أمرنا رسولنا الكريم بالرفق بالحيوانات؛ فهي مسّخرة لخدمتنا، سنحكي في قصة اليوم عن رجل كان يعذّب حماره، ورآه القاضي فقرّر أن يشتري الحمار منه ليجعله يتخلّص من حياة الشقاء والقسوة، ولكن بعد مدّة من الزمن حنّ هذا الحمار الأصيل لصاحبه، وعندما عاد لصاحبة ندم الرجل على معاملته السيئة وعدم تقديره لهذا الحمار الأصيل.
قصة الحمار الأصيل
في إحدى المدن كان هناك قاضي عادل حسن الخلق وطيب القلب يجازي الشخص على إحسانه بالإحسان، كان يحب أن يتفقّد أحوال شعبه باستمرار؛ لذلك كان الجميع يحبّونه بكل صدق وإخلاص، وكانوا ينتمون له ويأخذون بكل كلامه وآرائه، بالإضافة إلى أنّهم يستقبلونه بكل حفاوة وفرح، وتجد الابتسامة تملأ وجوههم عند رؤيته.
وبينما كان هذا القاضي يتجوّل في أرجاء المدينة كعادته ليتفقّد أحوال الشعب ويتحرّى مشاكلهم وقضاياهم؛ إذ شاهد رجلاً يقوم بضرب وتعذيب حماره بالسوط، تفاجأ القاضي ممّا رأى وقال في نفسه: لماذا يعذّب هذا الرجل حماره، ويحمّله حملاً ثقيلاً؟ يبدو أنّ الحمل فوق طاقة الحمار، وعندما التفت للحمار وجده هزيلاً ونحيلاً يكاد يقوى على المشي، غضب الحاكم ممّا رأى وقرّر أن يذهب ويلوم الرجل على فعلته.
اتجّه القاضي إلى الرجل الذي يضرب حماره وقال له: لماذا تضرب حمارك بتلك القسوة، أوليس هذا الحمار من يساعدك ويحمل عنك متاعك؟ ردّ عليه الرجل: إنّه حمار ضعيف وكسول يا سيدي ولا يريد أن حمل لي متاعي، ردّ عليه القاضي: حسناً أيّها الرجل فربّما يكون حمارك مريضاً ولا يقوى على حمل كل هذا المتاع؛ فأنت تعطيه حملاً مهولاً وليس قليلاً، ردّ عليه الرجل: كلّا يا سيدي القاضي الحمار يستطيع أن يحمل كل هذا المتاع، ولكنّه كسول وعنيد ويعصي الأوامر.
فكّر القاضي قليلاً ثم قرّر أن يشتري هذا الحمار من الرجل؛ رأفةً به لينقذه من التعب والمشقّة التي يتعرّض لها، وعندما عرض القاضي على الرجل أن يشتري منه الحمار تهلّل وجه الرجل من شدّة الفرح؛ فهو يعلم أن القاضي سيدفع له ثمناً جيّداً مقابل شرائه، وافق الرجل على ذلك واشترى القاضي هذا الحمار وعاد به إلى القصر ووضعه في مزرعته الخاصّة.
عندما سمع الجميع بقصّة هذا الحمار تعاطفوا معه لشدّة القسوة والمعاملة السيئة التي تعرّض لها، حظي هذا الحمار بمعاملة حسنة من قبل الجميع لدى هذا القاضي؛ فكانوا يحمّونه بشكل يومي حتّى أصبح لونه سكني لامع، وكانوا أيضاً يقدّمون له أطيب الطعام؛ فكان يأكل الخضار وحتّى الشوفان حتّى بدأ يتعافى شيئاً فشيئاً وأصبح بصحّة جيّدة.
بعد مدّة من الزمن أصبح أحفاد القاضي أصدقاء لهذا الحمار؛ حيث كانوا يأتون في أوقات إجازاتهم ويمضون معه أوقاتاً ممتعة بالركض واللعب، عندما انقضت فترة الإجازة شعر الحمار بالاشتياق الكبير لهؤلاء الأطفال، وحتّى شعر باشتياقه للتجوال في السوق؛ فجلس ذات يوم على طرف المزرعة وهو يشعر بالحنين والحزن الشديد لأنّه لم يكن يعلم ماذا سيفعل.
أمضى الحمار عدّة أيّام في حزنه الشديد، وفي مرّة من المرّات كان الحمار يمشي في الحديقة، وكان القاضي داخل قصره شاهد التلفاز، نظر الحمار من فتحة النافذة؛ فوجد القاضي يشاهد التلفاز وكان قد يعرض بعض المشاهد للسوق وأهل السوق، التفت القاضي ووجد الحمار يقف خلفه وهو حزين، وعندما اقترب منه وسأله عن سبب حزنه، أخبره الحمار أنّه قد اشتاق للسوق والتجوال به، وأنّه قد اشتاق لحمل البضائع والأحمال أيضاً.
تفاجئ القاضي ممّا سمعه من الحمار وقال له: أولم يكن صاحبك يعاملك بقسوة ويضربك، لماذا تحنّ لتلك الأيام؟ فأخبره الحمار أنّه قد اعتاد على هذا النمط من العيش؛ فهو يحب التجوال في الأسواق وحمل البضائع، ولكن طلب من القاضي أن لا يعيده إلى صاحبه الرجل إلّا إذا وعده بعدم ضربه مرّةً أخرى واعتنى به جيّداً.
على الرغم من اندهاش القاضي من طلب الحمار إلّا أنّه قرّر أن ينفّذه له، وعندما ذهب القاضي والحمار للبحث عن هذا الرجل وجدوه بحالة ليست جيّدة؛ حيث كان قد أنفق المال الذي أعطاه له القاضي ثمناً للحمار، ولم يتبقّ معه شيء، وكان يحمل البضائع والأحمال على ظهره، وكان متعباً من ذلك، حزن الحمار لحاله وعندما رآه صاحبه، اقترب منه واعتذر منه على قسوته معه.
نظر القاضي للرجل وقال له: يجب عليك أن تقدّر قيمة هذا الحمار الأصيل الذي قد جنّ لصاحبه على الرغم من القسوة التي كان يتعرّض لها، وفضّل أن يعينك بدلاً من الحياة الرغيدة التي كان يعيشها، اعتذر الرجل ووعد القاضي أن يعتني بالحمار وأن يقدّر قيمته وأن لا يهمله مرّةً أخرى، انطلق الرجل والحمار سويّةً وعاد الحمار يساعد هذا الرجل ويعينه.