يُعتبر المؤلف والأديب ناصر فاضلوف وهو من مواليد دولة كازاخستان من أشهر الكتاب وأبرزهم في القرن التاسع عشر، حيث لاقت الروايات والقصص التي خرج بها صدى واسع حول العالم، وهذا ما جعل الأدباء يترجمون كافة إصداراته إلى اللغة الأوزبكية وإلى لغات مختلفة حول العالم، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة السجان.
قصة السجان
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شخصية رجل يمتلكه ولع شديد بحمل المفاتيح وبإغلاق الأبواب، وقد كان مولع بذلك الشيء إلى حد أنه كان يشبه ولعه أحد أنواع الأمراض المزمنة، وقد تسبب له هذا الولع في أن يخسر عمله الرشيد، الذي كان قد سعى إليه فترة طويلة جداً، كما أنه حاول بكافة الطرق والوسائل من أجل الوصول، كما كان قد بذل النفيس والغالي من أجل ذلك العمل.
كما كان ذلك الرجل من الأشخاص الذين يعتصر في داخله الغيظ والكراهية والحقد العظيم، كما يضمر الحسد والكره لجميع من هم حوله، فلم يكن إنسان طبيعي على الاطلاق، وعلى أثر ذلك تم فصله من العمل، وكان كلما تذكر أن هناك رجل آخر ذو آراء الديمقراطية ويدافع عن الحرية ويحمل لواء الشورى يجلس الآن في المكان الذي طالما حاول الوصول إليه، ويجلس ذلك الرجل على كرسيه المصنوع من مادة الجلد الفخم والمنجد بطريقة مهيبة، يزداد حقداً وكرهاً، حيث قام الرجل الذي احتل مكانه بفتح الأبواب المحكمة الإغلاق والإلقاء بالمفاتيح التي كان متعلق بها إلى درجة كبيرة في مكان مظلم، إذ أكلها الصدأ وأصبحت أمر منسي.
وتم تبرير فصله عن عمله بأن القوة الديمقراطية في ذلك البلد وإرادة الشعب والذي كان مثقف وواعي إلى حد كبير، هي من ضغطت على الدولة من أجل العمل على إبعاده وإقصائه عن وظيفته الغالية عليه، وقد كانت حجة من ينادي بإقالته أنه يقوم بقمع الحريات ويعامل الناس وكأنهم في مزرعة أغنام وأنه كان يشببهم بالأنعام السائمة الضالة التي لا تعرف طريقها الصحيح والسوي، وأنه كان يصر على قفل الأبواب عليها وحصرها في مكان محدد كي تكن في مكان بعينه ولا يجب عليهم أن يختلطوا بالبشرية، وكما قيل له أيضاً إن كافة الشعب بات ينعي عليه حبه إلى لبابه الأصم ومفاتيحه الخرساء وما عادت الدولة قادرة على السيطرة على غضب الشعب ومواجهته.
لذلك كانت الدولة تقر له بأنه كان يتوجب عليه أن يقوم بفتح الأبواب أمام الشعب وإخفاء المفاتيح بين الحين والآخر، ولكن تعلقه بها لم يسمح له بذلك، وعلى الرغم من كل ذلك يكاد يجزم بأن السبب وراء إبعاده هي في الحقيقة الدولة بحد ذاتها، وذلك خوفًا من أن يطمح في المستقبل إلى الحكم الذي كان حلمه المختبئ في الداخل ويغطي عليه بغمامة سوداء، وأن حجة غضب الشعب المثقف الواعي، ما هي إلا مجرد حيلة مرتبة توافقت مع رغبة الدولة.
وقد كان متأكد من رؤيته للحقيقة كما يرى نور الشمس من أن قلق دولته من نفسه الحقودة والشرسة ومن المكائد التي كان يضمرها بشكل قاتم، وذلك الأمر هو ما منعها من التفكير في عزله عن العمل بشكل نهائي، إذ منحته فرصة في أن يعمل كمنتدب في مكان آخر، وقد كان هذا المكان في الجهاز الأمني للسجناء.
وهذا العمل كان عملًا أصغر بكثير من طموحاته التي كان يسعى من أجل الوصول إليها وهي كذلك من وجهة نظره لا تناسب مقامه، وفي الجهاز الأمني تم تعيينه كعين حارسة لأحد السجناء كان من المعارضين الشديدين لنظامه القاسي في السابق، والذي لا يجلب الخير أبداً، إذ كان يدعوه السجناء بالمستبد والطاغية، كان هذا السجن يوجد في مكان معتم جداً في جوف الصخر، والسجين الذي وكل عليه يقطن في هذا المكان بالسجن كما كان المكان يسوده الظلام ولا يدخل عليه ضوء الشمس على الاطلاق.
وعلى الرغم من ظلمة هذا المكان، لكن الرجل المستبد كان يشعر بالسعادة العارمة جراء أنه يجلس على صدر ذلك الشخص الذي كان معارض لجبروته قديماً، فقد كان فرحاً برؤيته لذلك السجين بأنه يقضي عمره يصلى بنار القيود، فقد كان الحقود يشتهي تعذيبه بكل طرق ووسائل التعذيب، وقد عزم الحقود أن يضيق عليه المكان أكثر فأكثر، فأمره بالتزام الصمت طول الوقت، وأنه لا ينبغي عليه التفوه بأي كلمة لأي سبب كان، وهنا عمل على اتخاذ مكان مناسب لنفسه؛ وذلك من أجل أن يبقى على الدوام يراقب تصرفات وسلوكيات السجين طوال الوقت.
إلى أن وصل به الأمر إلى أن يقوم بمراقبة السجين عند دخوله إلى الحمام، فقد كان هدفه من ذلك هو منعه من أن يسعد بخلوة أو خصوصية مع نفسه، كما عمل أيضاً على تقليص مدة إجازته إلى أقصى حد، كما قام بإطالة ساعات دوامه في ذلك المكان، حتى وصل إلى مرحلة أن يقضي في عمله إقامة دائمة؛ وذلك حتى يتمكن من أن يكون العين الشريرة الرقيبة على ذلك السجين، كما قام في ذلك الوقت على منع أي زيارة أو مقابلة صحفية مع السجين، كما حرص على عدم وصول أي صحف أو خبر طائر من هنا وهناك إلى زنزانة السجين.
وفي كل يوم كان يشعر بالفرح إذ شاهد السجين يذوي بالقهر والحزن على حاله، ونظراً للحالة التي كان بها السجين بدأ يعتقد إن كان السجين قد مات في بعض الأحيان، وحين يتأكد بأنه ما زال على قيد الحياة يشك في أنه يعاني من أزمة نفسية حادة، وخصوصاً حينما يراه يمتنع عن تناول الطعام أو الشراب.
وقد كان يحلم على الدوام أن يمسك السجين من رقبته وأن يلقي قبضته على عنقه، وأن لا يسمح له بمزيد من الحرية حتى يطلق العنان إلى متعته التي كانت متمثلة في إقفال الأبواب وحمل المفاتيح والقيام بخنق خلق الله خلف أبواب روحه المؤصدة، فقد كان لا يفهم المعنى من تلك النظرة الحانية التي يراها في عيني السجين، على مدار عشرين عاماً قضاها معزول في هذا السجن مع السجين، والذي كان بسبب جبروته وعظمته وطغيانه ذلك قد نسي حياته.
وما كان له أن يعلم أن السجان يشفق عليه ويرثي لحاله إذ قضى كل تلك الفترة وهو مسجون معه دون أن يدري بنفسه وبحياته، فقد كان الفارق بين السجين والسجان هو أن أحدهما كان مسجون في داخل الزنزانة المظلمة العتيقة، والآخر خارج الزنزانة في مكان مظلم وعتيق كذلك، والفاصل الوحيد بينهم هو أن المفتاح حديدي الذي كان قد تأكل من شدة الصدأ، حيث بات منذ عشرين عاماً في يد السجان الذي وهن عظمه وما وهن لؤمه وحقده وكراهيته للبشر.