تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي صدرت عن الأديب أو هنري، وقد تناول من خلال محتوى القصة الحديث عن شخص كان حلمه أن يقضي مدة فصل الشتاء في أحد السجون؛ وذلك من أجل أن يستمتع بالدفء والطعام الوفير المجاني.
قصة الشرطي والأرعن
في البداية كانت تدور الوقائع والأحداث حول الشخصية الرئيسية وهو رجل يدعى سوبي، حيث أن ذلك الرجل في إحدى الليالي كان يتقلب على مكان منامه المشهور في الحي الذي يقع في دكة في أحد الشوارع الشهيرة والذي يعرف باسم شارع ماديسون، وفي تلك الليلة استيقظ في منتصف الليل على صوت الإوز، وهذا الأمر كان يشير إلى أن فصل الشتاء قد اقترب جداً وأنه سوف يكون شتاء غزير.
حينها أدرك سوبي أنه ينبغي عليه أن يدبر أمور فصل الشتاء المقبل، وهذا ما جعله يتقلب في فراشه ومن ثم يستند ويجلس، وقد كانت احتياجات سوبي لفصل الشتاء ليس بالاحتياجات والطموحات الكبيرة، فلم يكن يطمع إلى أن يقوم برحلة للتنزه في البحار، وإنما كان يحلم بأن يقضي مدة فصل الشتاء ذلك في أحد السجون الذي يعرف باسم الليمان.
وقد كان ذلك السجن هو حلمه منذ عدة سنوات، ففي تلك الأوقات التي كان يتهيأ بها الأغنياء والأثرياء من سكان مدينة نيويورك للانتقال وقضاء فصل الشتاء في جزر بالم بيتش، كان سوبي يضع خطة محكمة من أجل الهجرة إلى السجن، حيث أنه كان مهما جمع من أمور لتدفئة نفسه، فهو لا يحصل على الدفء على الاطلاق، وفي أغلب الأوقات من فصل الشتاء كان يضطر إلى التدفئة على أوراق الصحف والمجلات.
كان سوبي من الأشخاص عفيفي النفس، إذ يرفض الصدقة والإحسان إليه؛ وقد كان السبب خلف ذلك أنه يرى أن المحسنين يدلون بصدقاتهم بمزيج من التكبر وليس الرحمة والعطف، ومن وجهة نظره كان يجد أن السجن هو المكان الرحيم بحاله، وهو أرحم بالفقراء من أولئك المحسنين، وحينما يفكر في اللجوء إلى الملاجئ الخيرية التي يأوي إليها الفقراء في فصل الشتاء يشعر بأن في ذلك الأمر ذل وإهانة لشخصه، وأنه يشعر بذلك الشعور حين يتم سؤاله عن أحواله الشخصية من أجل تقديم الطعام له، وكل تلك الأمور كانت السبب في أنه يرى من وجهة نظره أن السجن هو الخيار الأمثل للإقامة فيه، فهناك لا يتدخل أحد في أموره الشخصية، على الرغم من القيود التي يتم فرضها فيه.
وفي تلك الأثناء قرر سوبي أن يقعد العزم ويتجهز من أجل الرحيل لقضاء فصل الشتاء، وقد فكر في خطة توصل به إلى السجن ولقي أنه من الأفضل أن يقوم بالذهاب إلى أحد المطاعم الشهيرة وطلب وجبة عشاء فاخرة ومن ثم يعلن أنه لا يمتلك أي نقود ويسلم نفسه إلى مركز الشرطة، وبالفعل حاول التسلل إلى أحد المطاعم المشهورة، وفي تلك الليلة كان يرتدي جاكيت لبدلة رسمية مع ربطة عنق أهدتها إليه إحدى الراهبات، وفكر أن طاولة الطعام سوف تخفي نصفه من الأسفل ولن يشك بأمره، إلا أنه فشل في محاولته تلك، إذ لاحظ رئيس الندل في المطعم أمره.
ومنذ ذلك الوقت وقد هب سوبي في التفكير بخطة أخرى، وبالفعل أثناء عودته من المطعم قام بتناول حجر من على الأرض وقذفها باتجاه الواجهة الزجاجية التي تعود إلى أحد المعارض الضخمة وقد حطم الواجهة بأكملها، وهنا تم استدعاء عناصر الشرطة وحين سأله: من فعل هذا؟ فرد سوبي وهو يطغي عليه الهدوء: ألا يمكنك أن تدرك أن لي علاقة بالموضوع؟
إلا أن الشرطي لم يقتنع بكلامه، وقال له: إن الذين يقومون بتحطيم واجهات المحلات، سرعان ما يفرون حين تحضر الشرطة، وهنا شاط سوبي غضباً بسبب فشله لمرتين على التوالي في تحقيق غايته، وبدأ بالالتفات حول محاولاً البحث عن طريقة أخرى، وقد شاهد على الجانب الأخر من الطريق مطعم متواضع بعض الشيء، حينها دخل سوبي إليه وطلب كمية كبيرة من الطعام والحلوى، وبعد أن انتهى أخبر النادل أن يستدعي الشرطة، لكن النادل رد عليه بأن من هم مثله لا يستحقون الشرطة، وقد استدعى زميل له وهما بإخراجه من المطعم ورمياه في الشارع، وهنا نهض ونفض التراب عن ملابسه ووجهه وسار بطريقة.
وفي تلك الأثناء قد خيل إليه أن إلقاء القبض عليه أصبح كالحلم الذي لا يمكن أن يتحقق، إلا أنه فكر أنه لا بد من أن يحقق ذلك، فلا ملجأ له في فصل الشتاء سوى ذلك السجن، وحين نظر أمامه كان هناك على جانب أحد أفراد الشرطة وعلى الجانب الآخر فتاة جميلة، وعلى مسمع الشرطي طلب من الفتاة أن ترافقه إلى منزله، فقد اعتقد أن ذلك الأمر من الأمور المخلة بالآداب، وأنه سوف يقوم الشرطي بإلقاء القبض عليه.
إلا أن ما تفاجأ به سوبي أن الفتاة وافقت على طلبه، وهنا اعتذر منها وأوضح أنها أساءت مقصدة، وسار في الطريق وقد استوطن اليأس والإحباط من حالته داخله، وأثناء مسيره شاهد دورية شرطة في نهاية الطريق، وهنا اقترب منها وقد ظهر أمامهم وكأنه شخص متناول كمية كبيرة من الكحوليات، ومن ثم همّ بالهروب من أمامهم في حركة منهم لاستقطابهم في تتبعه والإمساك به، ولكن ما أصابه بصدمة أنه سمع أحد عناصر الشرطي يقول: إنه طالب من طلاب جامعة بيل ولديهم احتفال، وقد تلقينا أوامر بتركهم أحرار يفعلون ما يريدون.
ومن هنا توجه سوبي للتفكير في خطة محكمة للغاية، وبالفعل مر من جوار أحد المقاهي وحاول سرقة مظلة أحد الأشخاص، ولكنه تفاجأ بأن الرجل قال له: لقد عثرت عليها في المطعم في الصباح، ما دامت تعود لك فلا بأس، وبعد أن تمكن الإحباط والاكتئاب من سوبي قرر العودة إلى دكته في الشارع، وفي الطريق سمع صوت موسيقى تخرج من أحد الكنائس، أقترب من السور وحاول التسلق عبر الجدار إلى داخل الكنيسة، وهناك توقف لبرهة من الوقت يستمع إلى الموسيقى التي حركت بداخله مشاعر رقيقة ولطيفة، فتذكر طفولته وكيف كان مليء بالآمال والطموحات والأحلام.
وأخيراً قرر أن يترك حياة التشرد والحاجة والنوم على الدكة وأن يعزم بالبحث عن فرصة عمل، وبالفعل بات ينام داخل جدار الكنيسة، ولم يمكث طويلاً وقد عرض عليه أحد التجار أن يعمل معه كسائق مساعد، وحين قرر الذهاب إليه في الصباح وبينما كان يتسلق السور للخروج للعمل أمسك به شرطي، وسأله: ماذا تفعل هنا؟ فأجابه: لا شيء، ولكنه القى القبض عليه متهماً إياه بمحاولة سرقة الكنيسة، وفي اليوم التالي أصدر القاضي حكم بحقه حبس لمدة ثلاثة أشهر.