من أكثر ما يعيق المرء عن تحقيق أحلامه وأهدافه هو الخوف والاستسلام، سنحكي في قصة اليوم عن قبيلة كانت تسكن في جزء جاف من الجزيرة، وكانت تلك القبيلة تعاني بسبب خوفها من الانتقال إلى الجزء الذي تنبت به أشجار ويوجد فيه الماء، ولكن بسبب شجاعة زوجين من أفراد تلك القبيلة، استطاعوا إثبات إمكانية انتقالهم إلى الجزء الآخر، وأن الأمر لم يكن مستحيلاً كما كان يظن أهل القبيلة، وبسبب شجاعتهم استطاعوا إنقاذ أفراد قبيلتهم من الجوع والعطش وساعدوا الجميع بالانتقال للعيش معهم.
قصة الجزيرة ذات الجزأين
كان هنالك جزيرة مقسومة إلى جزأين، واحد من هؤلاء الجزأين يوجد به وفرة من الماء تنبت عليه الأشجار والنباتات الخضراء بشكل كبير، بينما الجزء الآخر كان على العكس من الجزء الأول؛ فهو جاف لا ماء به ولا أشجار، ولا تعيش به إلّا بعض الحيوانات البريّة، يسكن على هذا الجزء قبيلة اسمها قبيلة الكاكو.
ومن سوء حظ تلك القبيلة كانت لا توجد أي وسيلة آمنة لكي تنتقل إلى ذلك الجزء المليء بالماء والشراب؛ وكانت تعيش أغلب الأوقات بالجوع والعطش الشديد، وتكاد لا تجد ما يسد جوع أطفالها، بالإضافة إلى الجوع والعطش كانت تلك القبيلة تعاني من خوف شديد من مهاجمة الوحوش البرية التي تسكن بالقرب منها، فمن الممكن لتلك الوحوش أن تهاجم الإنسان وتأكله.
ويحكى بأن بعض الأجداد من تلك القبيلة استطاع الوصول لهذا الجانب بطريقة صعبة، وهي بناء قطب من جذوع شجرة كبيرة، ومن بعد ذلك لم يعد أحد يستطيع الذهاب إلى هناك، ومنذ ذلك الوقت تعيش بقية القبيلة باستسلام ويأس شديد للجوع والعطش، بالإضافة لكون أفرادها معرّضين لأن يكونوا وجبة شهية للوحوش الموجودة هناك، ولم يفكّر أي أحد منهم أن يجد أي طريقة للانتقال إلى الجزء الآخر.
وبعد مدّة من الوقت كان المكان الذي يفصل بين الجزأين في الجزيرة قد نمت عليه شجرة صغيرة جدّاً، ومن شدّة القحط الذي يعانون منه قرّر رئيس تلك القبيلة أن يفكّر في بناء قطب من جذوع الشجرة، على الرغم من أنّها ليست صلبة بما يكفي، ولكن لعلّ أحد يستطيع أن يحضر لهم بعض الماء والطعام من الجزء المقابل، وعندما اجتمعوا كي يختاروا من الشخص المناسب، أجمعوا بأن رئيس القبيلة والطبيب هما الشخصان الأنسب لتلك الرحلة.
ولكن خوف رئيس القبيلة الشديد والطبيب منعهم من الموافقة على المغامرة؛ ولم يجرؤ أي أحد منهم الذهاب بتلك الرحلة للجزء المقابل في الجزيرة، وكان سبب خوفهم هو الجذوع الصغيرة التي من الممكن أن تنكسر، وصار كل واحد منهم يفكّر في كيفية إيجاد عذر أو خرافة تختص القفز عبر قطب الشجر.
وصلت تلك الخرافات التي نشرها رئيس القبيلة والطبيب عبر أفراد القبيلة فيما يختص عن خطورة القفز على الأقطاب، وكان في القبيلة زوجان وهما سيمون ونارو، كان هذان الزوجين يحبّان بعضهما البعض، وعندهما شغف بالحياة جدّاً، بالإضافة إلى أنّهما لديهما دافع كبير لتغيير الواقع السيء الذي كانوا يعيشونه هم وأفراد القبيلة من خوف وجوع متواصل؛ لذلك قرّر هذين الزوجين أن يستجمعا شجاعتهما ويقومان بالمغامرة والذهاب بتلك الرحلة للجزء المقابل.
قال نارو لزوجته سيمون: ما رأيك يا زوجتي، هل من الممكن أن نقع من تلك القفزة كما يقولون؟ قالت له زوجته: ولماذا نفكّر بأمر قبل وقوعه، دعنا نجرّب، قال لها نارو: ولكن تلك القفزة على الرغم من عدم صعوبتها إلّا أنّها معرّضة للفشل، ومن الممكن أن تكون نهايتنا مروّعة، قالت له زوجته سيمون: ولكن لا بقاء في مكاننا هذا للأبد، يمكننا أن نموت من الجوع أو العطش أو ربّما نكون وجبة أو فريسة لأحد الوحوش.
نظر نارو لزوجته وقال: أنتِ محقّة، إذاً سنستعد لنفعل ذلك في يوم الغد، في صباح اليوم التالي استعدّ الزوجين للقفز عبر هذا القطب، كانوا يشعرون بقليل من الخوف ولكن بكثير من الحماس وحب للحياة والانتصار، وبالفعل عندما شرع الزوجين بالقفز شعرا وكأنهما طارا بالهواء، وأنّهما سيقعان في جرف الماء ويموتان، ولكن فجأةً وجد الزوجين نفسهما في الجانب الآخر من الجزيرة بسلام.
شعر الزوجين بفرحة عارمة، وفجأةً سمعوا أصوات القبيلة من الجانب الآخر وهم يقولون: إن ما حدث مع نارو وسيمون مجرّد حظ، في ذلك الوقت علم نارو وسيمون أن الوضع السيء الذي كان يعيشه أهل قبيلتهم ما هو إلّا مجرّد استماع للأفكار المستسلمة، بدأ كل منهما حياة جديدة ودعوا أهل قبيلتهم للانتقال إلى هناك، وصار في كل يوم يقفز شخص جديد إلى أن استطاع بنهاية الأمر أن ينتقل كل أفراد القبيلة إلى هناك، ويبدأون حياة جديد لا يوجد بها جوع ولا عطش أو خوف.