قصة الرجل الذي لم يضحك قط أو (The Man who never Laughed) هي حكاية من الحكايات الشعبية الشرقية للمؤلف تشارلز جون تيبيتس، تم نشرها عام 1889.
الشخصيات:
- الشيخ.
- الفتى.
- الملكة.
قصة الرجل الذي لم يضحك قط:
كان هناك رجل من أصحاب البيوت والثروات، له ثروة وخدم وعبيد وممتلكات أخرى، وعندما مات ترك ولدًا صغيرًا خلفه، ولما كبر الابن كان يسمع آلات الموسيقى والأغاني، كان متحررًا ويعطي الهدايا، ينفق الثروات التي تركها له والده حتى ذهب كل المال، ثم باشر ببيع العبيد وممتلكات أخرى، وأنفق كل ما لديه من ثروة أبيه وأصبح فقيرًا لدرجة أنه عمل مع العمال.
مكث في هذه الحالة لمدة سنوات، وبينما كان جالسًا ذات يوم تحت جدار ينتظر ليرى من سيوظفه، اقترب منه رجل حسن المظهر واللباس وسلم عليه، فقال له الغلام: يا عم هل عرفتني من قبل؟ فقال له الرجل لم أعرفك يا بني قط. لكنني أرى آثار الغنى عليك رغم أنك في هذه الحالة، فأجاب الشاب: يا عم، ها هو القدر قد تحقق، ولكن هل لك، أيها العم اللطيف، أي عمل توظفني فيه؟ فقال له الرجل: يا بني أريد أن أوظفك في عمل مريح.
سأل الشاب: وما هو يا عمي؟ فأجابه الرجل: معي عشرة مشايخ في دار واحدة وليس عندنا من يفي باحتياجاتنا، ستأخذ منا من المأكل والملبس، ما يكفيك وستخدمنا وستأخذ منا نصيبك من الفوائد والمال، ربما أيضًا سيرد لك الله ثروتك عن طريقنا، فأجاب الشاب: أنا أسمع وأطيع ما قلته، فقال له الشيخ: عندي شرط لأفرضه عليك، فسأل الشاب: وما هو يا عم، فأجابه: يا بني، يجب أن تحافظ على سرنا فيما يتعلق بالأشياء التي ترانا نفعلها، وعندما ترانا نبكي يجب عليك احترام سبب بكائنا، فأجاب الشاب: حسنًا يا عمي.
فقال له الشيخ: يا بني، تعال معنا متكلًا على نعمة الله تعالى، تبع الشاب الشيخ إلى أن أدخله إلى الحمام ليستحم؟ وبعد ذلك أرسل رجلًا فأتى له برداء كتان جميل فلبسه بها وذهب معه إلى منزله ورفاقه، ولما دخل الشاب وجده قصرًا مرتفعًا ، ذو زوايا عالية وواسعة وغرف متقابلة وصالونات، كان في كل صالون ينبوع ماء والطيور تتدحرج فوقه، وكانت هناك نوافذ تطل من كل جانب على حديقة جميلة داخل القصر.
أدخله الشيخ إلى إحدى الغرف فوجدها مزينة بالرخام الملون، سقفها مزين بالذهب الأزرق والذهبي اللامع، مغطى بسجاد من الحرير فوجد فيه عشرة مشايخ جالسين متقابلين، يرتدون ثياب النوح والبكاء، فتساءل الشاب عن حالتهم، وكان على وشك أن يستجوب الشيخ الذي أحضره، لكنه تذكر ما أخبره به الشيخ عن عدم سؤالهم عن سبب بكائهم وبالتالي حجب لسانه.
ثم أعطى الشيخ للفتى صندوقاً فيه ثلاثون ألف قطعة ذهب قائلًا له: يا بني أنفق علينا من هذا الصندوق وعلى نفسك بالعدل، كن أمينًا واعتني بهذا الأمر الذي وثقت بك للقيام به، فأجاب الشاب: سمعاً وطاعة، استمر في الإنفاق عليهم نهارًا وليلاً حتى توفي بعدها أحدهم، فأخذه أصحابه وغسلوه وكفنوه ودفنوه في حديقة خلف القصر، بدأ الموت بأخذهم الواحد تلو الآخر، حتى بقي الشيخ الذي استأجر الشاب لوحده.
فأقام مع الشاب في ذلك القصر ولم يكن معهم ثالث، وبقوا هكذا لمدة سنوات ثم مرض الشيخ فقال: ولما يأس الشاب من حياته خاطبه بلطف وحزن عليه وقال له: يا عمي خدمتك ولم أتقاعس في خدمتك ساعة واحدة لمدة اثنتي عشرة سنة، وتصرفت بأمانة معك وخدمتك حسب قوتي وقدراتي، فأجاب الشيخ: نعم يا بني، لقد خدمتنا حتى أخذ الله أرواح هؤلاء المشايخ ولا بد لنا جميعًا من الموت.
فقال الشاب: يا سيدي، أنت في حالة خطر وأرغب منك أن تخبرني ما سبب بكائك واستمرار بكائك وحزنك فأجاب: يا بني، أنت لا تهتم بذلك وتطلب مني ألا أفعل ما لا أستطيع، لأني توسلت إلى الله تعالى أن لا يذل أحد بمذلتي، الآن إذا كنت ترغب في أن تكون في مأمن مما وقعنا فيه، فلا تفتح ذلك الباب وأشار إليه بيده، وحذره منه. وإن أردت أن يصيبك ما حل بنا افتحه وستعرف سبب ما شاهدته في سلوكنا.
ثم زاد المرض على الشيخ فمات، فغسله الشاب بيديه وكفنه ودفنه عند أصحابه، وبقي في ذلك المكان حيث امتلكه وكل الكنز الذي فيه، ولكن مع ذلك كان مضطرباً يفكر في سلوك المشايخ، وبينما كان يتأمل في يوم من الأيام في كلام الشيخ، وإخباره ألا يفتح الباب، خطر له أن ينظر إليه، فسار في ذلك الاتجاه وبحث حتى رأى بابًا أنيقًا نسج العنكبوت خيوطه عليه وأربعة أقفال من الصلب.
ً
فلما رآه تذكر كيف نبهه الشيخ وذهب عنه، وبقي مدة سبعة أيام يصارع نفسه، ولكن في اليوم الثامن تغلبت عليه روحه، وقال: يجب أن أفتح ذلك الباب وأرى ما سيحدث لي نتيجة لذلك، لأنه لا شيء سوف يصد ما قدّره الله الذي تعالى اسمه! ولن يحدث أي حدث إلا بإرادته، فقام وفتح الباب بعد أن كسر الأقفال، ولما فتح الباب رأى ممرًا ضيقًا سار فيه مدة ثلاث ساعات حتى جاء على ضفة نهر عظيم.
بعد هذا تساءل الشاب، وسار على طول الضفة ينظر يميناً ويساراً، ثمّ نزل نسر عظيم من فوقه، وحمل الشاب بمخالبه وطار معه بين السماء والأرض، حتى نقله إلى جزيرة في وسط البحر، فطرحه أرضًا وذهب عنه، فتحير الشاب من حالته وهو لا يعلم إلى أين يذهب، ولكن بينما كان جالسًا ذات يوم، ظهر له شراع سفينة على البحر كنجم في السماء.
لذلك فرح قلب الشاب على أمل أن يهرب فيها، وظل ينظر إليها حتى اقتربت منه، وعندما وصلت، كانت مجاديفهما من خشب الصندل، كانت كلها مغطاة بصفائح من الذهب اللامع. وكان فيه أيضاً عشر فتيات جميلات كالأقمار، فلما رأته البنات نزلن عليه وقبلنّ يديه قائلات له: أنت الملك، أيها العريس، ثم تقدمت إليه فتاة كانت مثل الشمس الساطعة وفي يدها منديل من الحرير، كان فيه رداءً ملكيًا وتاجًا من الذهب مرصّعًا بأنواع مختلفة من الياقوت.
بعد أن تقدمت إليه ألبسته له وتوجته، وبعد ذلك حملنه الفتيات بين أذرعهن إلى السفينة وحيث جد فيه أصنافًا من سجاد الحرير بألوان مختلفة ثم قمن بنشر الأشرعة، ومضوا في أعماق البحر، يقول الشاب: الآن عندما بدأت معهم، شعرت بالثقة في أن هذا كان حلمًا، ولم أكن أعرف إلى أين يذهبون معي، وعندما وصلنا الأرض، رأيت أنها مليئة بقوات يرتدون المعاطف.
قدّموا لي خمسة خيول معلّمة بسروج من ذهب مرصّعة بأنواع مختلفة من اللآلئ والأحجار الكريمة، وأخذت حصانًا من بين هؤلاء وركبت عليه حيث مضى الأربعة الآخرون معي، وعندما صعدت تم وضع الرايات واللافتات فوق رأسي وضربت الطبول وانقسمت القوات إلى فرقتين، يمين ويسار.
تذبذبت في الرأي فيما إذا كنت نائمًا أو مستيقظًا، ولم أتوقف عن التقدم غير مؤمن بحقيقة موكبي الفخم، ولكن تخيلت أنه كان نتيجة أحلام مشوشة حتى رأينا مرجًا أخضر، وفيها قصور وحدائق وأشجار وأنهار وأزهار وطيور تعلن كمال الله الواحد القدير، والآن خرج جيش من بين تلك القصور والجنائن مثل السيل الذي كان ينهمر حتى ملأ المرج. عندما اقتربت القوات مني، رحبوا بي وتقدم من بينهم ملك تجاهي .
فلما اقترب الملك من الشاب نزل عن ساقه، ولما راه الشاب يفعل هكذا نزل أيضاً، وكانوا يحيون بعضهم البعض بأجمل التحية، ثم امتطوا خيلهم، فقال الملك للفتى: رافقنا لأنك ضيفي، فمضى معه الشاب وتحدثا معًا، بينما كانت القوات الفخمة تسير أمامهم إلى قصر الملك حيث نزلوا، ودخلوا جميعًا مع الملك والشاب، كانت يد الشاب بيد الملك فجلسه على عرش الذهب وجلس بجانبه.
عندما أزال الملك اللثام من وجهه، كان هذا الملك المفترض فتاة كالشمس الساطعة وسيدة الجمال والروعة والأناقة والكمال، رأى الشاب الثراء الهائل وتساءل عن جمال الفتاة، فقالت له الفتاة: اعلم أيها الملك أني ملكة هذه الأرض، وكل هذه الجيوش التي رأيتها، بما في ذلك كل واحدة من الفرسان والمشاة من النساء ليس بينهم رجال، الرجال بيننا في هذه الأرض يحرثون ويزرعون ويحصدون ويعملون في فلاحة الأرض، وبناء المدن وترميمها، وفي رعاية شؤون الناس، من خلال السعي وراء كل أنواع الفن والتجارة.
أما النساء فهن القضاة والجنود وتساءل الشاب في هذا الأمر للغاية، وفيما هم يتكلمون هكذا دخل الوزير حيث كانت امرأة عجوز شعرها أشيب لها حاشية عديدة وذات مظهر جليل وكريم، فقالت لها الملكة أحضري لنا الشهود، والتفتت الملكة نحو الشاب تتحدث معه وتبدد خوفه بالكلام الطيب، ووجهت إليه خطابًا بلطفًا، فقالت له: هل ترضى أن أكون زوجتك؟
فقال: يا سيدتي أنا أقل من العبيد الذين يخدمونك، فقالت له: ألا ترى هؤلاء العبيد والجنود والمال والكنوز؟ أجابها: نعم، فقالت له كل هؤلاء تحت تصرفك، يجب أن تستفيد منها وتعطيها وتمنحها ما يناسبك، ثم أشارت إلى باب مغلق، وقالت له: ولكن يجب أن لا تفتح هذا الباب لأنك ان فتحته ستندم ولن ينفعك التوبة والندم، لم تنته كلماتها عندما دخلت الوزيرة مع الشهود، وجميعهم نساء كبيرات في السن، وشعرهن منتشر على أكتافهن، وعندما جئن أمام الملكة، أمرتهم بأداء مراسم عقد الزواج، وبذلك تزوجت من الشاب.
أخذها الشاب زوجة له ومكث معها سبع سنوات حيث مضى فيها حياة أكثر بهجة وراحة وسعادة، لكنه تأمل ذات يوم فتح الباب، فقال: لولا وجود كنوز عظيمة بداخله أفضل مما رأيتها، لم تمنعني من فتحه، ثم قام وفتح الباب وإذا بداخله كان الطائر الذي حمله من شاطئ النهر العظيم وأودعه على الجزيرة، وعندما نظر له الطائر، قال له: لا مرحباً بكم في وجه لن يكون سعيداً أبداً.
فلما رآه وسمع كلامه هرب منه، لكنه تبعه وحمله وحلّق معه بين السماء والأرض وأودعه في المكان الذي حمله منه، وبعد ذلك اختفى، عندئذ جلس في ذلك المكان وعاد إلى عقله، وتفكر فيما رآه من رفاهية ومجد وكرامة، وركوب الجيوش أمامه والأمر والنهي وبكى وناح، ثمّ بقي على ضفة النهر العظي حيث وضعه هذا الطائر لمدة شهرين متمنياً أن يعود إلى زوجته، ولكن بينما كان في إحدى الليالي مستيقظًا، ينوح ويتأمل، تحدث أحدهم وسمع صوته، لكنه لم ير شخصه وكان ينادي: ما أعظم النعيم.
فلما سمع الشاب ذلك يأس من لقاء تلك الملكة مرة أخرى، والعودة إلى الثراء الذي كان يعيش فيه، ثم دخل إلى القصر الذي كان يسكن فيه المشايخ، وعلم أنهم قد أصابهم مثل ما أصابه، وأن هذا سبب بكائهم وحدادهم. لذلك عذرهم. ودخل غرفته، ولم يكف عن البكاء والنواح، وترك الأكل والشرب والضحك حتى مات ودفن بجانب المشايخ.