نسمع الكثير من القصص عن الظلم والمظلومين، سنحكي في قصة اليوم عن رجل يعمل أمين لبيت المال، ولأنّ هذا الرجل كان أميناً، أثار السلطان ضدّ التجّار أصحاب الثروات، ممّا سبّب له الهرب خارج البلاد، حدثت معه الكثير من المغامرات، ولكنّه صادف بسفره شيخ جليل وعلم بقصّته وساعده.
قصة السلطان ويوسف
في إحدى الممالك القديمة كان هنالك رجل يعيش في قصر السلطان ويعمل مع رجالاته واسمه يوسف، كان لدى يوسف مشكلة صغيرة هو أنّه دائماً يعبّر عن رأيه بصراحة، وفي يوم من الأيام عندما كان يجلس بحضرة السلطان إذ كانوا يتحدّثون بشأن فرض الضرائب؛ فقال يوسف: إن الشعب لا يملك المال، بل التجّار لديهم ثروة ويقومون بإخفائها.
سبّب له هذا الأمر بالطرد من مجلس السلطان، وليس ذلك فقط بل إن رجالات السلطان صاروا يلاحقونه في كل في كل مكان؛ حيث إن كلام هذا الرجل كان عبارة عن إثارة للسلطان ضد التجار، بالإضافة لتصريحه بأن التجّار يستفيدون من ثروات السلطان، وكان هنالك بعض التجّار يقولون عنه بأنّه كان يأخذ من أموال الصندوق بحجة التصدّق على الفقراء، بل كان يأخذها لنفسه.
ومن شدّة حقد التجّار عليه صاروا يحرّضون السلطان ضدّه، ممّا سبّب أن يستدعيه السلطان ويحقّق معه بشأن المال الذي أخذه من صندوق الدولة، ولسوء حظّه أنّ السلطان أمر بإحضار أقاربه أيضاً؛ فهم كانوا من ضمن المسؤولين عن بيت المال كذلك، شعر يوسف أن جميع النّاس صاروا ضدّه، ذهب واستشار أحد أصدقائه فنصحه بالهرب من البلاد؛ لأنّ السلطان ينوي به شرّاً.
تم إصدار الحكم بحق يوسف؛ لذلك لم يجد مفرّاً من هذا الأمر إلّا الهرب من تلك البلاد، ساعده صديقه وأعطاه كيساً من المال ليعين نفسه به، حتّى إنّ الخضر لم يكن لديه الفرصة لتوديع زوجته وابنته العزيزة كي لا يمسك السلطان به، سافر يوسف حتّى وصل إلى بلاد الشام وليس معه من المال ليكفيه، ذهب إلى المسجد ليرتاح به، وقابله إمام المسجد.
اقترب الإمام من يوسف وحاول أن يسأله عن سبب تعبه وحزنه، تظاهر يوسف بأنّه يريد النوم وقال للإمام: هل تسمح لي أن أنام في المسجد هذه الليلة، فردّ عليه الإمام: هنالك قصر خلف هذا المسجد، اذهب إلى هناك واطلب من البواب أن يدخلك ريثما آتي، قال له الإمام هذه الكلمات وخرج من المسجد.
شعر يوسف بالتردّد وقال في نفسه: وكيف سأذهب إلى القصر كي أطلب الطعام والمأوى، وما أدراني لعلّ صاحب القصر على صلة بالسلطان، ولكن خرج الجميع من المسجد وتم إطفاء جميع الأنوار، فلم يجد أمامه إلّا الخروج منه، ذهب يوسف واستطاع أن يعرف القصر بسهولة؛ فقد كان قصراً غاية في الجمال والفخامة.
اقترب يوسف من القصر فوجد الحارس يجلس بجانب البوابات الصغيرة ومعه ضوء، ترّدد من الاقتراب ولكنّه سمع صوت الحارس ينادي عليه ويقول: ماذا تفعل هنا؟ قال له يوسف: لقد أرسلني إمام المسجد، فرحّب به الحارس وأدخله إلى القصر، وعندما دخل يوسف وجد أربعة من الرجال يجلسون على مقعد من الخشب، لم يفكّر في بداية الأمر أن يتحدّث معهم، ولكن يوسف تفاجأ بأن أحد الرجال اقترب منه وقال له: لقد أصبحنا خمسة بوجودك أيّها الغريب.
بدأ يوسف يتساءل ما هو سبب انتظار الرجال في هذا المكان، ظلّ يوسف صامتاً بجانب هؤلاء الرجال، فقال أحدهم: ما بك أيّها الغريب لا تتكلّم هل أنت أبكم أو أخرس؟ كان يبدو على هؤلاء الرجال علامات الفقر والحاجة فردّ عليهم: أنا متعب وأريد الراحة، ضحك الرجال جميعهم على قوله.
فجأةً جاء شيخ كبير ودعاهم إلى العشاء معه، وكان على المائدة جميع أنواع الطعام، وقال الشيخ للرجال: أريد منكم أن تخبروني حكايات مسليّة؛ فأنا أحب سماع الحكايات، وجّه الشيخ نظره أوّلاً إلى يوسف، فصار يقول في نفسه: قد يكون هذا الشيخ عين من عيون السلطان، لماذا اختارني أنا؟ امتنع يوسف عن الحديث، وطلب منه الشيخ أن يحدّثه على انفراد.
عندما حضر يوسف لدى الشيخ قال له: لا تقلق فأنا أعرف بحكايتك كلّها، لقد وصلتني زوجتك وابنتك قبل عدّة أيّام، وأخبرتني بأن يوسف أمين بيت المال قد تم اتهامه ظلماً وهو يهرب الآن من ظلم السلطان، روى الشيخ ليوسف حكاية طويلة بيّن له بها أنّه كان من سكّان بلدته، وهو يعلم بكلّ أخبارها.
قال الشيخ ليوسف: أنا أعلم حكايتك وأعلم بأنّك مظلوم، وأنا أعيش في هذا القصر لخدمة المظلومين، وسأوفّر لك ولزوجتك وابنتك غرفة في هذا القصر، وأمنحك أرضاً لتعمل بها، شعر يوسف بالفرح في ذلك الوقت وقال في نفسه: حقّاً إنّ حق المظلومين لا يضيع عند الله.