من أكثر ما يجعل الشخص ضعيفاً هو شعوره بالخوف، علينا أن نحارب الخوف دائماً بالإيمان والثقة، هذا ما حدث مع الطائر الذي ضلّ سربه المهاجر من الطيور، فقد كان خائفاً في البداية ولكنّه عندما قرّر أن يترك الخوف ويؤمن بنفسه ويثق بها، استطاع أن يعود لعائلته المهاجرة.
قصة الطائر الضائع
مع اقتراب فصل الشتاء قرّر سرب الطيور الهجرة إلى مكان أكثر دفئاً؛ فالطيور لا تستطيع تحمّل برد الشتاء، وبينما هم كذلك إذ ضلّ طائر صغير الطريق وترك السرب وأضاعه، وبينما هو يبحث عنهم وجد نفسه داخل كهف في قمة أحد الجبال، وعندما دخل هذا الكهف جلس حزيناً، ولم يجد في الكهف سوى بعض الأغصان والأوراق الجافّة.
جلس الطائر يفكّر بما كان يقوله له والديه وهي جملتهم الشهيرة: (احذر يا بني أن تترك السرب)، وقال في نفسه: طالما كان والداي لا يحملان هم طعامي؛ فأنا أستطيع أن أطعم نفسي، ولكنّني لم أستمع لكلام والدي وكنت دائماً أسعى لاكتشاف كل شيء من حولي، كان هذا الطائر يظنّ دائماً أنّه عند رؤيته لأشياء جديدة فسوف يتفتّح ذهنه، وهذا من خلال رحلاته المتكرّرة مع السرب.
كان الطائر الصغير يظن كذلك أن لا احد سيلاحظ غيابه عن السرب، وفي كل مرّة يذهب ويحاول رؤية كل ما يلفته، أمّا في تلك الرحلة فقد كان ما لفته هو ضوء ساطع من بين الأشجار، فقرّر أن يقترب ليرى مصدره وإذ به بحيرة صغيرة تلمع وكأنّها البلّور، ظل ينطر لها صامتاً، وبعد قليل عندما حدّق بالمياه وجد صورته على صفح الماء تنعكس أمامه، فترك السرب وذهب ليرى نفسه مع انعكاس الصور بالماء، وظلّ يرفرف هناك.
عندما نوى أن يعود للسرب حتى يخبرهم بما رأى، كان السرب قد هاجر وتركه، ولم يجد أي أحد من عائلته، وفجأةً تحوّل المشهد الجمالي إلى مشهد مرعب وحزين؛ فبعد أن كان مليئاً بأشعة الشمس الساطعة وأصوات الطيور الرائعة، صار صامتاً وتصدر منه أصواتاً غريبة وغير مألوفة.
بعد ما حدث ذلك قرّر الطائر أن يبحث عن مأوى له قبل أن يحلّ الظلام، فوجد هذا الكهف وبنى نفسه عشّاً من تلك الأوراق الجافّة، نام الطائر في الكهف، وعند استيقاظه في اليوم التالي باكراً تذكّر أنّه قد أضاع عائلته فشعر بالحزن، وتذكّر وصيّة والديه عندما قالوا له: إن أضعتنا فلا تترك المكان الذي أضعتنا به.
في بداية الأمر سيطر الخوف واليأس على ذلك الطائر، ولكنّه حاول أن يستجمع قوّته وشجاعته وقال في نفسه: لقد أخبرني والداي أنّني إن أضعت السرب؛ فيجب أن أبقى مكاني حتّى يعودون ويبحثون عنّي، لذلك علي أن لا أسمح للخوف أن يتملكّني أو يسيطر على أفكاري، حتماً سيجدني والداي، قرّر الطائر أن يذهب لمكان عالي حتّى ينتظر عائلته التي ستبحث عنه، وتتمكّن من إيجاده بسهولة.
قبل أن يطير هذا الطائر الصغير ويخرج من الكهف نظر له وقال: شكراً أيّها الكهف إذ أنّك وفّرت لي المأوى الذي يحميني تلك الليلة، طار هذا الطائر للأعلى، وبعد قليل وجد نفسه قد عاد إلى البحيرة التي كان قد توقّف عندها، ظلّ ينظر من حولها ليجد المكان الأعلى؛ فوجد شجرة كانت عالية جدّاً، ذهب وقرّر أن يستقرّ فوقها.
نظر الطائر من حوله وشعر أنّه ليس حزيناً، بل إنّه سعيداً حيث أنّ عائلته ستبحث عنه وتجده بالتأكيد، كان لدى هذا الطائر الثقة الكافية برجوعه لعائلته وسربه، كان أوّل ما فعله هو أن يصدر الأصوات لأجل أن يسمعه سربه، فبدأ بالطنين من وقت لآخر.
كان في المكان مجموعة من العصافير الصغيرة، عندما سمعت صوت طنين هذا الطائر اقتربت منه وسألته عن سبب طنينه في هذا المكان؛ فأخبرهم بقصّته مع عائلته التي قد ضلّ عنها، قرّرت الطيور أن تلتحق تدريجيّاً بالصوت مع هذا الطائر، وصارت تصدر معه الأصوات وتحاول أن يعلو صوتها، حتّى صارت العصافير كلّها تغرّد معه.
كانت عائلة هذا الطائر تبحث عنه بالفعل، واستطاعت من خلال صوت العصافير مع صوت طنينه أن تستدلّ على مكانه، وجد الطائر عائلته وقد عادت إليه ففرح كثيراً، ولكنّه تعلّم أن يكون أكثر حكمة في المرّات القادمة، ويعلم تماماً متى يغادر سربه ومتى يبقى معهم، وتعلّم كذلك أن الشر والخوف سيكون بمقابله الخير ومساعدة الآخرين، وأن هذا الجمال يخفي الرعب والخوف الذي كان يشعر به.