تُعتبر هذه القصة من الأعمال الأدبية للكاتب غي دي موباسان، وقد تطرق من خلال محتوى القصة حول إحدى السيدات التي فقدت زوجها في الماضي، وبعد أن تزوجت من رجل آخر وأنجبت منه ثلاثة أطفال عاد ليظهر زوجها السابق من جديد.
قصة العودة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في ذلك المكان الموجود على أحد الشواطئ الذي يوجد في واحدة من القرى المرتفعة على تلة قريبة من وادي صغير، وفي مدخل تلك التلة يوجد هناك منزل يعود لصياد يدعى ليفيك، وقد كان ذلك المنزل مصنوعة جدرانه من الطين، وسقفه مصنوع من أغصان الأشجار، وأمامه يوجد حديقة صغيرة جداً، ولكنها مليئة بالمزروعات من البصل والبقدونس ويحيط بها سياج على طول الطريق.
كان يقيم في ذلك المنزل إلى جانب الصياد وزوجته التي تدعى مارتان وفتاتين أكبرهن في سن الرابعة عشر وصبيان في الثانية أو الثالثة من عمرهما وطفل صغير جداً حديث الولادة، وفي تلك الأثناء كان الصمت يعم المنزل، إذ لم يكن أحد منهم يتكلم سوى ذلك الطفل الصغير الذي باستمرار في حالة بكاءً مستمر بصوت حاد.
وفي أحد الأيام بعد أن ذهب الأب إلى عمله في الصيد شاهدت إحدى الفتاتين رجل غريب يحوم حول المنزل منذ الصباح، ويبدو أنه رجل فقير، وقد جلس فوق الحفرة مقابل الباب ولم يتحرك من مكانه لما يقارب ساعة كاملة، وحين شاهدته السيدة مارتان شعرت بالارتباك والخوف، إذ أنها كانت في ذلك الوقت لوحدها مع أبنائها في المنزل وزوجها لن يعود من البحر لحين ساعة متأخرة من الليل.
وحينما حلّ المساء بدأت تفكر السيدة مارتان في زوجها السابق وأنه من المحتمل أن يكون هو، ولكن جراء مرور فترة على عدم رؤيته منه لم تتمكن من التأكد من ملامحه، حيث أن تلك السيدة كانت متزوجة من رجل صياد كذلك في السابق وقد أنجبت منه طفلة وبعد أن أصبح في الشهر السادس من حملها الثاني اختفى زوجها في رحلة صيد، ولم تشاهده من ذلك اليوم.
وفي تلك الفترة القديمة كانت قد استمرت في انتظاره ما يقارب على العشر سنوات وربت ولديها بمشقة وعناء، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي طلب به الصياد الحالي يدها للزواج، وقد كان أرمل ولديه صبي، فتزوجته وأنجبت منه ولدين، وكانا يعيشان معاً بحياة مكللة بالعناء والكد، وبالكاد يؤمنون لقمة الخبر، أما اللحوم كانت مجهولة بالنسبة إليهم، وفي فصل الشتاء جراء الأحوال الجوية يستدينون الخبز من الخباز.
وفي لحظة ما حاولت أن تنهض بالشجاعة في داخلها وتتوجه نحو الرجل، وبالفعل قامت بذلك وأول ما وصلت إلى جانبه قالت له: ماذا تريد وماذا تفعل هنا؟، وهنا رد بهدوء وقال: إني أتنفس الهواء النقي، أهذا الأمر يؤذيك؟! فسألته مرة أخرى: ولماذا تتجسس على منزلي؟، فأجاب: أليس مسموح الجلوس على الطريق؟، وهنا لا تعرف بماذا ترد عليه فرجعت باتجاه المنزل، مر الوقت وعند الظهيرة اختفى الرجل من مكانه، لكنه عاد عند الغروب واختفى مرة أخرى عند المساء.
وعند حلول الظلام عاد الصياد من عمله وحينما تم إخباره بكل ما حدث في غيابه، فقال لهم: من المؤكد أنه رجل متطفل وخبيث، وخلدت العائلة إلى النوم دون قلق، بينما الزوجة فقد ظلت تفكر في ذلك الرجل الذي نظر إليها نظرة غريبة بعض الشيء.
ومع بزوغ فجر اليوم التالي كان الجو عاصف ولم يتمكن الصياد من الذهاب لعمله، وقد هم بمساعدة زوجته في إصلاح شباكه، وفي المساء كانت إحدى الفتاتين تجلس بالخارج، وفجأة وقد بدى عليها الخوف والرعب، وقد همت بالبحث عن الخبز، وقالت لوالدتها: لقد عاد الرجل، وهنا طلبت الزوجة من الصياد الذهاب والحديث معه، وطلبت منه أن يمنعه من المجيء مرة أخرى، فهو يشعرها بخوف شديد.
وحينما ذهب الصياد للحديث مع الرجل بعد دقائق قليلة عادا سوياً للمنزل، وحينها طلب من زوجته أن تقدم له الخبز والماء، وبعد أن انتهى من طعامه سأله الصياد: هل جئت من بعيد، فرد الرجل: إنني قادم من مدينة سيت، وهنا سأله الصياد وهو مندهش: على قدميك؟! فرد الرجل: نعم فهناك لا نمتلك وسائل تنقل، فسأله الصياد سؤال آخر: هل تعرف أحدً هنا؟ وفي تلك اللحظة تلعثم الرجل وقال: ممكن جدًا.
وهنا سأله الصياد: ما اسمك؟ فرد عليه دون تفكير قائلًا: ادعى مارتان، وفي تلك الأثناء ارتعبت الزوجة ووقفت أمامه وقد خرقت كل ما في جسدها من قوة وسألته: أنت زوجي، فأجابها: نعم، وهنا تحدث إليه الصياد وقال: من أين قدمت؟ وهنا بدأ الرجل يروي ما حدث معه وقال: من ساحل افريقيا، حيث أنني غرقت أنا ومجموعة من الصيادين في ذلك اليوم المشؤوم على الرصيف الرملي، وكل من نجا منا ثلاثة صيادين وهم من يدعون الصياد الأول بيكار والصياد الثاني باتيفال وأنا من كنت الثالث، ومن ثم وقعنا بين يدي متوحشين واحتجزونا لمدة اثنتي عشرة سنة، وأثناء تلك السنوات توفي كل من بيكار وباتيفال، وخلصني أحد المسافرين الانجليز أثناء مروره من تلك المنطقة وجاء بي إلى سيت، وها أنا موجود هنا اليوم، وأخذت المرأة بالبكاء.
وفي تلك الأثناء بدأ يفكرون الجميع في الحل، إلا أن الرجل قال للصياد: أنت زوجها الآن، ودار بنظرة نحو ابنتاه وقال: هاتان ابنتاي، فأجابت الزوجة: نعم، وبدأ يحدق النظر بهما، ولكنه لم ينهض ولم يعانقهما، وقد اكتفى بالنظر وهنا كرر الصياد السؤال بقوله: ماذا سوف نفعل؟ وقال الرجل وهو في حيرة من أمره: أنا سوف أفعل ما تريده لا أريد أن أؤذي أي شخص، ومع ذلك فالأمر يشعر الإنسان بالحيرة فالبيت لي ولك ثلاثة أبناء ولي أنا ولدين والزوجة كانت لي في السابق والآن هي ملكك، ولكن بالنسبة للبيت فهو ملكي ولي فيه أوراق لدى كاتب العدل، واقتربت ابنتاه منه وهما يبحلقان في أباهما الجديد بقلق، وثم أردف قائلاً: ماذا بنا نفعل؟
وفي ذلك الوقت توصل الصياد لأفضل حل من وجه نظره، وهو أن يقوما الاثنان ويحتكمان إلى الكاهن وهو من يقرر، وافق الرجل وحين وقف للذهاب ارتمت الزوجة على صدره وهي تنتحب قائلة: يا زوجي العزيز المسكين، ها أنت قد عدت، وبدأت تستذكر حياتها معه وهنا كان زوجها الصياد واقفاً ينتظر ثم وقال: هيا لا بد أن نحل الأمر حسب الأصول، وهنا تحرك الرجل واستعد للخروج مع الصياد، وفي هذه الأثناء قالت الزوجة لابنتيها قَبلا أباكما، فاقتربت منه البنتان وقد كن يشعرن بالرعب وقبلهما واحدة تلو الأخرى.
وفي النهاية خرج الرجلان معاً وبينما كانا في الطريق توقفا عند أحد المقاهي لتناول الشراب، فقال الصياد لصاحب المقهى: اسكب لنا كأسين من الشراب، فهذا الرجل زوج زوجتي في السابق، فرد صاحل المقهى: أهذا مارتان؟!