنه. 

4- السياق: وهو الذي يشرح سبب التوقيع وهو النص المدرج في الرسالة سواء أكان طلباً أو رد مظلمة أو شكوى وما شابه ذلك.

سمة الإيجاز في فن التوقيعات الأدبية

1- ارتباط وتعلق التوقيع بحكاية سابقة، وهذه الحكاية كافية لتوضيح الأحكام والمعنى المقصود في التوقيع.

2- ضيق مكان التوقيعات: حيث أنه لا يكون في رسالة مستقلة وإنما يدرج في الرسالة التي وصلت إلى الخليفة وبعدها يقوم الخليفة بالرد على أي مكان فارغ في نفس الرسالة وتكون في العادة ضيقة لا تتسع لِتوسع في الكلام.

3- ضيق وقت الخليفة وانشغاله بكثرة المسؤوليات: فهو يصدر من الخليفة منشغل بالمسؤوليات فلا يوجد لديه وقت كافٍ لشرح أو الإطالة.

4- إبراز الدقة والتفنن في الوصف القوي: حيث يكون محمل بمعاني كثيرة من خلال مفردات قليلة.

5- سرعة الإنجاز في الأمور المستعجلة: وهذا الشيء هو من أهم الأهداف المنشودة من التوقيعات.

فن التوقيعات في العصر الأموي

انتشر أدب التوقيعات في هذا العصر بعد أن قل وندر في عهد الخلافة الراشدة، حيث أنه كان لكل خليفة من خلفاء بني أمية العديد من التوقيعات الخاصة به، ومثال على هذه التوقيعات في هذا العصر توقيعات معاوية بن أبي سفيان ومنها توقيعه: ” بيتُ أميَّة في الجاهلية أشرفُ من بيت حبيبِ في الإسلام، فَانت تراه.”

وكانت التوقيعات في هذا العصر مرتبطة وممتدة لِتوقيعات في الإسلام، وكان الخلفاء يتبعون نمط الاختصار في حديثهم وكانوا يستخدمون ألفاظ موجزة ومناسبة ومعبرة، حيث كانوا يدرجون ملاحظاتهم على الرسائل باختصار بليغ بكلمات معبرة التي تؤدي المعنى المقصود والغاية المطلوبة من التوقيعات. ومن الأمثلة على توقيعات الحكام الأمويين ما يلي:

ما وقعه عبدالله بن عامر: “عش رجبا تر عجبا” وأيضاً توقيع عمر بن عبد العزيز يرد فيه على عامل حمص عندما أخبره أنه يحتاج إلى حصن منيع فَوقع: “حصنها بالعدل والسلام”، وتوقيع عمر بن عبد العزيز في حكاية متظلم: “العدل أمامك “وكما وقّع في قضية رجل محبوس: “تب تطلق” وكذلك توقيعه لرجل رفع شكوى في أهل بيته: ” إنما في الحق سيان”، وتوقيع هشام بن عبد الملك في قصة متظلم: “أتاك الغوث إن كنت صادقاً، وحل بك النكال إن كنت كاذباً، فَتقدم أو تأخر”.

الخصائص الفنية لأدب التوقيعات

1- السجع: هي أكثر المحسنات البديعية شيوعاً في التوقيعات، وتعلق العرب بالسجع بشكل كبير، وهو مكون هام من مكونات البلاغة.

2- الإيجاز: حيث تميزت التوقيعات بالاختصار واحتواها مفردات قليلة، لكنها تحمل معاني وتعابير متعددة.

3- ملائمة التوقيعات للقضية المدرجة في الرسالة. 

4- الإقناع، حيث يتبعه الإنصات والانصياع لما في الرسالة من أوامر.

وفي النهاية نستنتج أن التوقيعات في العصر الأموي كان امتداد للتوقيعات في عصر الخلافة الراشدة، وكان لكل خليفة أموي مجموعة من التوقيعات الخاصة به يدرجها في رسائله وكتاباته، ومن أشهرهم معاوية بن أبي سفيان وكذلك عمر بن عبد العزيز وغيرهم من الخلفاء.


شارك المقالة: