تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والأديب باتريك بيسو، وقد تناولت في مضمونها الحديث عن فتاة كثر حولها العشاق، وكلما تتعلق بشخص منهم يذهب دون عودة، إلا أنّه في النهاية أُصيبت بأحد الأمراض المزمنة وتوفيت.
قصة ألف ذكرى
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية وهي فتاة تدعى ماري، حيث أن تلك الفتاة كان يتردد على الحي الذي تقيم به الكثير من العشاق والمعجبين لها، وقد كان من بين هؤلاء العشاق شاب يدعى إدوارد، وفي يوم من الأيام دخلت ماري بعلاقة مع إدوارد وفي نهاية تلك العلاقة اتفقا كلاهما على الزواج، ولكن تم وضع شرطين للزواج من قِبل الطرفين، الشرط الأول تمثل في أن يتم ذلك الزواج بسرية تامة في مدينة لندن من شهر كانون الثاني من عام 1846م، وقد كانت ماري في ذلك الوقت في تمام الثانية والعشرين من عمرها.
بينما الشرط الثاني كان يتمثل في أن يمارس كل من الزوجين حياته باستقلالية تامة، وبعد أن تم زواجها من إدوارد كانت باستمرار تنقش شارات العائلة على كافة أوراق الرسائل التي تقوم بكتابتها، ولكن في يوم من الأيام قلل إدوارد من تردده على منزل ماري والذي كان يقع في أحد الشوارع الشهيرة والذي يعرف باسم شارع مادلين، وقد كان ذلك بناءً على طلب ماري.
ويوماً بعد يوم كان يزداد تردد العشاق على المنزل الذي تقيم به ماري، ولكن لم يكن أحد منهم يعني لماري شيء، إلا أن جاء ذلك اليوم الذي قدم به أحد الشباب اليافعين والذي يتسم بجمال فائق ويدعى فرانك ليست، كان ذلك الشاب يعمل في مجال الموسيقى وهو من أهم الموسيقيين المشهورين في تلك الفترة، وحينما شاهدته ماري للمرة الأولى سرعان ما هجرت كل شيء من أجله، وقد كان تصرفاتها وعلاقتها به قد شكلت فضيحة في شارع سان جيرمان.
ولكن الموسيقار بعد أن أقام معها علاقة لفترة وجيزة سرعان ما قطع علاقته بها، بينما هي بدورها كانت قد أوقفت كل شيء في حياتها من أجل أن تستمر بالعلاقة معه وحده، وكان الواسطة بينهم أحد أصدقائها المقربين والذي يدعى الطبيب كوريف، وفي أحد الأيام أقامت ماري مأدبة عشاء ودعت بها العديد من الأشخاص وكان من بينهم الموسيقار، وحينما التفت ماري على الموسيقى تولد عندها انطباع بأنها تعيش حياتها من جديد، وفي تلك اللحظة كانت قد نسيت عشاقها الكثيرين والغراميات السابقة بأكملها.
ومع ذلك الموسيقار الشهير والذي كانت تناديه باستمرار ليست، وجدت أنها قد عثرت على شيء من النقاء الأصلي وقد قررت من جديد أن تقوم بالعديد من الرحلات حول العالم برفقته، وأنها ترغب في زيارة الشرق وعلى وجه التحديد مدينة القسطنطينية، وهناك يقومان بزيارة إلى الواحات والقوافل والغزلان والجمال، وقد اتفقوا على كل شيء ولم يبقى أمامهم سوى أن يقوم ليست بترتيب شؤونه؛ إلا أن متعهد الحفلات والذي يدعى السيد فايمار أخبره أنه يتوجب عليه أن يقوم بإحياء بعض الحفلات الموسيقية، وأن هناك العديد من المواعيد المحددة في مجموعة من المدن لإقامة الحفلات فيها، وفي حال لم يقوم بذلك فإنه سوف يضطر لدفع مبلغ هائل من الأموال.
وما حدث منذ ذلك الوقت هو أن ليست قد سافر لإقامة بعض الحفلات الموسيقية ولم تراه ماري بعد ذلك أبداً، وهنا بدأ المرض يستولي ويسيطر على ماري، حيث دخلت في حالة من السعال ونزول دم من فمها، وهنا قامت بطرد طبيبها الخاص وطلب أشهر الأطباء في المدينة والذي كان من بينهم طبيب الملك الخاص، وبعد أن كشفوا على حالتها وصفوا لها بوجوب الراحة التامة والقيام ببعض النزهات القليلة حلال فترة النهار والجلوس تحت أشعة الشمس، كما أوعزوا بوصف حمية غذائية خاصة دسمة وبعض العقاقير، لكنهم في ذات الوقت لم يصرحوا حول أي أمل في شفاءها؛ وذلك لأنها كانت مصابة بأحد أنواع الأمراض التي لا يمكن الشفاء منه وكل تلك العقاقير التي وصفت لها وتتناولها هي مجرد تأجيل للمصير الحتمي فقط لا غير.
ولكن في أيام ماري الأخيرة حضر رجل لمساعدتها، وعلى الرغم من إصابتها بالحمى طوال الوقت وازدياد حالات التقيؤ لديها، إلا أنها في تلك الفترة بدت أكثر جاذبية وجمالاً من أي وقت مضى، كما لو أن الموت القريب كان يزيد من جمالها وبريقها، وهذا الرجل يدعى بيير وهو ما يتميز بالشخصية المنفردة، كما تميز بالأناقة والرقي، وبعد أن رآها سرعان ما وقع في عشقها وأخذ في السهر على راحتها.
ومع حلول عام 1847م ، كانت ماري قد أقامت آخر زيارة لها حيث أن تلك الزيارة كانت إلى مسرح باليه، ومن خلال تلك الزيارة وجدت ما يكفي من القوة، إذ كانت ترتدي معطفها وتمسك بيد بيير، وفي تلك اللحظة كان وداعها للمكان هو وداع جميل مأساوي ورائع لكل من أعجب بها.
ومنذ تلك الزيارة وقد اعتكفت ماري في منزلها ومنع الأطباء عنها أي زيارة، وهنا ذهب بيير في رحلة إلى دولة الجزائر؛ وذلك من أجل انهاء كافة أعماله هناك والعودة من أجل أن يقضي بقية حياته مع ماري، ولكن في تلك الأثناء كان زوجها قد تمكن من أخذ الإذن من أجل رؤيتها، وفي أثناء نومها دخل إلى غرفتها على رؤوس أصابعه، وقد كانت تلك الجميلة الشفافة التي أصابها الهزال النائمة تبدو وكأنها تنام نومة الموت، وحين شاهدها زوجها بهذا المنظر انفجر بالبكاء وحينها استيقظت ماري وطلبت منه أن يقوم بفتح النافذة، وقالت له: أريد أن أستمع إلى ضجة الشارع للمرة الأخيرة.
وهنا طلبت من خادمتها أن تحضر لها ثوبها الجنائزي المزركش، وقد أرادت أن تظهر بكامل أناقتها، كما تم طلب الكاهن حيث اعترفت له ببغض الاعترافات ومن أبرزها أنها كانت تعيش حياة خاطئة، ثم بعد ذلك توفيت في شهر شباط عن عمر يناهز ثلاثة وعشرين عاماً، وفي الخامس من الشهر ذاته تم إقامة الجنازة وحينها سارت جموع هائلة في جنازتها وألقيت فوق جثمانها كميات من ورود الكاميليا، والغائب الوحيد كان بيير حيث ما زال في رحلته إلى الجزائر.
وبعد مرور خمس أيام على دفنها علم بيير بخبر وفاتها والذي تحدثت عنه الصحافة بشكل واسع، وهنا سرعان ما رجع إلى باريس وأول ما وصل كان خلال القيام ببيع أثاث ماري وحيلها، وكل ما حاول استرجاعه هو عقد اللؤلؤ الذي كان قد قدمه لها في يوم من الأيام، فقد كان في ذلك العقد ألف ذكرة لبيير.