قصة أسطورة مافوميرا

اقرأ في هذا المقال


تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول مجموعة من الأصدقاء الذين هموا بقطع أشجار غابة ثمينة، ويوماً بعد يوم بدأ يستوطنهم الطمع والجشع إلى أن أعمى أبصارهم وحاولوا قطع الأشجار بأكملها، إلّا أن الروح التي تسكن تلك الأشجار وتحميها قامت بتلقينهم درساً لن ينسوه طوال حياتهم.

الشخصيات

  • الرجل العجوز أدوا
  • أصدقاء أدوا

قصة أسطورة مافوميرا

في أعماق إحدى الغابات كانت تعيش أطول الأشجار والتي تمد أغصانها السميكة المليئة بالأوراق إلى السماء الزرقاء وتعطي الأكسجين لكافة سكان القرى المجاورة، إذ كانت جذوع تلك الأشجار واسعة جدًا، ويعرف هذا النوع من الأشجار العظيمة باسم أشجار مافوميرا، وفي فترة من الفترات كان هناك العديد من القصص التي تدعي أن تلك الأشجار تمتلك روحًا تحمي الغابة، وقد روى أحد سكان تلك القرى المجاورة ويدعى أدوا وهو رجل عجوز إحدى هذه القصص.

حيث قال: في يوم من الأيام منذ وقت طويل جدًا حينما كنت في مرحلة الشباب قررت أنا واثنان من أصدقائي أن نجني الأموال من خلال قطع تلك الأشجار في الغابة وبيع خشبها للمزارعين والبنائين المحليين، وبالفعل بنى هؤلاء الأصدقاء الثلاثة كوخ صغير في الغابة وانطلقوا ذات صباح لقطع شجرتهم الأولى، وقد وفرت واحدة فقط من تلك الأشجار ما يكفي من الخشب للرجال الثلاثة لكسب العيش الكريم لمدة شهر بأكمله، وفي تلك الأثناء كان المزارعون سعداء وكذلك البناة في المنطقة بتوفير هذا النوع من الأخشاب لهم، وكل شجرة قطعوها زرعوا الأصدقاء الثلاثة مكانها شجرتين صغيرتين من أجل أن تنمو يومًا ما وتصبح شجرة مافوميرا القوية.

وحول ذلك أشار أداو أن تلك الطريقة التي كان يحافظ بها على الغابة هو وأصدقائه، وفي كل مرة كان يغرس بها شجرة صغيرة جديدة يقول وهو تعتريه الابتسامة: وإذا اعتنينا بالغابة فإن الغابة ستعتني بنا، وفي تلك المرحلة كان كل من أدوا وأصدقاؤه سعداء في الغابة، لقد أحبوا كهفهم البسيط واستمتعوا بعملهم، وفي كل شهر كانوا يقطعون شجرة واحدة فقط من تلك الأشجار وحرصوا دائمًا على زراعة شتلات صغيرة من أجل إظهار الاحترام للغابة، ولكن في أحد الأيام بدأت الأمور تتغير، إذ بدأ أصدقاء أدوا ينظرون إلى الأشجار بطريقة مختلفة، وذات يوم سأل أحدهم: لماذا نقطع شجرة واحدة فقط كل شهر بينما يمكن أن نقطع أكثر بكثير؟ فأجابه الآخر: يمكننا كسب قدر كبير من المال إذا قطعنا المزيد من الأشجار.

وحينما سمع أدوا ذلك حزن جدًا لسماع أصدقائه يتحدثون بهذه الطريقة؛ وذلك لأنه يحترم الغابة ولا يريد قطع الأشجار أكثر مما يحتاجون، وحاول أن ينأ بهم عن فعل ذلك، ولكن أصدقائه لم يستمعوا له وجمعوا مدخراتهم واشتروا جرارًا كبيرًا والمزيد من معدات القطع وانطلقوا نحو الغابة، وهناك بدأوا في قطع الأشجار واحدة تلو الأخرى وبدأت الجذوع العظيمة بالتساقط على الأرض واحدة تلو الآخر، وحينما امتلأت الغابة بجذوع تلك الأشجار، كان قلب أداو يمتلئ بالحزن، وسألهم: لماذا تفعلون هكذا يا أصدقائي؟ يجب أن نحترم الغابة ولا نتعامل معها بهذه الطريقة، لكن الصديقين لم يستمعوا لحديثه، وبدلاً من ذلك قاموا بتقطيع الأشجار وتجريدها ووضعها على الجرار واحدة تلو الأخرى، كل ما كان يفكروا به هو جمع المال ولم يعد يهتموا بالغابة.

وبعد فترة وجيزة أصبح الصديقان ماهرين للغاية في تقطيع الأشجار القوية، بينما أدوا لم يتمكن من استبدال الأشجار المتساقطة بما يكفي من الشتلات، كان يعلم أن ما يفعله أصدقاؤه كان خطأ، لكنه لم يتمكن من إيقافهم؛ وذلك لأنه حينها كان الجشع أعماهم، مما جعله يشعر أنه كان وحيدًا في سعيه لمنع تدمير الغابة وأصبح في حالة إحباط فضيعة، ولكن في تلك الأثناء لم يكن وحده، بل كانت روح الأشجار تراقب وتستمع، وكانت الروح تشعر بحالة غضب لم يسبق وأن شعرت بها؛ لأن الأشجار تم قطعها بطريقة غير محترمة.

وفي إحدى الليالي بينما كان أدوا مستيقظًا في سريره في الكوخ، سمع الأشجار القوية تتحرك في الغابة، حينها كان متأكدًا من أنه شعر بحضور غريب في كل مكان يهب مع هواء النسيم وتخرج كلمات تهمس في الليل وتقول: لا يجوز لك معاملة الغابة بهذه الطريقة، لا تذهب دون عقاب هذين الرجلين، أنا روح الأشجار وأنا هنا لحماية الأشجار والحيوانات والحفاظ عليها.

وفي صباح اليوم التالي لم تسير الأمور كما كان يخطط أصدقاء أدوا، حيث استيقظ الرجلان على ألم رهيب في منطقة البطن، ولم يبدي أي شيء يفعلانه في تخفيف شدة الألم، ولكن على الرغم من ألمهم قام الجشع بسحب الرجلين من فراشهما من أجل إكمال أعمالهم، وتأكدوا من جاهزية معدات التقطيع، وحينما استعدوا للبدء في التقطيع، لم يعمل الجرار، وهنا قال أحدهم: أنا لا أهتم بالجرار، وسوف استمر في تقطيع الأشجار بالمعدات الموجودة.

بينما قال الآخر وهو بالكاد تمكن من الإمساك بفأسه ويستعد لقطع واحدة من الأشجار الأقرب إليه: أنا لا أهتم بالألم في بطني، وسوف استمر في قطع الأشجار، وفي تلك اللحظة ناشد أداو أصدقائه أن يوقفوا ما كانوا يفعلونه ويقضوا اليوم في زرع الشتلات في الغابة، ولكن لم يستمع أي منهما.

وفي تلك الأثناء هبت ريح شديدة عبر الغابة وتمايلت الأشجار وتأرجحت مع الريح وسرعان ما بدأ هطول أمطار غزيرة، وتلك العاصفة دمرت الكوخ وقلبت الجرار، ومن شدة العاصفة ألقى أحد الأصدقاء بفأسه على أقدامه مما تسبب في قطع إحدى ساقيه، نمت الرياح أقوى وأقوى حتى لم يتبق من الكوخ سوى بعض الألواح الممزقة، كما تم عزل الجرار بعيدًا وكسر إلى جانب ضفاف نهر قريب، وحينها أصبح أصدقاء أدوا فجأة يشعرون بخوف ورهبة شديدين.

وعلى الفور صرخا: يجب أن نهرب من هنا، لقد دمرت الغابة جميع معداتنا، لم يتبق هناك شيء، وهرب الصديقان من الغابة بأسرع ما يمكن ولم يعودان مرة أخرى، وعلى الرغم من خوف أدوا على حياته، إلا أنه بقي في مكانه وسمح للرياح بدفعه وتساقط الأمطار عليه وتبلل ملابسه حتى أصابه البرد والضرب والكدمات.

وفي تلك اللحظة صرخ بأعلى صوته قائلاً: لن أغادر الغابة وسوف أبقى وأزرع شتلات جديدة لتحل محل الأشجار التي قطعها أصدقائي الجشعون، سوف أبقى وأفعل هذا حتى أموت ولن يغير رأيي شيء، ثم فجأة خمدت الرياح وتوقف هطول الأمطار وتلاشت الغيوم وخرجت الشمس وجففت أرض الغابة.

في ذلك الوقت كان أداو ممتنًا جدًا لانتهاء العاصفة، وبمجرد أن استعاد ذكاءه وجفف ملابسه، شرع في زراعة الشتلات الجديدة في الأرض، لقد عمل بجد طوال اليوم وتحمل عناءه طوال الوقت، وتمكن من زراعة العديد من الشتلات وفي كل مرة يفعل ذلك كان يصلي أن تنمو الشتلة لتصبح شجرة قوية.

وعلى مدار الليل والنهار عمل أدوا في الغابة لزرع شتلاته، حتى وصل إلى مرحلة شعر بها بالتعب والجوع الشديدين، ولم يقوى على العمل لفترة أطول، وهنا شعر بالخوف؛ وذلك لأنه كان منهكًا وبحاجة للطعام والمأوى، وتذكر أن العاصفة دمرت الكوخ، ولكنه اتجه إلى المكان الذي كان به الكوخ ليرتاح قليلاً، وهنا كانت الدهشة، إذ وجد الكوخ الصغير واقف دون أن يصاب بأذى، وهناك كذلك نار صغيرة في الموقد ووجبة متواضعة على المائدة.

وفي تلك اللحظة أدرك أن روح الأشجار هي التي تسببت في العاصفة، وهي كذلك أعادت الكوخ إليه، فجلس الرجل الطيب لتناول العشاء ونظر إلى النار بعينين دامعة، وفي النهاية قطع على نفسه عهداً، بأن يستمر في زراعة شتلات جديدة هنا وقال: لن أقطع سوى شجرة واحدة كل شهر؛ لأن هذا هو كل ما أحتاجه.

العبرة من القصة هي أن الأماكن ينبغي أن يكون لها تقدير واحترام لحياتها، تماماً كحياة الناس، فلها الحق في العيش والمحافظة على كيانها.


شارك المقالة: