الحلم الأخير لشجرة البلوط القديمة أو الحلم الأخير لشجرة البلوط القديمة ( The Last Dream of Old Oak) ، أو(Det gamle egetræs sidste drøm) هي قصة خيالية للأطفال كتبها المؤلف الدنماركي هانز كريستيان أندرسن. تم نشره لأول مرة عام 1858.
الشخصيات:
- البلوط القديم.
- أشجار الغابة.
قصة الحلم الأخير للبلوط القديم:
في الغابة، على ارتفاع مرتفع على الشاطئ شديد الانحدار وليس بعيدًا عن ساحل البحر المفتوح، كانت هناك شجرة بلوط قديمة جدًا، كان عمرها ثلاثمائة وخمسة وستون عامًا فقط، ولكن تلك الفترة الطويلة كانت للشجرة مثل نفس عدد الأيام التي قد تكون لنا، نستيقظ بالنهار وننام بالليل وبعدها نحلم.
الأمر مختلف مع الشجرة، يجب أن تبقى مستيقظة خلال ثلاثة مواسم من السنة، ولا تنام حتى يأتي الشتاء حيث الشتاء هو وقت الراحة، وتكون ليلتها بعد يوم طويل من الربيع والصيف والخريف، وفي وقت الصيف الحار، كان الذباب الزائل، ذلك الذباب الذي كان موجودًا ليوم واحد فقط، يرفرف حول شجرة البلوط القديمة ويستمتع بالحياة ويشعر بالسعادة، وكان قد استراح على إحدى أوراقها النضرة الكبيرة، كانت الشجرة تقول دائمًا: أيّها المخلوق الصغير! حياتك كلها تتكون من يوم واحد فقط، كم هي قصيرة، يجب أن تكون حزينًا للغاية.
كان المخلوق الصغير يجيب دائما: كآبة! ماذا تعني؟ كل شيء من حولي مشرق بشكل رائع ودافئ وجميل، ممّا يجعلني سعيدًا، فكانت ترد الشجرة وتقول: ولكن ليوم واحد فقط، وبعد ذلك ينتهى كل شي، كررت الذبابة: ما معنى كل شيء؟ هل انتهيت أيضًا؟ لا، سأعيش على الأرجح لآلاف أيامك، ويومي يمتد إلى مواسم كاملة، إنّها فترة طويلة جدًا بحيث لا يمكنك حسابها أبدًا .
ثم أكملت الذبابه: أنا لا أفهمك، قد يكون لديك الآلاف من أيامي، لكن لدي آلاف اللحظات التي يمكنني أن أكون فيها سعيدًا ومرحًا، هل يتوقف جمال العالم عندما تموت؟ ثمّ قالت شجرة البلوط إلى الزهرة الصغيرة المسكينة! يا لها من حياة قصيرة للغاية! وهكذا في كل يوم صيفي كان رقص الحشرات يتكرر وطرح الأسئلة نفسها تكرره شجرة البلوط، والإجابات نفسها.
ظلّت شجرة البلوط مستيقظة في صباح الربيع وظهيرة الصيف ومساء الخريف، وحان وقت الراحة حيث اقترب الليل، وكان الشتاء قادمًا وكانت العواصف تغني بالفعل لشجرة البلوط وتقول: ليلة سعيدة سوف نهزك ونهدئك، اذهبي للنوم، سنغني لك حتى تنامي، نامي بلطف، إنّها ليلتك الثالثة والستين، أنت مجرد شابة في هذا العالم، وستسقط الغيوم عليك ثلجًا، وسيكون غطاءً رائعًا ودافئًا ومأوى لقدميك.
ثمّ وقفت هناك شجرة البلوط ، مجردة من كل أوراقها، وتُركت للراحة طوال فصل الشتاء الطويل وكانت تحلم بأحلام كثيرة من الأحداث التي حدثت في حياتها، كما في أحلام البشر، كانت الشجرة العظيمة صغيرة في يوم من الأيام، وفقًا للحسابات البشرية، كانت الآن في القرن الرابع من وجودها حيث كانت أكبر وأفضل شجرة في الغابة، كانت قمتها تعلو فوق كل الأشجار الأخرى، ويمكن رؤيتها بعيدًا من البحر، بحيث كانت بمثابة معلم للبحارة.
لم يكن لديها أي فكرة عن عدد الكائنات في أعلى فروعها حيث قامت حمامة الخشب ببناء عشّها، وقام الوقواق بأدائه الصوتي المعتاد فوقها، وترددت ملاحظاته الشهيرة وسط الأغصان، وفي الخريف، عندما بدت الأوراق وكأنَّها صفائح نحاسية مطروقة، كانت الطيور العابرة تأتي وتستريح على الأغصان قبل أن تطير عبر البحر.
لكن الآن في فصل الشتاء، وقفت الشجرة بلا أوراق حتى يتمكن كل شخص من رؤية مدى انحناء الأغصان التي نبتت من الجذع حيث جائت الغربان بالتناوب وجلست عليهم، وتحدثت عن الأوقات الصعبة التي مرَّت بها ومدى صعوبة الحصول على الطعام في الشتاء، لقد كان وقت عيد الميلاد المجيد عندما حلمت الشجرة بالحلم.
كان للشجرة نوع من الشعور بأنّ وقت الأعياد قد حان، وفي حلمها تخيلت أنّها سمعت الأجراس تدق من جميع الكنائس حولها، ومع ذلك بدا لها أنّه يوم صيفي جميل، معتدل ودافئ حيث تداعب أشعة الشمس بين الأوراق والأغصان، ويمتلئ الهواء برائحة العشب والزهر حيث طاردت الفراشات الملونة ، ورقص ذباب الصيف حولها، كما لو أنّ العالم قد خُلق لهم فقط للرقص والاستمتاع به.
كل ما حدث للشجرة خلال كل عام من حياتها بدا وكأنه يمر أمامها، كما في موكب احتفالي حيث رأت فرسان العصور القديمة والسيدات النبيلات يركبن عبر الخشب على جيادهن الشجاعة مع أعمدة تلوح بقبعاتهن، والصقور على معاصمهنَّ، وشهدت دويَّ بوق الصيد ونبح الكلاب نبح، ورأت المحاربين الذين قد نصبوا خيامهم، واشتعلت النيران مرَّة أخرى، وغنى الرجال وناموا تحت مأوى الشجرة المضيافة.
رأت العشاق يجتمعون في سعادة هادئة بالقرب منها في ضوء القمر، ونحتوا الأحرف الأولى من أسمائهم في اللحاء الأخضر الرمادي على جذعها مرَّة واحدة، ولكن سنوات طويلة قد تدخلت منذ ذلك الحين تم تعليق القيثارات على أغصانها من قبل مسافرين مرحين، الآن يبدو أنّهم معلقون هناك مرّة أخرى، وكان بإمكانها سماع نغماتهم الرائعة.
هتف الحمام وكأنّه يشرح مشاعر الشجرة، ونادى الوقواق ليخبرها بعدد أيام الصيف التي لم يعيشها بعد، ثم بدا الأمر كما لو أنّ الحياة الجديدة كانت مليئة بالإثارة من خلال كل ألياف الجذور والساق والأوراق، وشعرت الشجرة بأنّها تتمدّد وتنتشر، بينما من خلال الجذر تحت الأرض، كانت الحياة دافئة، وأصبحت أغصانها العليا أوسع وأكثر امتلاء، وانبثق معها شوق بهيج للنمو لأعلى حتى تصل إلى الشمس الدافئة والمشرقة نفسها.
كانت أغصانها العليا قد اخترقت الغيوم التي تطفو تحتها كقوات من طيور عابرة أو بجعات بيضاء كبيرة وبدت كل ورقة كما لو كانت لها أعين لترى، وأصبحت النجوم مرئية في وضح النهار كبيرة ومتألقة، مثل العيون الصافية والناعمة، كانت هذه لحظات رائعة وسعيدة للشجرة العجوز ومليئة بالسلام والفرح، ومع ذلك، في خضم كل هذه السعادة شعرت الشجرة برغبة وشوق في أن تتمكن جميع الأشجار والشجيرات والأعشاب والزهور الأخرى التي تحتها من الارتفاع، وأن ترى كل هذه الروعة وتجرب نفس السعادة.
لا يمكن أن يكون خشب البلوط المهيب الكبير سعيدًا في خضم متعته، في حين أن البقية، الكبيرة والصغيرة، لم تكن معها وكان هذا الشعور بالشوق يرتجف من خلال كل فرع، من خلال كل ورقة كانت قمّة الشجرة تتأرجح جيئة وذهابا، وانحنت للأسفل وكأنّها تبحث في شوقها الصامت عن شيء ما.
ثم جاءت إليها رائحة الزعتر تليها رائحة أقوى من زهر العسل والبنفسج، و مطولاً كان شوقها راضيًا حيث من خلال الغيوم، ظهرت القمم الخضراء لأشجار الغابة وتحتها، رأتها شجرة البلوط ترتفع وتنمو أعلى فأعلى، وكانت شجرة البتولا هي الأسرع على الإطلاق، مثل وميض البرق حيث انطلق جذعها النحيف للأعلى في خط متعرج، وكانت تنتشر الفروع حوله مثل الرايات.
بينما كانت تصعد الطيور مع لحن الأغنية على قطعة من العشب ترفرف في الهواء مثل شريط أخضر طويل، جلس جندب ينظف جناحيه بساقيه، وغمغم النحل، وغنّت الطيور كل على طريقته، وامتلأ الهواء بأصوات الترانيم والبهجة، فسألت شجرة البلوط: ولكن أين الزهرة الزرقاء الصغيرة التي تنمو بجانب الماء؟ وزهرة الجرس الأرجواني والأقحوان؟ فأجابت الأزهار:ها نحن هنا، بصوت وأغنية.
ثمّ سألت الشجرة: لكنّ الزعتر الجميل في الصيف الماضي، أين هو؟ وزنابق الوادي التي غطّت الأرض العام الماضي بزهرتها؟ وشجرة التفاح البرية بأزهارها الجميلة وكل مجد الخشب الذي ازدهر سنة بعد سنة؟ فأجاب الجميع: نحن هنا، نحن هنا وكانت أصواتهم أعلى في الهواء، قالت البلوط بنبرة مبهجة: لماذا هذا جميل، أجمل من أن نصدقه، لدي كل منهم هنا، سواء كان صغيرًا أم كبيرًا، لم أنسى أحد، هل يمكن تخيل هذه السعادة؟
وشعرت الشجرة القديمة، وهي لا تزال تنمو للأعلى، أن جذورها تنفصل عن الأرض، قالت الشجرة: هذا صحيح، إنّه الأفضل، لا توجد قيود على قلبي الآن، يمكنني الطيران إلى أعلى نقطة في النور والمجد، وكل ما أحبه معي، صغيرًا وكبيرًا، الكل هنا.
كان هذا هو حلم شجرة البلوط القديم، وبينما كانت تحلم، هبت عاصفة قوية على الأرض والبحر، في وقت عيد الميلاد المقدس، وتدحرج البحر في تدفقات كبيرة باتجاه الشاطئ، وسُمع صوت طقطقة وسحق في الشجرة كانت تمزق الجذر من الأرض في اللحظة التي تخيلت في حلمها أنّه يتم فكها من الأرض، ثمّ سقطت ثلاثمائة وخمسة وستون سنة من عمرها في هذا اليوم الذي كان سبب زوالها.
وفي صباح يوم عيد الميلاد، عندما أشرقت الشمس توقفت العاصفة، ومن جميع الكنائس دقت أجراس الأعياد، ومن كل موقد حتى من أصغر كوخ، ارتفع الدخان إلى السماء الزرقاء مثل دخان قرابين الشكر الاحتفالية، وهدأ البحر تدريجيًا، وعلى متن سفينة كبيرة صمدت أمام العاصفة أثناء الليل، تم عرض جميع الأعلام كعلامة للفرح والاحتفال. وصاح البحارة: الشجرة أسفل! البلوط القديم، معلمنا على الساحل! لا بد أنّها سقطت في عاصفة الليلة الماضية، من يمكنه أن يحل محلها؟ واحسرتاه! لا أحد.
كانت هذه جنازة على الشجرة القديمة، قصيرة، ولكن تفي بالغرض وهناك كانت ممدودة على الشاطئ المغطى بالثلج، وفوقها دقت نغمات ترنيمة من السفينة نشيد لفرح عيد الميلاد وفداء روح الإنسان.