قصة الملوك

اقرأ في هذا المقال


السعادة الحقيقية هي السعادة الدائمة وليست المؤقتّة، فمن يبحث عن الراحة يجب عليه أن يفكّر في مستقبله، هذا ما حدث مع الملك الشاب الذي قام بتحويل مدينته إلى مكان رائع، على العكس من الملوك من قبله الذين كانوا يحظون بمتعة وقتية، وكانت نهايتهم هي الحزن وانتهاء تلك المتعة، أمّا هذا الملك الشاب الحكيم قام بالتصرّف الصحيح الذي جعله يشعر بسعادة دائمة.

قصة الملوك

في إحدى المدن الكبيرة كان هنالك ملك يحكمها، وكان من عادة أهل تلك المدينة أن يقوموا بانتخاب ملك لهم لمدّة سنة واحدة فقط، وبعد انتهاء المدّة يقومون بانتخاب ملك جديد، بالإضافة إلى أنّهم في تلك الفترة يقومون بإرسال الملك القديم إلى جزيرة بعيدة ونائية يقضي بها ما تبقّى من عمره؛ وذلك من أجل أن يقوموا بانتخاب من يشاؤون كملك لهم من بعده.

وكان أيضاً من عادة أهل تلك المدينة أن يأخذوا ملابس الملك الخاصّة به كلّها ويحتفظون بها للملك الذي سيأتي من بعده، وفي إحدى المرّات حكم تلك المدينة إحدى الملوك، مضت سنة كاملة وعندما حان موعد انتخاب ملك جديد، قام أهل المدينة بتصرّف غريب؛ حيث أنّهم لم يفعلوا معه كما فعلوا مع من قبله وأبقوا ملابسه الخاصّة باهظة الثمن معه.

كان هذا الملك من أكثر الملوك الذي أحبّه شعبه؛ حيث أنّهم حملوه وصاروا يهتفون باسمه وعيونهم يملأها الحزن والاسى ويقولون: وداعاً أيّها الملك العظيم، وداعاً أيّها الملك العظيم، وليس فقط شعبه يحبّونه، بل كان هو أيضاً يحبّهم كثيراً ويشعر ببالغ الحزن والأسى والخسارة لفقدان شعبه العزيز عليه، بدأ شعبه بتجهيز سفينة كبيرة وفخمة لملكهم؛ وهذا من أجل أن تنقله لجزيرة نائية كما جرت العادة.

ركب الملك والجميع بتلك السفينة وانطلقت برحلتها إلى تلك الجزيرة البعيدة، كانت الرحلة طويلة جدّاً ومليئة بالحزن والدموع لفراق ملكهم الغالي، وعند العودة وبينما كانت السفينة تبحر، إذ وجد أهل المدينة بأنّ هنالك سفينة أخرى يبدو أنّها قد غرقت في البحر، عندما اقتربوا منها وجدوا أنّ هنالك شاب صغير يحاول أن يمسك بقطعة من الخشب كانت تطفو على سطح المياه، ويستغيث ويصرخ.

قرّر أهل المدينة أن يساعدوا هذا الشاب، وبعد أن تم إنقاذه من الغرق عرض عليه أهل المدينة أن يصبح ملكاً لهم لمدّة سنة كاملة، ولكن هذا الشاب الصغير رفض ذلك، ظلّ اهل المدينة مصرّين على طلبهم هذا حتّى اضطرّ الشاب بنهاية الأمر أن يوافق على هذا العرض.

جلس هذا الشاب مع شعبه وبدأ يتعرّف على عاداتهم وتقاليدهم، واستطاع أن يفهمها جميعها، وعندما دخل المدينة وجد بها أشياء غريبة، بالإضافة إلى أنّه وجد جثث الملوك الأموات ملقاة على الأرض في كل مكان، وبعد مرور عدّة أيّام كان هذا الشاب الملك يتجوّل في المدينة؛ فسمع أصواتاً غريبة ومزعجة وتبدو وكأنّها أصوات شريرة، لذلك أمر جنوده بإزالة كل تلك الجثث وتنظيف المدينة بأكملها، بالإضافة إلى أنّه طلب أن يقوم ببناء مرسى جديد للسفن، وكان هو بنفسه من يريد الإشراف عليه.

فكّر هذا الملك الشاب بمصير هؤلاء الملوك الذي رآهم وقد انتهى بهم المطاف إلى العزلة والحزن، وقرّر أن يقوم بتغيير هذا المصير ويفكّر بطريقة أخرى، وكان أوّل ما فعله هو التخلّص من عادة شراء الملابس باهظة الثمن للملك وصرف الكثير من الأموال من أجل المظاهر الملكية، وقام باستبدال ذلك كلّه بأن قام بالاهتمام بالمدينة.

تحوّلت المدينة كاملةً من مكان يشبعه الغابة المهجورة إلى مكان رائع وجميل بفضل حكمة هذا الشاب وحسن تصرّفه، ولم يشعر بالندم أنّه أنفق أموالاً طائلة من أجل استعادة المدينة كجمالها ورونقها، بل كان سعيداً بذلك، وشعر أن هذا الإنجاز الذي اسعد شعبه سيعود عليه هو أيضاً بالشعور بالسعادة.

عندما مضت سنة على حكم هذا الشاب كان قد حان موعد انتهاء ملكه، وقد نوى شعبه إرساله إلى الجزيرة النائية، ولكن تفاجأ شعبه بأن هذا الملك الشاب لا يشعر بالحزن كمن قبله، بل كان يشعر بالارتياح والسعادة، وعندما سأله أحد الأشخاص عن سبب ذلك قال: أنا لا أشعر بالحزن لأنّني لم أبحث عن متعة وقتية، بل ساهمت بجعل المدينة مكان رائع اشبه بالجنّة، وهذا ما يجعلني أنا وشعبي نعيش في سعادة دائمة.


شارك المقالة: