تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول جندي شجاع قدّم مساعدة لرجل مريض وآواه، وقد رد له ذلك الرجل المريض الجميل بأنه ساعده في الفوز بمعركة كان مقدم عليها.
الشخصيات
- حاكم المناطق الجنوبية
- حاكم المناطق الشمالية
- المحارب الشجاع رودريغو
- الرجل المريض
قصة المحارب الكريم والشجاع
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة إسبانيا، حيث أنه في يوم من الأيام في قديم الزمان كانت البلاد مقسومة إلى قسمين وكل قسم يحكمه ملك، فالمناطق الشمالية يحكمها ملك، والمناطق الجنوبية يحكمها ملك آخر، وذات يوم خاض هذان الملكان العديد من المعارك على مدى سنوات عديدة وخسر كل منهم عدد لا يحصى من الجنود حياتهم في تلك المعارك، وقد حارب الملوك من أجل المجد وتحت اسم الشرف، والهدف الرئيسي من تلك المعارك لكل من الملكين هو العمل على زيادة مساحة الأراضي، على مر العديد من السنوات قضى المئات والمئات من الرجال المدنيين نحبهم في ساحة المعركة تاركين خلفهم أسرهم وعائلاتهم، ولكن ذلك لم ينأ بالملوك من أجل إيقاف الحرب، إذ استمروا الملوك في شن الحرب ضد بعضهم البعض.
وفي ذلك الوقت كانت هناك مدينة تقع على الحدود تماماً التي تفصل بين المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية من الأراضي، وما يميز تلك المدينة عن غيرها من المدن هو أنها كانت جميلة ومزدهرة وفيها العديد من المناطق الغنية بالثروات، وهذا ما كان يجعل الملكان حريصين على السيطرة على مثل هذا المدينة، لكن الملوك كانوا حكماء وأذكياء بما يكفي لعلمهم أن الحروب بين الشمال والجنوب لا يمكن أن تستمر إلى فترة طويلة، حيث تم فقدان الكثير من الأرواح كما تم إنفاق الكثير من الأموال على الحرب، وولدت خسائر فادحة، ولذلك اتفقوا في يوم من الأيام على عقد لقاء وسط تلك المدينة الجميلة، وفي ذلك اللقاء توصلوا إلى وضع خطة بسيطة.
إذ صرح حاكم المناطق الشمالية بقوله: لدي أعظم محارب في جيشي، إنه قائد فذ وقد فاز بالعديد من المعارك، لا يوجد رجل في كافة الجيوش يستطيع هزيمته، وفي تلك الأثناء أعلن حاكم المناطق الجنوبية وقال: لكنني أعرف محاربًا أقوى منه، فعلى الرغم من أنه رجل بسيط، إلا أنه يتمتع بالشجاعة، كما أنه كان ماهر وبارع جداً في كل معركة كان يخوضها، وهنا قال حاكم المناطق الشمالية: حسناً سوف نضع هذين الرجلين في القتال ضد بعضهما البعض، وبهذه الطريقة سوف نتوصل إلى حل منصف في من سوف يتولى الحكم على هذه المدينة، ومن هنا على الفور قام حاكم المناطق الشمالية بتأمين كل ما يلزم من خدمات لجنديه الذي لم يهزم، بينما حاكم المناطق الجنوبية سأل الرجل البسيط ويدعى رودريغو الشجاع، فيما إذا سوف يقاتل من أجل مجد ملكه.
وفي تلك اللحظة أجابه رودريغو وقال: بالتأكيد سوف أقاتل وكلي سرور من أجلك سيدي، لكن في البداية يجب أن أكمل أولاً رحلتي للحج، وعندما أعود سوف أخوض هذه المعركة مع هذا القائد وآمل أن أفوز بالمدينة لملكي سيدي، وفي تلك الفترة حاول رودريغو إخراج التفكير في تلك المعركة الوشيكة من ذهنه، وانطلق للبدء في رحلة الحج، وأثناء سفره صادف الجندي رودريغو شخص مصاب بداء يعرف باسم داء الجذام، وقد كان ذلك الشخص يتسول على جانب الطريق، وعلى الرغم من الحالة التي كان بها من يأس وجوع، إلا أن كل من كان يمر به يتركه ولا يسأل به، وتجاوزه الجميع وكأنهم لم يرونه موجود، بينما الجندي رودريغو توقف عند الرجل وسأله: ألا يمكنك أن تأتي معي إلى النزل وتناول الطعام والراحة هناك قليلاً؟.
وافق الرجل المريض على عرضه وسار معه، وساعد رودريغو الرجل في الصعود على حصانه وقاده إلى النزل في القرية التالية، وبمجرد وصولهما إلى هناك، تناول رودريغو والرجل المريض من ذات الطبق الخشبي، وبعد ذلك قنطوا للنوم في ذات السرير، وفي تلك الفترة التي لم يكن أحد ينظر إلى ذلك الرجل المريض، كان رودريغو على استعداد تام لمشاركته في طعامه ودفء سريره، وهذا الأمر ليس بغريب عليه؛ وذلك لأنه لم يكن محاربًا شجاعًا فحسب، بل كان كذلك رجلًا كريمًا ومعطاء يؤمن تماماً بمساعدة الآخرين.
وفي يوم من الأيام كان الوقت في ساعات متأخرة من الليل حينها كان رودريغو متأكدًا من أنه سمع صوت رياح تهب في الغرفة الصغيرة التي يقيم بها في النزل، وقد بدت تلك الريح وكأنها تخترق قلبه الرقيق؛ وفي تلك الريح سمع صوتا رقيقًا ناعماً يقول: لقد كنت لطيفًا معي رودريغو، ولذلك سوف أمنحك هدية ثمينة للغاية؛ وذلك لأنك رجل شجاع وصادق القلب وصافي النية، فلن يهزمك أحد في المعركة التي سوف تقدم عليها.
وفي صباح اليوم التالي حينما استيقظ رودريغو من نومه، لم يكن الرجل المريض موجودًا في أي مكان في الغرفة، ولا حتى خارج الغرفة في النزل، وفي تلك اللحظة تذكر الرجل المحارب ذلك الصوت الذي سمعه في الليلة السابقة، وحينها شعر بداخله أن هناك إحساس جديد، ولم يمضي وقت طويل حتى أكمل رودريغو مناسك الحج وسافر إلى المناطق الجنوبية من بلاده إلى حيث كان حاكمه ينتظر عودته بقلق، وأول ما وصل المحارب الشجاع إلى قصر الملك سأله الحاكم: هل تعلم أن الشعب يعلن أنك أشجع وأجمل الرجال في البلاد؟ وأنا أتفق مع الناس، وأنني على يقين أنك سوف تكون كذلك، فكلنا فخورون اليوم وسوف نفوز بآخر مدينة متبقية في تلك الأراضي.
وبعد مرور وقت قليل في صباح أحد الأيام تجمع حشد كبير على أطراف المدينة، إذ جاء الناس من كل حدب وصوب لرؤية رودريغو وهو يخوض المعركة مع أحد جنود من المناطق الشمالية، وأول ما دخل رودريغو إلى الحلبة كان يشعر ببعض التوتر وغير متيقن من مهاراته، فقد كان أمامه الجندي من الشمال وهو طويل القامة وذو عضلات ويرتدي درعًا مصنوع من الذهب الامع من رأسه إلى أسفل قدميه، وكان يشيع حوله صيت أنه لم يهزم في ساحة المعركة في يوم من الأيام وأنه لم يرحم أعداءه كثيرًا.
وفي لحظة ما وقف المحاربان مقابل بعضهما البعض وسيوفهما بيدهما، صمتت الحشود تترقب ما سوف يحدث، وهنا شعر رودريغو بقلبه ينبض بشدة في صدره، وهنا أخذ يفكر المحارب الشاب في نفسه ويقول: يجب أن أكون شجاعًا مقداماً، ويجب ألا أخجل عائلتي وحاكمي، وإذا كنت سوف أموت اليوم، فعندئذ يجب أن أفعل ذلك بكرامة وبسيفي في يدي.
وفي لحظة ما سمع رودريغو صوت الرجل المريض في نسيم لطيف خطف أوراق الأشجار ورفع الرمال عن الأرض، وهذا الصوت يقول: لأنك شجاع وصادق القلب، لن يهزمك أحد في المعركة، مع بقاء كلمات الرجل المريض ثابتة في قلبه، أحكم رودريغو قبضة يده على سيفه واندفع نحو جندي المناطق الشمالية، وفي تلك الأثناء لم يكن يعرف المحارب أن ذلك الرجل المريض هو شبحًا أم حقيقة مقدسة، لكن كلماته كانت حقيقية، إذ هزم رودريغو الجندي في ذلك اليوم وفاز لحاكمه بأجمل مدن إسبانيا، وفي النهاية أصبح رودريغو بطلاً في نظر كافة أفراد الشعب، وأصبحت مغامراته وانتصاراته العديدة أسطورة، وظل معروف ومشهور إلى الأبد بالمحارب الكريم والشجاع.
العبرة من القصة هي أن الإنسان الذي يقدم الخير سوف يزرع في طريقه الخير أينما حل، وتلك الثمار سوف تجني العز والمجد لصاحبها.