يُعتبر المؤلف والأديب نديم كروسل وهو من مواليد دولة تركيا من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، إذ لاقت مؤلفاته صدى واسع حول العالم؛ وذلك لأنه كان حاصل على شهادة الدكتوراه من دولة فرنسا في الأدب المقارن، وفي ذلك الوقت حاول أن ينشر مؤلفاته من موطنه الأصلي تركيا، ولكن بسبب الاضطرابات السياسية التي كانت حاصلة آنذاك اضطر إلى العودة إلى فرنسا والعمل على إصدارها من هناك، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة المرآة.
قصة المرآة من الأدب التركي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى الليالي حيث كان ذلك المساء الذي عزم فيه البطل أن يقوم بمواجهة نفسه، حيث كان عبارة عن رجل يخشى من مواجهة نفسه كثيراً، كما أن كل من يراه يعرف أنه شخصية تمتلك ملامح قبيحة جدًا إلى الحد الذي يجعل الجميع ينفر منه، فهو شخص أحدب ذو وجه معتم جداً وبشرة سوداء قاتمة، كما أنه قصير القامة وغير محدد الملامح على الاطلاق، وعلاوة على ذلك كله فإنه إنسان فقير جداً، ولم يتلقى في أي يوم من الأيام أي نوع من أنواع التعليم ولا يمتلك أي ثقافة أو معرفة في أي مجال من المجالات، فالشيء الوحيد الذي يعرفه هو أنه يدرك مكمن الخطر.
كان لدى هذا الرجل في المنزل مرآة، كان يصفها بالمرآة اللعينة، حيث أنه كان يرى وجهه فيها كل صباح، فيشعر باليأس والإحباط جراء تذكره لشكله، لكنه لم يقوى على مواجهتها كثيرًا، فقد كان لديه رهبة من الاعتراف بذلك الأمر في الحقيقة، إذ كان يشعر بأن هناك وحش يكمن بها، وكان يلقي اللوم على المرآة بأنها هي السبب الرئيسي في عذابه النفسي.
وقد كان يعاني من ذلك الأمر منذ صغره، حيث أنه كلما نظر إلى المرآة كلما شاهد قبحه وفقره وازادت داخله المعاناة، وعلى أثر ذلك فإنه كان على الدوام يتحاشى النظر إليها، كما عمل على التخلص من أي وجود لسطح لامع بغرفته الخاصة، لكن دون مرآة واحدة وهي مرآة الكبيرة تلك التي ورثها عن والده، كان يتردد في تدميرها، لكنه عزم على التخلص من جميع المرايا في المنزل، وبأن هذا القرار أيضاً يجب أن يمشي على تلك المرآة.
وفي ذلك الوقت قام بإحضار فأس ودمرها بالكامل وهشمها وحولها إلى قطع صغيرة جدًا، وفي صباح اليوم التالي تم العثور على جثته مرمية أمام غرفته، مهشمة تماماً وتم تقطيعها إلى قطع صغيرة، أما المرآة التي قام بتحطيمها في الليلة السابقة فقد كانت تلمع نظيفة جدًا، موضوعه بجانبه دون وجود أي خدش فيها ولو بسيط، كما كان إطارها الذهبي يلمح أكثر من السابق.
وفي تلك الأثناء تم استدعاء الشرطة حيث تم رفع البصمات ومعاينة الجثة وإجراء تحقيقات من قبل الجهات المختصة، وحينما قام جميع الموجودين بما يلزم من رفع الجثة، وإرسالها إلى المشرحة لمعرفة السبب في جريمة القتل، وفي تلك اللحظة نظر شاب يدعى سعيد أوغلو إلى المرآة وقرر أن يأخذها ويحتفظ بها، فقد كان يراها جميلة جداً، حيث كان شاب بسيط جداً ووسيم ويمتلك بشرة بيضاء، كما أنه طويل القامة، وكان في ذلك الوقت موعد زواجه قد اقترب من فتاة يحبها منذ عدة سنوات، وقد أتم تجهيز بيت الزوجية، ولكنه لم يكن لديه مثل تلك المرآة الجميلة في غرفته الخاصة.
وفي ذلك الوقت سرعان ما قام سعيد أوغلو بنقل المرآة اللامعة الجميلة إلى بيت الزوجية ووضعها في غرفته الخاصة، وكان كل يوم ينظر لها يتغنى بجمال المرأة التي تعكس جماله وجمال صورته ووسامته فيها، ومع مرور الأيام بدأ يلاحظ سعيد أمر غريب يحدث له مع المرآة، ويوماً بعد يوم كان يلاحظ سعيد أوغلو أن ظهره بدأ في التقوس والانحناء، كما أن بشرته التي كانت بيضاء بدأت للتحول للون الأسمر، وثم بعد ذلك إلى اللون الأسود.
ولكن سعيد أوغلو كان يرجع تلك الملاحظات إلى أن هذا كله جراء تعبه أثناء البحث عن عمل جديد، حيث كان قد فقد عمله الأخير قبل أيام، وعلى وجه التحديد يوم انتقال المرآة إلى بيته، ولكنه كان يصبر نفسه على كل تلك الأمور بالنظر للمرآة الجميلة من وجهة نظرة، والتي كانت في كل يوم تزداد جمالاً وتزداد لمعانًا وبريقًا، تماماً مثل ما كان يزداد قبحها على كل من ينظر فيها.