من يزرع الخير يحصد الخير، ومن يزرع غير ذلك يحصد ما زرعه، سنحكي في قصة اليوم عن شيخ زرع في قلوب أهل قريته المحبّة والخير ومساعدة المحتاجين، وكان هذا سبباً في إنقاذه من الغرق في السفينة، بالإضافة لإنقاذ أهل قريته جميعاً.
قصة الشيخ والأخلاق الفاضلة
في إحدى القرى البعيدة يسكن شيخ يعمل من أجل معالجة المرضى المحتاجين، يتسّم هذا الشيخ بالأخلاق الكريمة والتواضع والبشاشة وحسن المعاملة؛ فتجد الجميع يحبّونه لكثرة لطفه وودّه مع النّاس، وهو شيخ دائم الابتسامة ولا يشعر بأي تعالي أو فخر تجاه أيّ أحد، بل كان كريماً ورفيع الصفات.
كانت حياة هذا الشيخ بسيطة جدّاً بالكاد يحصل على قوت يومه، ولا يملك إلّا عمله بمساعدة المرضى، وعلى الرغم من ذلك كان يعالج الفقراء مجاناً دون أي مقابل رأفةً بظروفهم، وكان هؤلاء الفقراء يدعون له دوماً ويعتبرونه المثل الأعلى والقدوة الحسنة لهم، وكانوا يرونه الشخص الأفضل في جميع النواحي ليس فقط في مجال معالجة المريضين بل في جميع مناحي الحياة.
وكان هذا الشيخ يقوم بمرافقة الأشخاص الذين يذهبون في رحلات الصيد؛ وذلك من أجل أن يتعلّم أكثر في مجال اكتشاف الأعشاب التي تفيد المرضى وتعالج آلامهم وأوجاعهم، وكان في كلّ مرّة يستطيع اكتشاف شيء جديد من خلال رحلات الصيد المتكرّرة، وفي ليلة من الليالي بينما كان الشيخ نائماً في بيته إذ طرق باب بيته، وعندما فتح الشيخ الباب كان الطارق رجلاً فقيراً تبدو عليه علامات المرض والتعب.
توسّل هذا الرجل الشيخ أن يعالجه ويساعده، ولكن طلب منه عدم إخبار أي أحد بوجوده عنده في المنزل، وافق الشيخ على هذا الطلب وأدخله منزله وجلس هذا الرجل المريض بضيافة الشيخ لمدّة ثلاثة أيّام، عامله بها الشيخ بكل تواضع وترحيب وكرم ولطف وود كبير.
لم يفكّر الشيخ أن يسأل هذا المريض عن سبب طلبه الغريب هذا، بل اكتفى بحسن الضيافة والكرم والتعامل اللطيف مع هذا الضيف، مضى على جلوسه في منزل الشيخ ثلاثة أيّام، وفي اليوم الرابع استيقظ الشيخ من نومه، وعندما ذهب ليتفقّد الضيف لم يجده في المنزل، ولم يجد له أي أثر.
بعد ذلك حان موعد رحلة الصيد المتكرّرة، قرّر الشيخ مرافقتهم في رحلتهم كما في كل مرّة، وفي أحد الصباحات ركب الشيخ مع البحّارين والصيّادين السفينة وانطلقوا في رحلتهم، انطلقت السفينة وبدأت تسير في البحر، ولكن حدث شيء غريب عندما وصلت السفينة منتصف البحر؛ فقد بدأت تفقد توازنها وذلك بسبب تخلّل بعض المياه بداخلها.
وقف ركّاب السفينة ولم يكونوا يعرفون ماذا سيفعلون؛ فقد كان الثقب يتسّع أكثر وأكثر دون السيطرة عليه، قال أحدهم: يجب علينا العودة إلى القرية فوراً؛ فلن نستطيع إكمال الرحلة، وقال آخر: ولكن طريق العودة طويل وسيستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وقف جميع من في السفينة يشعرون بالحيرة ماذا سيفعلون، ولكن بعد مدّة قليلة ظهرت سفينة من بعيد، شعر جميع الموجودون في السفينة بالطمأنينة قليلاً.
عندما اقتربت السفينة اتضح أنّها سفينة تحمل علم للقراصنة؛ لذلك شعر الركّاب بالفزع الشديد، عندما اقتربت أكثر رأى ركّاب السفينة أعداداً كبيرة من القراصنة في السفينة؛ لذلك شعروا بالخوف الشديد، إذ أن عددهم قليل ولن يستطيعوا مواجهة كل هؤلاء القراصنة، اقتربت السفينة أكثر وبدأ القراصنة بمهاجمة السفينة والقيام بأعمال السرقة.
كان زعيم القراصنة يحرّض رجاله بسرقة كل ما في السفينة، وفجأةً رأى القرصان الكبير الشيخ، تفاجأ به الشيخ إذ إنّه كان نفس الرجل الذي داواه قبل يومين، عندما رأى القرصان ذلك الشيخ مع ركّاب السفينة أمر رجاله بالتراجع على الفور عمّا يفعلونه، وأمرهم بإنقاذ جميع الركّاب قبل غرق سفينتهم.
تفاجأ جميع ركّاب السفينة ممّا حدث؛ إذ أن رجال القرصان بدأوا بمساعدتهم وأعادوا كل ما سرقوه، وممّا أشعرهم بالدهشة أكثر وأكثر هو العناق الحارّ من قبل القرصان لهذا الشيخ، حيث بدأ يعانقه بشدّة ويعتذر منه، بالإضافة إلى أنّه وعده ألّا يعود لفعلته مرّةً أخرى، نجا ركّاب السفينة وكل ذلك كان بفضل أخلاق هذا الشيخ الحميدة، ومساعدته للآخرين والوقوف بجانبهم.
عاش هذا الرحل القرصان مع أهل قريته بسلام وتاب عمّا كان يفعله، وشعر الشيخ بالفخر بأثر أعماله الخيرية، فمن يزرع الخير لا يحصد إلّا ثمرة أعماله.