قصة الفراشة البيضاء - The Marbled White Story

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب دالتون جيرسون تريفيزان وهو من مواليد دولة البرازيل من أهم وأبرز الكُتاب الذين أبدعوا في كتابة القصص القصيرة وتأليف الكُتب، إذ لاقت مؤلفاته صدى واسع في مختلف دول العالم وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية ودول البرازيل، وقد حاز على جوائزه مشهرة جراء أعماله العظيمة، ومن أشهر القصص التي برز من خلالها قصة الفراشة البيضاء.

قصة الفراشة البيضاء

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أم تعاني من عدة أمراض، إذ كانت حياتها على شفا حفرة فقد كانت بالأصل حالتها سيئة إلى حد كبير تقريبًا، حيث كان الرئة لديها متعفنة بشكل كامل، كما كان أول موعد لها من أجل إجراء عملية أو تناول علاج بالكوبالت قد مضى عليه وقت طويل، لكن ما كان مستغرب لمن هم حولها أنها لم تكن تشتكي من أي ألم أو أي وجع على الاطلاق، لم يكن يطرأ عليها أي آثار وأعراض لمرضها ولا حتى ارتفاع في درجات حرارة جسمها، لكن ما يضايقها هو أنها تجد صعوبة في التنفس، على الرغم من أن نوافذ البيت مفتوحة على مصرعيها، وقد كان ذلك بسبب أنه لم يبقى لها سوى جزء ضئيل جداً من الرئة يمكن أن تتنفس منه.

بدأت حال الأم كل يوم بعد يوم تزداد سوءاً، وأكثر ما كان يزيد من معاناتها أنها تحب التدخين، إذ تبقى على الدوام تشغل سيجارة من أخرى، فيبقى السعال ملازم لها طوال الوقت حتى كان يوصل بها إلى النهوض سريعاً بينما هي جالسة بشكل ملتوي فوق فراشها، وفي مثل تلك الحالات كان تنادي ابنها من فراشه الذي يبقى على الدوام يضعه بجانب فراش والدته نظراً لسوء حالتها، فتقول له: لا أستطيع أن أنام يا بني فالجو خانق إلى حد كبير وهذه الغرفة لا يوجد هواء فيها على الاطلاق، يقف إلى جانبها ابنها وحين تهدأ السعلة قليلاً يعود إلى فراشه، إذ كان يشعر أنها حين تراودها تلك السعلة تكتمها في وسادتها حتى تصدر بصوت خفيف لا يزعجه في منامه.

وفي إحدى الليالي تسأل الأم ابنها هل هو مرض خطير يا بني؟ فيجيب ابنها: أمي ما هذا الهراء والكلام الفارغ؟ لتردد الأم: لماذا لم يعطني الطبيب دواء حتى يخفف من سعالي، فهو لم يستطيع أن يفعل شيء سوى أنه منعني من شرب السجائر! وكل أسبوع كان الابن يطلب من الطبيب أن يقوم بوصف دواء لوالدته وأن يكتب له على بعض الفيتامينات، حيث كانت الأم تقوم من فراشها كل صباح وتجهز الأطباق المفضلة من الطعام إلى ابنها، ثم بعدها تتوجه إلى السوق من أجل شراء الصوف.

وفي أحد الأيام بدأت حال الأم تسوء أكثر فأكثر، إذ تعبت بشكل سيء للغاية مما جعلها تستند إلى أحد الجدران في الشارع، وعلى الرغم من أنها كانت مدركة إلى كمية المال الذي سوف تدفعه إلى طلب سيارة أجرة توصلها إلى المنزل، كونها أرملة تعيش في حالة بائسة من الفقر وتقوم بتربية ولدين في مرحلة الشباب ويحتاجون إلى مصاريف، إلا أنها كانت مجبرة على ذلك فقد كانت حالتها مزرية للغاية، ومنذ تلك اللحظة لم تعد تخرج من المنزل على الاطلاق، فقد التزمت بيتها تجلس على الدوام في ركنها المفضل، فتبقى تلف خيط على إصبعها الصغير المرتعش وتفتح فمها أمام نافذة ركنها.

كان تنفسها يتقطع بين الحين والآخر وكان الخوف عليها دائماً أن تقوم بإلقاء نفسها من الشباك، فقد كان طبيبها يحذر من ذلك الأمر باستمرار، وهذا ما جعل ابنها يعطيها حقنة في كل ليلة قبل خلودها إلى النوم، ولكنها بالكاد كانت تقدر على النوم إذ تشتد عليها الآلام والأوجاع، وقد أوصلت بها تلك الحالة إلى أن تقوم بتمزيق الثوب الذي تنام فيه، فقد أصبح جسمها نحيل جداً، بعد أن كانت امرأة ممتلئة الجسم الذي تطفو عليه النعومة، وكان لا يزداد لديها سوى السعال ونحافة الجسد.

وهنا كانت تحدق في ما حولها ما وجدت سوى أن شبشبها يرقد على السجادة ولم يتحرك أبداً وذبلة زواجها التي كانت ما زالت في يدها، وهنا أخذت تسأل ابنها: ماذا سوف يحدث لك بعد وفاتي؟ وحينما ترتفع درجة حرارتك من سوف يقوم بوضع يده فوق جبينك، لم يرد الابن على سؤالها واكتفى بقول: هذه الحقنة سوف تجعلك في حال أفضل، وفي نهاية أيامها تأتي ممرضة في مقتبل العمر وتتميز بالجمال من أجل الاهتمام والرعاية بها، ولم تكن تفيق من إبرة تخدير إلى سرعان ما يتم إعطائها أخرى، ومع كل تلك الإبر لم تعد تشعر بالألم، فقط كانت كل ما تريده هو استنشاق الهواء بأكبر قدر ممكن.

وفي أحد الأيام كان ابنها خارج المنزل، وحينما رجع إلى المنزل لم يرى سوى أن وجه والدته أصبح شاحب اللون، وفمها متجعد ممصوص إلى الداخل إذ كان فمها خالي من الأسنان تماماً، وتنفسها بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً، وقد كان ذلك وقت بزوغ الفجر، وهي في طبيعة الحال كانت قليل ما تتكلم، وكانت الممرضة في تلك اللحظة تقوم برسم إشارة الصليب وتغطي كامل وجهها بالملاءة وتردد ليتها تصاب بسكتة قلبية.

وفجأة بدأ الصراخ وامتلأ وجه ابنها بالدموع، وبدون وعي يرجع إلى المصعد ويدخل فيه ويبدأ يضغط على مفتاحه بسرعة كبيرة، إلا أنها مهما ضغط على المفتاح بقوة لا فائدة من ذلك، فلا يُسد الباب فجلس في قاع المصعد، وهنا بدأ يسمع سعال والدته، وهو ليس بمقدرته أن يقوم بفعل شيء لها ولا عمل أي شيء لها، يلتهب جبينه من شدة الغضب.

وهنا عاد إلى حجرة والدته وبعد أن رآها استلقت قليلاً ذهب نحو غرفة أخرى حتى يستريح قليلاً، وما أن لبث فترة قليلة جداً، وإذ بالفتاة الممرضة تصرخ بمناداته بأعلى صوتها، وتخبره أن هناك زبد لونه أسود يخرج من أنف والدته وأنها تحضر في لحظاتها الأخيرة، وهنا شاهد والدته في معاناة أكثر من تلك التي كانت تعانيها من السعال، إذ عيناها مفتوحتان بشكل واسع ولكنها لا ترى شيئاً من حولها، وجسدها الذي كان متشنج ومستلقي على فراشها، ولا تقوى على حركة أي طرف من أطرافه ولا حتى أطراف أصابعها، اختفى أنينها بشكل نهائي، وفي تلك اللحظة تشير الممرضة بيدها إلى النافذة، وإذ بفراشة بيضاء كبيرة تطير من نافذة الركن المفضل لدى والدته.


شارك المقالة: