يُعتبر المؤلف والأديب العالمي ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أروع الكُتاب الذي خاضوا في تأليف القصص والروايات، إذ كانت معظم الروايات والقصص التي تعود إليه تتصف بالقصص الخيالية الرائعة، بدأ في مرحلة مبكرة من عمره في التأليف ومع هذا لاقت جميع مؤلفاته صدى واسع حول العالم، وقد تمت ترجمة الغالبية العظمى من كتاباته إلى مختلف اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وأول ما تم الالتفات إليه من قِبل رواد الأدب كان بعد نشر روايته بلد الثلج.
قصة المنشار والميلاد
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة إيطاليا، إذ تم في أحد الأيام وعلى أحد التلال الموجودة في إيطاليا نصب خيمة في أعلى التل، كانت تبدو تلك الخيمة على أنها عبارة عن مجرد مظلة مخططة اللون باللون الأخضر، وقد تم وضع في أعلى الخيمة علم، حيث كان ذلك الوقت بالتحديد في شهر مايو، وهنا كان العلم يرفرف مع نسائم شهر مايو التي كانت في تلك المنطقة تأتي من جهة المحيط.
وبالنظر إلى أسفل كانت هناك غابة خضراء جميلة جداً، إذ تبدو من جهة الخيمة أنها بمثابة البحر الأخضر، فقد كانت تشبه في ذلك المنظر الساحل الموجود بالقرب من النبع الجبلي الحار في مدينة إيزو، كانت تلك الخيمة المخطوطة باللون الأخضر تشبه في شكلها وحجمها الكشك الذي كان مخصص للهاتف، كما وصفها الكاتب بأنها تشبه مكتب البطاقات الخاص بالسفن التجارية أو إلى حد ما وتشبه بالمكتب الذي كان يتم فيه تلقي الرسوم الجمركية.
وفي تلك الخيمة كان يوجد رجل، إذ تلقى في أحد المرات مبلغ كبير من المال من شباك الخيمة، وكانت النقود بعملة أجنبية، كما كانت تلك النقود ملفوفة بأوراق ذات لون أصفر، وقد تم وضع تلك الرزمة المالية في يد الرجل على شكل صفع، أخذ الرجل بتلمس النقود والنظر إليها، وفي تلك اللحظة وقفت إلى جواره امرأة تلبس رداء أسود وأخذت بالكلام معه، كان يدرك الرجل من خلال ملامح وجهها أنها من أصول يابانية ولكنها تقطن في تلك المنطقة، هنا قال الرجل نظرت إليها وهمست أنني لا أفقه شيئاً في اللغة الإيطالية، في محاولة منه للتخلص منها.
وفي لحظة من اللحظات خلد الرجل إلى النوم، إذ رأى حلماً في منامه أن هناك قرية تقع في أسفل الخيمة بين الغابة، وأن تلك القرية كان في الأصل قد ولد فيها لكن في لحظة ما تغير منظر القرية بالنسبة له، حيث كان هناك بعض الجموع التي تجتمع داخل حديقة أحد المنازل، كما كان يبدو للرجل أنه يعرف كل هؤلاء الأشخاص معرفة تامة، لكنه حين استيقظ من منامه حاول تذكر من هم هؤلاء الأشخاص لكن للأسف لم يتذكر ملامح أي واحد منهم، وبدأ في تكملة الحديث عن حلمه إذ أشار إلى أنه في الحلم كان بحاجة إلى دخول الحمام، وفي تلك اللحظة من الحلم جاء أحد الأشخاص وطلب مبارزته بالسيف.
وفي تلك الأثناء مضى إلى ساحة المعركة التي يتم بها المبارزة وكان جموع من الناس يتطلعون إليهم، إذ وصف نفسه في تلك اللحظة أنه كان يشعر بالارتباك بينما يده كانت على السيف الذي يحمله وفي تلك الأثناء لا يعلم ما عساه يفعل، إذ أخذ بالنظر إلى الخلف فوجد من طلب مبارزته هي امرأة، كما أشار الرجل أنها كانت تحمل سيف لونه أبيض يتلألأ وسط ساحة المعركة، وبالرغم من أنه كان يدرك أنه يحلم إلا أنه فزع من الشخصية التي كان عليها في الحلم، إذ كان يبدو وكأنه يحمل شخصية غير تلك التي هو عليها في الواقع.
وقد كان يعلم في معتقداته القديمة أنه إذا رأى الإنسان نفسه بشخصية أخرى، بأنه سوف يموت، وفي تلك اللحظة ساوره شعور بأن تلك المرأة سوف تنهي عليه، فقد كان سلاحها سيف، ولكنه على شكل منشار، إذ تمت صناعته وصياغته في شكل عريض، إذ كان يشبه المنشار الذي يستخدمه قاطع أخشاب لقطع الأشجار الضخمة.
في تلك اللحظة نسيت رغبته وحاجته في الذهاب إلى الحمام، إذ أنه توحد في شخصيته الثانية وبدأ في المبارزة مع المرأة، بدا يظهر سيفها وكأنه أحد الحلى العريضة، وفي كل مرة يرتطم سيفه بسيفها، واستمر معها لفترة على هذا الحال، وفي نهاية المبارزة تحول سيف المرأة إلى منشار حقيقي، وهنا بدأ الجموع يرددون بمجموعة من الكلمات الواضحة على مسمعه: وجد المنشار.
وهنا أصبح الأمر غريبًا عليه، إذ أصبح يبارز في سيف مقابل منشار، وهنا بدأت في نظرة أنها معركة حقيقة، لكنه استمر يهوي بالسيف ويطعن به، وهنا يشعر في لحظة ما أنه ينظر وهو شارد الذهن إلى مشهد المبارزة وكأنه يحدث في فيلم سينمائي، وهنا أمسك بالمنشار بين قدميه وارتمى في وسط ساحة المعركة وهنا حاولت المرأة أن تحصل على المنشار، لكنها لا تقوى على ذلك وهمّ بضربها وتعنيفها، وهنا أشارت إليه أنها حامل في طفل وأن هذا سبب عجزها عن المدافعة عن نفسها.
وفي تلك اللحظة تم نقل المرأة حتى تضع وليدها في أحد الكهوف الواقعة على شواطئ يوزاكي في شبة الجزيرة كاي، وهنا عزم الرجل على الركض بشكل سريع جداً خلفها؛ إذ أراد أن يشاهد مولودها وقد كان حينها الطفل غافياً داخل كهف الذي يقع عند طرف قنة الجبل، وهنا بدت رائحة الأمواج المتكسرة على الشاطئ مثل كأنها ضوء أخضر.
وفي تلك الأثناء كانت الابتسامة تشع على وجه المرأة، وقالت: إن ولادة طفل ما هو إلا أمر سهل للغاية، وهنا أمسك الرجل بكتف المرأة وقال: دعينا نخبر جميع النساء في العالم أن أمر الولادة وإنجاب طفل ما هو إلا أمر سهل ويسير، وأكمل قوله بسؤالها: هل تقوين على ذلك؟ وقد أشار في تلك اللحظة أنه كان هناك في الكهف أيضاً امرأة أخرى، فأشارت المرأة التي كان يحدثها أنها سوف توكل هذا الأمر إلى الامرأة الأخرى في الكهف.
وفي ذلك الوقف استيقظ الرجل من نومه، وقد ذكر أنه تلك المرأة التي رآها في الحلم كان قد شاهدها في الحقيقة منذ خمس سنوات، ولكنه لا يعلم أين تقطن الآن وماذا حلّ بها، ولم يكن يعلم في الحقيقة أنها قد أنجبت أطفال أم لا، ولكنني شعر بأن هذه الرؤية قد أشارت إلى العلاقة التي كانت تربطه بها في الماضي، بقيت تلك الذكرى خالده في ذهنه، وربما أنها في مكان آخر في هذا الوقت تنجب طفلاً بعد زواجها من رجل آخر.