قصة الأصوات التي في رأسي

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والكاتب جاك هاندي وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية من الكُتاب الذين برزوا في مجال كتابة القصص الهزلية والروايات، فقد كانت له مجموعة من الكتابات التي أصدرها على شكل سلسلة متتابعة، حيث كانت تقتصر في مضمونها على النكت السريالية، وقد بدأ الكاتب حياته بالعمل في مجال الصحافة ثم بعد ذلك انتقل للعمل في مجال البرامج التلفزيونية، وهذا ما جعل لديه خبرة للتوجه للتأليف والكتابة، وقد تمت ترجمت معظم أعماله الأدبية إلى اللغة العربية، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة الأصوات التي في رأسي.

قصة الأصوات التي في رأسي

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الأشخاص الذين يعانون من حدوث أمور غريبة وعجيبة معهم خلال حياتهم، إذ كان ذلك الرجل يسمع أصوات غريبة تحدثه من رأسه، ولكنه كان لا يعلم الوقت التي تطل به تلك الأصوات، فقد كانت لا تحدد بمكان أو زمان، وقد كانت تلك الأصوات مثلاً حينما يكون على شرفة منزله يناظر السُحب الموجودة في السماء، تصدر تلك الأصوات بشكل مفاجئ لتخبره بأنه ينبغي عليه أن يعود إلى الداخل؛ وذلك من أجل أن يحمل مظلة؛ وتبرر ذلك أنه ربما يهطل المطر من السماء، بحيث يضطر إلى طاعة تلك الأصوات والعودة من أجل إحضار المظلة، وفي أحيان أخرى يستجمع كامل قواه ويرفض العودة.

ولكن في حال اعترض ورفض تلبية طلب معين، فإن تلك الأصوات لا تفك عنه، فتبقى تلح حتى ينفذ مطلبها، كما أنها كانت تلك الأصوات لا تتنحى فحين يحاول أن يتناسى طلبها، تصر على ذلك لدرجة أنها تنسى أنه خالف أوامرها، وفي حال نزل المطر ولم يقم بإحضار المظلة، تخبره بأن كان ينبغي عليك أن تحضر المظلة.

كان الشاب في تلك الفترة من حياته يقول لنفسه: لا أتوقع أن أي شخص في هذه الحياة يدرك معنى وجود أصوات برأسه لتوجهه حول ما يفعل، إذ أشار إليه بأنه كابوس يعاني من وجوده طوال الوقت، فوجود الأصوات على مدار الوقت أمر تعذيبي بالنسبة له، إذ تبقى ملازمه له منذ استيقاظه من النوم، وأول ما تقوله له: على الفور اذهب إلى الحمام، فهي لا تتوقف طوال اليوم على الاطلاق.

وتبقى الأصوات هكذا تحدثه باستمرار فتقول: اذهب واشتري طعامًا، أو مثلاً: اذهب وخذ قيلولة، أو اذهب مرةً أخرى إلى الحمام، إذ عليك أن تتهيأ للنوم، فهي لا تنقطع على مدار الساعة إلى أن وصل بها الأمر في بعض الأحيان الحديث معه خلال نومه، وما كان يخشاه ذلك الشاب أن تطلب منه تلك الأصوات أن يقوم بفعل شيء مجنون، وقد كان أعظم أمر جنوني من وجهة نظره هو أن يقوم بالبحث عن وظيفة أو عمل.

وفي أحد الأيام حاول الشاب أن يذهب للبحث عن طريقه يفقد من خلالها وعيه في سبيل أن يجعل تلك الأصوات تهدأ ولا تحدثه لفترة بسيطة على الأقل، لكن لم تجدي أي طريقة على إخفاق تلك الأصوات، كما كان يخاف في يوم ما أن تزداد حالته سوءً أكثر؛ وذلك لأنها في بعض الأحيان كانت تطلب منه أن يذهب إلى أي شخص يكرهه ويبغضه وأن يقوم بإخباره عن شعوره الحقيقي الذي يكنه له، كما كانت حيث يذهب إلى المقاهي تطلب منه أن يقوم بالرقص فوق إحدى الطاولات رقصة رعاة البقر، كما كانت تحثه على شراء ألبوم إلى فرقة تعرف باسم فرقة البيتلز الموسيقية وهو لا يمتلك أي عملة من المال.

وفي حال أخبرها أنه لا يمتلك المال لشراء ذلك الألبوم، فإنها تجبره على القيام بأي نوع من العمل من أجل الحصول على الألبوم، وقد هناك أوقات قصيرة تتوقف فيها الأصوات للحظات، وقد كانت تلك الأوقات حينما يجلس لمشاهدة التلفاز، أو حينما يجلس للحظات في مراقبة النمل في حديقته أو القطط التي يمتلكها، غير أنه كان يشعر بأن تلك اللحظات القليلة تسير بسرعة البرق وتعود الأصوات للحال التي كانت عليه.

فقد كانت الأمنية الوحيدة لديه في حياته هو أن تقوم تلك الأصوات بالتحديث إليه بأمر مفيد، وذلك مثل أن تعلمه كيف يتقن اللغات العالمية أو أن يعثر على شيء كان قد فقده في السابق، فقد كانت لا تنطق بشيء مفيد أبداً، بل على العكس من ذلك كانت في الكثير من الأحيان تتعمد توبيخه ووضعه في مواقف محرجه، إذ أحياناً كانت تخبره بالاتجاهات الخاطئة، وأحيان أخرى تجعله يربط ربطة عنقه بطريقة مضحكة وتثير السخرية.

وفي أحيان أخرى تطلب منه أن يتوجه صوب إحدى الفتيات الجميلة وطلب التحدث إليها، ثم بعد ذلك تثير خوفه بتذكيره بماذا سوف يحصل حينما تعلم زوجته بذلك الأمر، وبقي على هذا الحال وكأن هناك دوامه تدور في رأسه، ولا يستطيع أن يقوم بإخبار أحد بهذا الأمر، إذ أنه إذا تحدث في هذا الأمر سوف يعتقد الجميع من حوله أنه شخص مجنون، وفي حال لم يخبر أحد بذلك ونظرهم إلى التصرفات التي يقوم بها تنفيذاً إلى تلبية طلب الأصواف سوف يقولون أيضاً عنه شخص مجنون.

وفي أحد الأيام فكر في أن الحل الوحيد له هو أن يذهب إلى طبيب نفسي؛ وذلك من أجل أن يتخلص من تلك الأصوات، ولكنها هنا أخبرته أنه سوف يكون الأمر مكلفًا جداً بالنسبة له، وهنا كان يدرك أنها في هذه المرة محقة، فهو لا يمتلك وظيفة ولا الأموال حتى يتخلص من تلك المعاناة، وفي أحد الأيام قرر أنه لا يستطيع أن يحتمل تلك الأصوات أكثر من ذلك، ففكر في طريقة يخرس بها تلك الأصوات إلى الأبد، ولكنه جهل الطريقة التي يقوم بها من أجل ذلك، لذلك لم يفعل أي شيء، ربما كانت الإجابة الوحيدة لديه هو عدم التخلص منها ولكن معرفة الطريقة التي يتعلم من خلالها الكيفية التي التعايش معها بها.

وهنا بدأ يسأل نفسه في أنه هل يمتلك القدرة التي يتحكم بها في تلك الأصوات بشكل تام؟ وهنا أكد أنه بالطبع لا، وكرر سؤال آخر: هل يمكنني على الأقل القيام بإجراء تعديلات على أسلوب حياتي والتغيير من تصرفاتي وسلوكياتي؛ كي لا تصبح تلك الأصوات تهدد حياتي أو أن تهدد حياة الآخرين؟ فأدرك أيضاً أن الإجابة لا بالطبع، لكن في تلك اللحظة رفض أن يعترف بعجزه، وأنه لا بد من طريقة تخلصه من تلك المعاناة، حيث أنه كان يدرك أمراً واحدًا، وهو صحيح أنّ الأصوات قد تكون ديكتاتورية ومتسلطة إلا أنها بالفعل غبية، ولا ينبغي أن تتحكم بحياته وتسيطر عليه.


شارك المقالة: