تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول واحد من الكلاب الوفية قام بتحدي الظروف الجوية وجلب دواء علاج لأطفال إحدى المدن التي تقطع السبل بسكانها بسبب الظروف الجوية الوصول إلى مدينة أخرى وإحضار ذلك الدواء.
الشخصيات
- الكلب بالتو
- دليل السرب جونر كاسين
- صاحب الكلب
- النحات إف جي روث
قصة الكلب بالتو الذي أنقذ حياة آلاف الأطفال
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه في يوم من الأيام كان هناك كلب يطلق عليه اسم بالتو، ومن المعروف أنه هناك الكثير من أنواع الكلاب الموجودة على وجه الكرة الأرضية، ولكن هذا الكلب من نوع الهاسكي السيبيري، ومن الشائع حول هذا النوع أنه من سلالة نشأت بالأصل في دولة روسيا، ولكن مع الوقت تم نقلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين كانوا يرغبون في تربية الكلاب كان يفضلون هذا النوع بسبب حدة الذكاء والفطنة لديه، بالإضافة إلى أسباب عديدة.
كان ذلك الكلب من مواليد الربع الأول من القرن التاسع عشر في إحدى القرى والتي تعرف باسم قرية نوم وهي واحدة من القرى التي تقع في واحدة من الولايات والتي تعرف باسم ولاية ألاسكا، وأول ما تم نقل هذا النوع من الكلاب إلى الولايات المتحدة كان في عام 1905م؛ وذلك لعدة أسباب ومنها استخدامها في عمليات التعقب وفي عمليات النقل بالزحافات التي تجرها الكلاب، واختيار ذلك النوع عن غيره من الكلاب كان يعود إلى أن الكلاب من نوع السيبيري كانت تتميز ببنيتها القوية وفي ذات الوقت تتسم بالمرونة واللياقة في الحركة أكثر من غيرها من سلالات الكلاب الأصلية في ولاية ألاسكا.
وفي وقت كان محدد من كل عام كان يتم إعداد سباق وهو ما يعرف بسباق كلاب اليانصيب، ويشارك في ذلك السباق كافة الكلاب الموجودة في ولاية ألاسكا، والتي تمتد من مدينة نوم وحتى واحدة من المدن التي تعرف باسم مدينة كاندل، وكانت المسافة المقررة التي يقوم الكلاب بقطعها تقدر حوالي أربعمئة وثمانية أميال، وفي ذلك السباق من كل عام كان قد اعتاد صاحب الكلب بالتو أن يقوم بالاشتراك في هذا السباق والعديد من سباقات أخرى كثيرة مشابهة.
وفي يوم من الأيام في الربع الأول من القرن التاسع عشر كان هناك موجه صقيع قد حلت بالولاية لم يكن قد حلت من قبل في تاريخ الولاية، إذ ضربت موجة صقيع كامل المدن والقرى فيها على حد سواء وقد وصلت درجة الحرارة في ذلك الوقت إلى حوالي 30 درجة مئوية تحت الصفر، ولتلك الموجة كان هناك العديد من الآثار التي خلفتها بالمنطقة في ذلك الوقت، وأول أمر تسببت به تلك الموجة هو انتشار أحد أنواع الأمراض والذي يعرف باسم مرض الدفتيريا أو ما يطلق عليه في الكثير من الأحيان بين جموع الأطباء مرض الخناق في أرجاء قرية نوم، وهذا النوع من المرض يعرف بأنه مرض جرثومي يصاب به الفئات العمرية الصغيرة وهم الأطفال ويتسبب في الوفاة بعد فترة قصيرة من الإصابة به.
ومن سوء الحظ في تلك المدينة وعلى إثر موجة الصقيع التي أصابتها لم يكن لقاح الدفتيريا متوفرًا فيها، ولأن هذا المرض كان يهدد بالقضاء على حياة معظم أطفال تلك المدينة، فقرروا جموع الأطباء المتواجدين بها القيام بإرسال مجموعة من البرقيات إلى المدن المحيطة للسؤال عن أقرب مكان يمكن أن يتوافر فيه اللقاح، وفي ذلك الوقت كانت أقرب مدينة هي ما تعرف باسم مدينة أنكوريج، والتي كانت تقدر المسافة بينها وبين مدينة نوم بحوالي خمسمئة وسبعة وثلاثون ميلًا، وما كان مؤسف في ذلك الوقت أنه من غير الممكن إحضار ذلك اللقاح عبر الطائرات الجوية أو السفن البحرية؛ وذلك لأن العاصفة الثلجية قد تسببت في عدم المقدرة على استخدام طرق النقل الجوي والبحري.
وفي تلك الأثناء حينما علم سكان المدينة أنه ليس بإمكانهم الحصول على اللقاح الضروري لإنقاذ حياة أطفالهم قرر مجموعة من الرجال تقدر بحوالي عشرين رجل من سكان المدينة المخاطرة بحياتهم والسفر من خلال استخدام الزلاجات التي تجرها الكلاب إلى واحدة من المدن والتي تعرف باسم مدينة نينانا، وقد كانت تلك المدينة تبعد عن مدينة نوم بمسافة تقدر بحوالي أربعمئة وثلاثة وثمانون ميلاً، والسبب في ذهابهم إلى تلك المدينة، هو أن تلك المدينة كانت تمتلك محطة سكة حديدة، والتي من خلالها تم نقل اللقاح إليها عبر السكك الحديد من أجل تقريب المسافة على سكان مدينة نوم.
وفي ذلك الوقت قاموا حوالي عشرين رجل بقرار خوض الرحلة وهم من كانوا يعملون في الأصل كأدلة بإجراء إعادة تصميم للزلاجات بطريقة تؤمن لهم بنقل اللقاح بكل سلام، وكان من بين الرجال الذين شاركوا في تلك الرحلة رجل يدعى جونر كاسين وهو ما دليل السرب الثاني وهذا السرب كان به الكلب بالتو، وأثناء الرحلة اضطرت المجموعة للمرور في مجموعة من المناطق التي كانت درجات الحرارة فيها ما دون الأربعين درجة مئوية تحت الصفر، وفوق ذلك كله كانت تلك المناطق الرياح بها عاتية وهي عبارة عن مناطق جبلية وعرة، ومن صعوبة الظروف التي مر بها الرجال أثناء تلك الرحلة توفي عدد من الأشخاص المشاركين كما توفي عدد من الكلاب أثناء محاولتهم لجلب اللقاح من أجل إنقاذ الأطفال.
وبعد أن أكملت المجموعة مسيرهم حدث وأن تعرض قائد السرب الثاني السيد جونز لكسر في إحدى قدميه، وحينها قام الكلب بالتو بقيادة السرب، على الرغم من أنه في ذلك الوقت لم يكن من الكلاب الذين تم تدريبهم على المناطق وإرشادهم إليها، وبعد مرور خمسة أيام تقريبًا عاد السرب إلى مدينة نوم ومعه اللقاح، والسبب في ذلك هو بالتو الذي تمكن من قيادة السرب بكل جدارة، بل أكثر من ذلك فقد تمكن من الوصول إلى المكان المطلوب في وقت أقل بكثير مما كان متوقعًا.
وفي الحقيقة فإن بالتو لم يكن ذلك هو الاسم الحقيقي للكلب، ولكن تم الإشارة إلى أن صاحبه قد أطلق عليه ذلك الاسم في وقت لاحق في ذكرى واحد من أهم وأبرز المستكشفين من دولة النرويج ويدعى صامويل بالتو؛ وذلك تكريمًا له، ولكن من المؤسف أنه تم فيما بعد بيع بالتو إلى واحدة من حدائق الحيوانات والتي تقع في مدينة كليفلاند، وقد أمضى الكلب بقية حياته هناك حتى بلغ من العمر أربعة عشر عام ومن ثم توفي في شهر مارس في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.
وبعد وفاته تم تحنيطه والاحتفاظ به في واحد من أهم متاحف مدينة كليفلاند للتاريخ الطبيعي؛ وذلك تكريمًا له على مساعدته في إنقاذ الآلاف من أطفال مدينة نوم، وفي تكريم آخر لذلك البطل من ذوي الأربعة أقدام قام واحد من أبرز النحاتين ويدعى النحات إف جي روث بصنع تمثال له، وقد تم وضع التمثال إحدى الحدائق الشهيرة عالمياً والتي تعرف باسم حديقة سنترال بارك.
العبرة من القصة هي أن الوفاء من أكثر الصفات التي يتميز بها الكلاب، فالكلب من أحد أنواع الحيوانات التي تكون وفيه لصاحبها والمكان الذي تعيش به، فتدافع عنه بكل شراسة.