قصة الآنسة برايم

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر القصة من أبرز وأهم القصص التي صدرت عن أيقونة الأدب الحديث فرجينيا وولف، وهي من مواليد مملكة بريطانيا العظمى ومن أوائل الأدباء الذين استخدموا أسلوب تيار الوعي في أعمالهم الأدبية.

قصة الآنسة برايم

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية وهي فتاة تدعى الآنسة برايم، وقد كانت تلك الفتاة تبلغ من العمر الخامسة والثلاثين عام، وهي الابنة الثالثة لوالدها، والذي كان يعمل كطبيب مشهور في المدينة، حيث أنه في أحد الأيام وصلت الفتاة إلى مرحلة عزمت بها على ترك الحياة في إحدى المدن والتي كانت في الأصل أفضل مما وجدتها عليه في السابق.

إذ أنها أصبحت الحياة التي تعيشها في إحدى المدن التي تعرف باسم مدينة ويمبيلدون كئيبة ومرهقة إلى حد كبير وقد سئمت من الروتين الذي تعيشه بشكل يومي، ولا تضع في عين الاعتبار أو تعير أي اهتمام لأي تصرف أي سلوك ينتج عنها، كما أنها كانت باستمرار غير عابئة في إعطاء أدنى أهمية لأي كلام أو حديث يصدر عنها، وعلى الدوام كانت تتحدث حول أمور تتمنى حدوثها معها في المستقبل، وكل تلك الأمور جعلت برايم تقرر أن تستقر في إحدى القرى التي تعرف باسم قرية روشام.

وفي ذلك الوقت كانت تلك القرية من القرى المشهورة بحالة طغيان الفساد التي تسودها إلى حد كبير، كما كانت من القرى التي لم يصل إليها أي تحديث أو تطور، فلم يوجد فيها أي وسائل نقل حديثة، كما كان يصعب ويستحيل العبور بالطريق المؤدية إلى المدينة في فصل الشتاء؛ ولذلك كانت القرية من القرى التي لا يعيرها أي من المسؤولين أي اهتمام ولا انتباه.

ولكن رأت الفتاة أنها أصبحت متحررة من آراء المحيطين من حولها في كل أمر يصدر عنها، وأول مكان توجهت إليه في تلك المدينة هو الكنيسة، وهناك انتبت له في تلك الكنيسة هو أن القسيس الذي يدعى السيد بيمبر لم يكن القميص الذي يرتديه ياقته نظيفة أبدًا، إذ لم تتحمل ذلك المنظر قط، وقد توصلت من المقربين من القسيس أنه لولا خادمته العجوز التي تدعى مابيل، لكان مظهره وملابسه في الكنيسة غير لائقة في كثير من الأحيان.

وهناك في تلك الكنيسة لم تكن أي شموع متواجدة على المذبح، كما أدركت أن جرن المعمودية كان مكسور، وفي لحظة ما أمسكت الآنسة برايم بالقسيس وهو يتسلل في وسط الصلاة؛ وقد كانت تلك الحركة بسبب أنه رغب في أن يدخن سيجارة في مكان فناء المقبرة، وقد قضت ما يقارب على الثلاث السنوات الأولى من إقامتها في مدينة روشام تضبط العديد من الناس يفعلون ما لا ينبغي عليهم فعله.

وفي أحد الأيام وبينما كانت تمسح الحواف الموجودة على أغصان شجرة الدردار التي كانت تعود ملكيتها إلى أحد الأشخاص الذي يدعى بيّنت والذي كان يعمل في التوابيت، وأن تلك الأغصان تمر بالزقاق وينبغي تقليمها، كما كانت الأغصان تمتد إلى جدار منزل سيد يدعى قاب والذي كان منزله مدمر العديد من مرافقه وأجزائه مهترئة إلى حد كبير وينبغي إعادة ترميمه، وفي تلك الأثناء كانت إحدى السيدات التي تدعى السيدة باي والتي تعمل سكرتيرة وإلى جانبها سيدة تدعى كول والتي كانت تتسم بسمعة سيئة بسبب علاقتها مع أحد الرجال الذي يعملون في عناصر الشرطة.

وبما أن الفتاة قد أمسكت بكل أولئك وعلمت بكل خطاياهم، وفي لحظة ما اكتسى على ملامح وجهها العديد من التعابير المتجهمة، كما احدودب جسمها وعبست بكل ازدراء في وجه كل شخص تلتقي به من الناس، ومنذ ذلك الوقت عزمت على شراء الكوخ الذي كانت قد استأجرته منذ فترة، إذ أدركت أنه بإمكانها أن تقوم بدور فعّال في وسط تلك القرية.

وأول ما استقرت في تلك القرية أول أمر بدأت بتغييره هو أدلت بكل اهتمامها إلى مسألة الشموع في الكنيسة، ومن ثم استغنت عن الخادمة التي تقيم فيها، وبهذا تكون قد وفرت ما يكفي من أجل القيام بشراء شموع أخرى جديدة من نوع الشموع الكهنوتية الطويلة والسميكة، وقد كان هذا النوع من الشموع متواجد في أحد المحلات التي تعنى بأمور الكنيسة والواقع في مدينة لندن.

وبعد الحصول عليهم اختارت أن تضعهم على المذبح وسرعان ما قامت بتنظيف أرضية الكنيسة؛ كما قامت بتطريز مفرش جميل جداً للمذبح، ثم بعد ذلك عزمت على الذهاب إلى أحد المسارح القريبة وتمثيل إحدى المشاهد من واحدة من المسرحيات التي تحمل عنوان مسرحية الليلة الثانية عشرة، والذي أبدعت في تمثيله ونالت أجراً على دورها في التمثيل، وقد كان ذلك الأمر قد مكنها من دفع قيمة إصلاح جرن المعمودية، وفي ذلك الوقت أصبحت قادرة على مواجهة السيد بيمبر بشموعها.

والذي كان في ذلك الأحيان يقوم بإشعال سيجارة أخرى ويمسك بين أصابع يده مصفرة مليئة بمادة النيكوتين، للوهلة الأولى بدا وجهه وكأنه غصن عليق تائه، كما بدا جسمه وكأنه غصن غليظ وخشن ويطغو عليه اللون الأحمر وقد تساقطت أوراقه ويحتاج إلى إعادة تأهيل من جديد، وحين شاهد الفتاة أمامه تمتم أنه لا يرغب في رؤية الشموع، حيث أنه لم يكن على الاطلاق يتبع ذات الأساليب التي يتبعها البابوية، وقد كان يمشي بتمايل متثاقلاً إلى حد ما باتجاه بوابة فناء المزرعة وفي تلك الأثناء يتحدث عن أحد أنواع الخنازير التي تعرف باسم كروبر.

وبعد ذلك سرعان ما فكرت الآنسة برايم في إقامة معرض خاص بالسوق الخيري؛ وذلك من أجل أن تقوم بإعادة تأهيل وتسقيف الكنيسة، وحين حضر الأسقف سألت برايم السيد بيمبر عن الشموع مرة أخرى، والذي بدوره أشار إلى أن البعض ينحاز للشموع والتزمت في الدين، والبعض الآخر يسعى من أجل مناصرة الرجل العزيز والتيسير، وهنا قال السيد بيمبر وهو تملأه الحدة والانفعال إنه هو الكاهن المسؤول في الكنيسة، وأنه من الأشخاص الذين لا يؤمنون بالشموع، وانتهى بينهم الأمر على ذلك.

وبعد ذلك الحديث توجهت الآنسة برايم إلى منزلها، وما كان يلفت انتباهها في ذلك الوقت هو الشموع، وقد قامت بوضعتها على الدرج الطويل، لم تذهب إلى الكنيسة بعد ذلك على الإطلاق، ولكن الكاهن كان رجل عجوز وكبير في السن، ولهذا كان ينبغي عليها أن تنتظر قليلاً من الوقت، ولكنها استمرت الآنسة برايم محاولاتها في إصلاح المجتمع في تلك القرية، وقد كان لك الإصلاح يعطيها إحساس جميل بمرور الوقت بشكل أسرع أكثر من أي شيء آخر، وعلى العكس تماماً مما كان عليه الحال في مدينة ويمبيلدون، إذ كان الوقت يمر بشكل بطيء جداً، ففي بداية يومها كانت تغسل الأطباق بعد تناولها لوجبة الإفطار ثم تبدأ في ملئ الاستمارات، ومن ثم تشرع في قراءة التقارير اليومية لمشاريعها.

وفي النهاية قامت بتثبيت جهاز إنذار على لوحة في حديقة منزلها، ومن ثم بدأت في زيارة الأكواخ المجاورة لها واحد تلو الآخر، وقد بدأ بالتدريج يعتريها إحساس بهيج جداً إذ ينتصب ويتحرك داخل عروقها، وقد كان ذلك الإحساس قد وصف بأنه أجمل من الإحساس بالزواج بعد علاقة حب، وقد كان ذلك الإحساس هو القوة التي تثور بداخلها من أجل جعل العالم أفضل، كما أصبحت تمتلك القوة من أجل مواجهة العجزة والأميين.

وبشكل تدريجي وبينما كانت تسير في شوارع القرية بكل رشاقة تحمل سلتها بين ذراعيها وذهبت إلى الكنيسة، وقد كانت تلازمها مكنستها، وأخيراً بدت برايم أنها أصبحت فتاة أخرى فهي أعظم وأكثر حسنًا، كما كانت أكثر بهاء وروعة من الأول، وقد تم تشبيهها بشخصية تدعى فلورنس ناتينجيل، حيث إذا ما وجهت نظرك إليها رأيت وكأنها كلتا الشخصيتين طبق الأصل عن بعضهما البعض.

المصدر: كتاب أثرٌ على الحائط pdf - فرجينيا وولف - 2009


شارك المقالة: