تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية الصادرة عن الأدب الأوروبي، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول توتر الأجواء بين طائفتين قادت إلى طرد ثلاثة مسؤولين من الاجتماع، لكنه لم يتم طردهم بطريقة عادية، فقد تم إلقائهم من النافذة، وعلى إثر تلك الحادثة اشتعلت الحرب لمدة تقارب على الثلاثين عامًا.
قصة حرب الثلاثين عاماً في أوروبا
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول العديد من التوترات الكبيرة التي حدثت بين كل من طائفتين في إحدى المدن التي تعرف باسم بوهيما، حيث أنه شهدت سنوات عدة مشاحنات كبيرة قادت إلى اشتعال الحروب، فقد حاربت بعضهما البعض منذ منتصف القرن الخامس عشر حتى الربع الأول من القرن السادس، وما حدث خلال تلك الفترة هو أنه انتشرت الطائفة البروتستانتية في كافة أنحاء القارة الأوروبية، فقد تم تمزيق الوحدة الدينية التي كانت تتسم بها الإمبراطورية الرومانية.
ففي منتصف القرن الخامس عشر تم التوقيع على معاهدة سلام بين الطرفين، وقد كانت تلك المعاهدة قد أطلق عليها اسم معاهدة أوغسبورغ، إلا أن السلام كان غير مستقر بينهم، حيث أنه بناء على تلك المعاهدة أصبح من حق من يقوم على حكم الدولة هو من يقرر الديانة التي يجب أن تسير عليها بلاده.
وفي ذلك الوقت على الرغم من أن كافة حكام منطقة بوهيميا والتي كانت يقع قسم كبير منها ضمن حدود جمهورية التشيك الحالية كانوا من التابعين للديانة الكاثوليكية، إلا أنهم قد سمحوا بشكل عام إلى ممن يتبعون الديانة البروتستانتية أن يمارسوا كافة طقوس ديانتهم بكل حرية وأن يرتادوا دور العبادة التابعة لهم، وقد أكد على ذلك القرار رودولف الثاني ملك الإمبراطورية الرومانية وهو من كان ملك بوهيميا في ذلك الوقت في خطابه الملكي الذي أصدره.
وبدل من أن يعم السلام بهذا التصالح والتعاون والتسامح في تلك اللحظة بدأت تتعقد الأمور أكثر فأكثر؛ ويعود السبب في ذلك إلى أن بالرغم من أن شقيق الملك رودولف الثاني والذي يدعى ماتياس قد بقي يعمل بخطاب شقيقه الملك حينما تولى السلطة مكانه، إلا أنه حينها أخطأ بأمر وهو أنه قام بتعيين ابن شقيقه الفذ والذي يدعى فرديناند الثاني ملك على عرش مدينة بوهيميا ووريثًا له.
ومنذ أن تم تعيين فرديناند الثاني بدأ بداخله الحماس وقد قرر أن يستعيد اعتبار الديانة الكاثوليكية، فهو يؤمن بأن ديانته هي الديانة التي من المفروض أن تكون الديانة المتبعة فقط في مختلف الدول الأوروبية، ومنذ أن استلم الحكم رفض العمل بخطاب الملك، وعلاوة على ذلك كله رفض السماح للبروتستانت أن يقوموا ببناء كنائس في أهم مدينتين في المنطقة واللتان أغلب سكانهما من البروتستانت وهما مدينتي بروموف وهوروب.
وجملة القرارات تلك قد أثارت غضب البروتستانت المحليون، ومن هنا عزموا على عقد اجتماع في مدينة براغ؛ وذلك من أجل التباحث حول القضية ويطلعوا على آراء المستشارون الإمبراطوريون حول هذا الشأن، وأثناء الاجتماع وجد هناك أربعة نواب من التابعين إلى الديانة الكاثوليكية أنفسهم في مواجهة حشد كبير من البروتستانتيين الغاضبين والذين كانوا من ضمن أعضاء المستشارية البوهيمية، وحينها طالب البروتستانت الذين كان يترأسهم الكونت الذي يدعى جيندتش، بمعرفة فيما إذا كانوا هم في الحقيقة من نصحوا الملك فرديناند بتجاهل خطاب الجلالة.
وفي تلك الأثناء تمكن اثنين من النواب من الدفاع عن أنفسهم وخرجوا بسلام من المأزق، بينما الاثنان الآخران لم يحالفهما الحظ، وعلى إثر ذلك تم اعتقال كل من يدعى النائب فيليم والنائب الذي يدعى ياروسلاف بالإضافة إلى السكرتير الذي يعمل لديهم وهو من يدعى فيليب، وقد تم السيطرة عليهم من قِبل ذلك الحشد الغاضب الكبير.
في ذلك الوقت قام قائد حشد البروتستانت ثورن وصرخ بأعلى صوته وهو يعتريه الغضب الشديد وقال: أنتم أكبر أعداء لنا على وجه الكرة الأرضية، إذ أول ما بدأتم به هو أنكم حرمتمونا من حقنا الذي صرح به الملك في خطابه، والآن كل ما تريدون الوصول غليه هو أن تجبرونا على اعتناق ديانتكم.
وقد استطرد قائد الحشد حديثه قائلاً: أيها البروتستانتيين إذا كنتم سوف تبقون هؤلاء النواب على قيد الحياة، فإنكم من المؤكد سوف تخسرون دينكم، ومن يخسر ديانته سوف يحرم من أبسط حقوقه ومن ممتلكاته وبالأخير سوف يتم حرمانه من الحياة كذلك، وما دام هؤلاء الرجال على قيد الحياة لا يمكن أن تتحقق العدالة.
وذلك الخطاب الذي صرح به قائد الحشد كان ذو تأثير كبير على البروتستانت، وهنا أدرك كل من فيليم وباروسلاف أنهم بالتأكيد سوف يواجهان عقاب قاسي جداً من تلك الحشود التي دب بها الحماس، لكنهما اعتقدا أنهم سوف يتم إنقاذهما من قِبل جماعتهم، وهنا تجرأ أحدهم وصرح بقوله: بما أن هذا الأمر يتعلق بإرادة الله والدين الكاثوليكي وإرادة الإمبراطور، فإننا سوف نقبل بأي عقاب سوف يتم الحكم علينا به، وسوف نستقبل ذلك العقاب بكل صبر وسرور.
وفي نهاية حديثه صرخ يطلب المساعدة من السيدة مريم العذراء، ولكن سرعان ما تم حمله هو والاثنان الذين معه بواسطة الحشود التي وجهتهم نحو نافذة مفتوحة، وتم إلقائهم ثلاثتهم من ارتفاع يقارب على السبعين قدم، وحينما نظروا البروتستانت من النافذة من أجل رؤية ما حلّ بضحاياهم، اندهشوا من أن هؤلاء المسؤولين الكاثوليك الثلاثة قد نجوا من السقوط، حيث أنه ما حصل أن كل من النائب الأول والسكرتير نهضا وأسرعا بالفرار، أما عن باروسلاف فقد أغمي عليه، ولكن سرعان ما قاموا جماعته بسحبه ونقله إلى بر الأمان.
هنا اندهش الجميع من أنه كيف نجا هؤلاء الرجال بعد سقوطهم من ذلك المرتفع الشاهق؟ وقد صرحت الحشود الكاثوليكية أن العناية الإلهية هي من أنقذت هؤلاء الرجال، كما أشاروا إلى أن السيدة العذراء قد سمعت توسلات الرجال المنكوبين وأنقذت حياتهم، بينما في الحقيقة كان ما حدث هو أن هؤلاء الرجال حينما سقطوا كانت هناك كومة كبيرة من روث الخيول والسماد، وهذا الأمر كان قد خفف من هول السقوط من ذلك المكان المرتفع.
وحينما سمع فريناند بتلك الحادثة سرعان ما جن جنونه وثار الغضب بداخله وتعهد بالانتقام الفوري، وقد كانت تلك الحادثة قد تسبب في حدوث انقسام وفجوة كبيرة بين الطائفتين داخل أنحاء أوروبا، وسرعان ما اشتعلت في بوهيميا ثورة كبيرة، وقد كانت نتائجها هو أنه تم خلع فرديناند الثاني من على كرسي العرش، وتم تتويج فريدريك الخامس والذي كان زوج ابنة جيمس الأول ملك إنجلترا.
وقد أدت تلك الخلافات والتحالفات إلى حدوث تمزيق في الأراضي الأوروبية كذلك، وأثناء اشتعال الحرب والتي كانت قد استمرت لمدة تقارب على الثلاثين عام تم تدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية كما عانى السكان من الفقر والمجاعات، وعلاوة على كل تلك الكوارث توفي أكثر من ثمانية ملايين شخص خلال تلك الحرب.
وبعد انقضاء تلك المدة الطويلة من الصراعات والوصول إلى منتصف القرن السادس عشر انتهى الأمر بينهم إلى ما يعرف باسم صلح ويستفاليا، ولكن تلك الصراعات خلفت شكل مختلف تماماً لأوروبا، كما أخلفت الحرب في أنها أفقدت دولة إسبانيا قوتها، على غرار دولة فرنسا التي تمكنت من الصعود بنفسها واكتسبت قوة كبيرة، أما بالنسبة إلى بوهيميا فلم تفقد مكانتها كمملكة فحسب، إنما كذلك فشلت في الحفاظ على استقلالها الديني الذي لطالما دافع عنه البروتستانت وتم القضاء على البروتستانتية بالكامل وأصبح معظم سكان بوهيميا من التابعين إلى الديانة الكاثوليكية، حتى أن اللغة التشيكية تم قمعها داخل البلاد.