قصة النصائح الخمس الحكيمة لجورو ( THE FIVE WISE WORDS OF THE GURU) قصة خيالية أدرجها أندرو لانغ في كتاب جنيات الزيتونة.
الشخصيات:
- الشاب رام سينغ.
- الحكيم جورو.
- رئيس الوزراء الراجا.
- أخو الراجا الشرير.
قصة النصائح الخمس الحكيمة لجورو:
عاش هناك شاب وسيم يُدعى رام سينغ الذي رغم أنه مفضل لدى الجميع، كان غير سعيد لأنه كان يوبخ كثيرًا من زوجة أبيه التي استمرت في توبيخه يوميًا طوال اليوم لدرجة أنه قرر الذهاب إلى مكان ما والبحث عن عمل وحياة خاصة به، وفي صباح اليوم التالي بدأ بوضع ملابسة وقليل من المال في جيبه.
ولكن كان هناك شخص واحد في القرية كان يرغب الشاب في أن يودعه وهو معلم عجوز حكيم علمه الكثير، لذا توجه رام سينغ أولاً نحو كوخ سيده، وطرق بابه حيث استقبل الرجل العجوز تلميذه بمودة، ولكنه كان حكيمًا في قراءة الوجوه فرأى في الحال أن الشاب كان في ورطة.
قال: يا بني ما الأمر؟ أجاب الشاب: لا شيء يا أبي، لكنني قررت أن أسافر إلى بلد آخر وأبحث عن عمل، فقال الحكيم جورو: يا بني ابق في بيت أبيك، من الأفضل أن يكون لديك نصف رغيف في المنزل بدلاً من البحث عن رغيف كامل في بلاد بعيدة، لكن رام سينغ لم يكن في حالة مزاجية تسمح له بالاستماع إلى هذه النصيحة، وسرعان ما توقف الرجل العجوز عن الضغط عليه.
قال أخيرًا: حسنًا، إذا اتخذ عقلك قرارًا أفترض أنه يجب أن يكون لديك ما تريد، لكن استمع جيدًا وتذكر خمس نصائح فراق سأقدمها لك، وان حفظتها لا يصيبك شر، أولاً: أطِع دائمًا أوامر من تدخل خدمته دون أدنى شك، ثانيًا، لا تتحدث بقسوة أو بفظاظة مع أي شخص، ثالثًا، لا تكذب أبدًا، رابعًا، لا تحاول أبدًا أن تظهر على قدم المساواة مع من هم فوقك في المستوى، والخامسة، أينما ذهبت، إذا قابلت أولئك الذين يقرؤون أو يعلمون من الكتب المقدسة، فابق واستمع حتى وإن كان لبضع دقائق.
ثم بدأ رام سينغ رحلته، واعدًا أن يضع في اعتباره كلمات الرجل العجوز، وبعد أيام جاء إلى مدينة عظيمة، ولقد أنفق كل الأموال التي كان لديه في البداية وبالتالي عقد العزم على البحث عن عمل مهما كان متواضعا، ثمّ رأى رام سينغ وهو يقف أمام متجر مليء بالحبوب من جميع الأنواع وسأل صاحبه عما إذا كان بإمكانه إعطائه أي شيء ليفعله، ثمّ نظر إليه التاجر طويلاً حتى بدأ الشاب يفقد قلبه.
لكنه أجاب مطولاً: نعم بالطبع، هناك مكان في انتظارك، سأل رام سينغ: ماذا تعني؟ أجاب الرجل: قام رئيس الوزراء راجا أمس بطرد خادمه وهو يريد آخر، أنت من النوع الذي يحتاجه، لأنك شاب وطويل ووسيم، أنصحك بالتقدم هناك، فشكر التاجر على هذه النصيحة، وانطلق الشاب على الفور إلى منزل الوزير وسرعان ما استطاع بفضل مظهره الجميل أن يكون خادم الرجل العظيم.
ذات يوم، بعد ذلك بوقت قصير خرج الراجا في رحلة ورافقه رئيس الوزراء، وكان معهم جيش من الخدم والجنود والبغال وسائقي الجمال وتجار الحبوب ومغنين للترفيه في الطريق وموسيقيين يرافقونهم إلى جانب الفيلة والإبل والخيول والبغال والحمير والماعز والعربات من كل نوع ووصف بحيث بدت وكأنها مدينة كاملة في المسيرة.
وهكذا سافروا عدة أيام حتى دخلوا إلى أرض مثل بحر من الرمال حيث كان الغبار يطفو في السحب، واختنق به نصف الناس والوحوش، وقرب نهاية ذلك اليوم جاؤوا إلى قرية، وعندما سارع المسؤولون إلى إلقاء التحية على الراجا بوجوه جادة للغاية، إنّ مجيء أعداد كبيرة جدًا من الرفقة مع الراجا قد وضع الناس في ذلك المكان في صعوبة مروعة لأنهم لم يكن لديهم بئر أو نبع ماء في بلادهم، ولم يكن لديهم ماء ليقدموه لمثل هذا الجيش من الرجال والوحوش.
ثمّ أخبر الراجا الوزير أنه يجب أن يحصل على الماء بطريقة ما، أرسل الوزير على عجل إلى جميع كبار السن في المكان، وبدأ يسألهم عما إذا كانت هناك آبار قريبة حيث كانوا جميعًا ينظرون إلى بعضهم البعض بلا حول ولا قوة، ولا يقولون شيئًا، ولكن بإسهاب أجاب أحد كبار السن، وقال: حقًا، سيدي وزير هناك على بعد ميل أو ميلين من هذه القرية بئر صنعه ملوك سابقون منذ مئات السنين، ويقولون، إنه عظيم ولا ينضب، مغطاة بأبنية حجرية ثقيلة وبسلسلة من الدرجات تؤدي إلى الماء في أحشاء الأرض، لكن لا أحد يقترب منها أبدًا لأن الأرواح الشريرة تطارده، ومن المعروف أن من يختفي في البئر لن يُرى مرة أخرى.
التفت الوزير إلى رام سينغ الذي وقف خلف كرسيه، ثمّ قال: هناك مثل يقول، أنه لا يمكن الوثوق بأي إنسان حتى يجرب، اذهب انت واحضر للراجا وقومه ماء من هذه البئر، ثم حظرت في ذهن رام سينغ النصيحة الأولى للمعلم القديم، وهي أطِع دائمًا أوامر من تدخل خدمته دون سؤال.
فأجاب على الفور أنه كان جاهزًا، وغادر للاستعداد لمغامرته، قام بتثبيت إنائين كبيرين نحاسيين في بغل اثنتان صغيرتان وثبتهما على كتفيه، ومن ثم انطلق مع القروي العجوز ليكون مرشده وفي وقت قصير وصلوا إلى مكان كانت فيه بعض الأشجار الكبيرة تعلو فوق أرض قاحلة، بينما كانت تحت ظلها قبة مبنى قديم، هذا المرشد أشار إلى البئر، لكنه اعتذر عن الذهاب إلى أبعد من ذلك لأنه كان رجلاً عجوزًا ومرهقًا، فلا بد أن يعود إلى المنزل، لذا ودعه رام سينغ وذهب وحده مع البغل.
عند وصوله إلى الأشجار، قام رام سينغ بتقييد حصانه ورفع الأواني من كتفه، ووجد فتحة البئر التي امتدت منها مجموعة من الدرجات التي أدت إلى الظلام، كانت الدرجات عبارة عن ألواح بيضاء عريضة من المرمر تتلألأ في الظل وهو يتجه نحو الأسفل، كان كل شيء صامتا جدًا حتى صوت قدميه العاريتين على الرصيف بدا وكأنه يوقظ صدى في ذلك المكان المنعزل، وعندما انزلقت إحدى الأواني التي كان يحملها على الدرجات ترنحت بصوت عالٍ لدرجة أنه قفز من الضوضاء.
ومع ذلك استمر حتى وصل أخيرًا إلى بركة واسعة من المياه العذبة، وهناك غسل الاواني بعناية قبل أن يملأها، وبدأ في إعادة صعود الدرج بالأواني الأخف، حيث كانت الأوعية الكبيرة ثقيلة جدًا لدرجة أنه استطاع تناول واحدًا تلو الآخر، وفجأة تحرك شيء فوقه، ونظر إلى أعلى فرأى عملاقًا كبيرًا يقف على السلم! وفي إحدى يديه كان يمسك كتلة مرعبة من العظام، وفي الأخرى كان مصباح يلقي بظلاله الطويلة على الجدران ويجعله يبدو أكثر فظاعة.
قال العملاق: ما رأيك أيها الفاني بزوجتي الحسناء والحبيبة؟ وأمسك الضوء باتجاه العظام بين ذراعيه ونظر إليهم بحب، والآن يجب أن أخبرك أن هذا العملاق المسكين كانت له زوجة جميلة جدًا، كان يحبها كثيرًا، ولكن عندما ماتت رفض زوجها أن يؤمن بموتها ودائمًا ما حملها بعد فترة طويلة من تحولها إلى عظام، بالطبع لم يكن رام سينغ على علم بهذا، ولكن خطرت في ذهنه القول الحكيم الثاني للمعلم، والذي منعه من التحدث بقسوة أو عدم مراعاة للآخرين.
فأجاب: حقًا يا سيدي، أنا متأكد من أنك لن تجد مثلها في أي مكان آخر، بكى العملاق المبتهج وقال: آه، ما أجمل عيونك! يمكنك أن ترى على الأقل! لا أعرف كم مرة قتلت من أهانها بقوله إنها ليست كذلك، ثمّ ألقى العظام بحنان شديد وانتزع الأواني النحاسية الضخمة من رام سينغ وحملها بدلً منه، ثمّ قال العملاق: الآن، لقد أسعدتني وقد تطلب مني معروفًا وأي شيء تريده سأفعله لك، ربما تريدني أن أريك أين دفن كنز الملوك الموتى؟
لكن رام سينغ هز رأسه عند ذكر الثروة المدفونة، وقال: المعروف الذي سأطلبه هو أنك ستغادر هذه البئر حتى يتمكن الناس من الدخول والخروج والحصول على الماء، فأشرق وجه العملاق ووعده بالرحيل على الفور وبينما كان رام سينغ ينطلق في الظلام المتجمع بحمل الماء الثمين رأى العملاق يبتعد وعظام زوجته الميتة بين ذراعيه، كان الفرح عظيمًا في المخيم عندما عاد رام سينغ بالماء، ومع ذلك لم يقل أي شيء أبدًا عن مغامرته مع العملاق، لكنه أخبر الراجا فقط أنه لا يوجد شيء يمنع استخدام البئواستخدمه بعد ذلك الجميع بحرية.
كان الراجا مسرورًا جدًا برام سينغ لدرجة أنه أمر الوزير بإعطاء الشاب له مقابل أحد خدمه، لذلك أصبح رام سينغ خادم الراجا ومع مرور الأيام، أصبح الملك أكثر سعادة مع الشاب لأنه مع مراعاة النصيحة الثالثة للمعلم القديم، كان دائمًا صادقًا ويتحدث عن الحقيقة حتى جعله الراجا أخيرًا أمينًا لصندوقه، وبالتالي وصل إلى مكانة عالية في القصر وكان بين يديه الثروة والسلطة، ولكن لسوء الحظ، كان للراجا أخ كان رجلاً سيئًا للغاية، وظن هذا الأخ أنه إذا استطاع الفوز بكسب أمين الصندوق لجانبه، فقد يتمكن بهذه الطريقة شيئًا فشيئًا من سرقة أي من كنز الملك الذي يحتاجه.
و كان بإمكانه رشوة الجنود وبعض مستشاري الراجا، وقيادة تمرد وخلع شقيقه وقتله، وتسلمه العرش بدلاً من أخوه، لقد كان حذرًا جدًا من إخبار رام سينغ بكل هذه الخطط الشريرة لكنه بدأ بإطرائه كلما رآه وعرض عليه أخيرًا ابنته للزواج بها لكن رام سينغ تذكر النصيحة الرابعة للمعلم العجوز ألا تحاول أبدًا أن تظهر على قدم المساواة مع من هم فوقك، لذلك رفض بكل احترام شرف الزواج من أميرة.
بالطبع كان الأمير محتارًا وكان غاضبًا ومصممًا على القضاء على رام سينغ، عندما دخل في حضور الراجا أخبره قصة عن أن رام سينغ تحدث بكلمات مهينة ولابنته، فغضب الراجا بشدة وأحمر وجهه وهو يستمع، وأعلن أنه سيقطع رأس أمين الصندوق، وأضاف: لكني لا أريد أن يعرف أحد أن ذلك تم بناء على رغبتي، وأي شخص يذكر الموضوع سيعاقب بشدة.
ثم أرسل الراجا ضابطاً من حراسه، وأمره أن يأخذ بعض الجنود ويقودهم على الفور إلى برج يقع خارج المدينة وإذا جاء أي شخص للاستفسار عن موعد الانتهاء من البناء، أو يطرح أي أسئلة أخرى حول هذا الموضوع يجب على الضابط قطع رأسه وإحضاره إليه، أما الجثة فيمكن دفنها على الفور، اعتقد الضابط العجوز أن هذه التعليمات غريبة إلى حد ما ، لكنها لم تكن من اختصاصه فوجه التحية وذهب لتنفيذ طلب سيده.
في الصباح الباكر أرسل الراجا الذي لم ينام طوال الليل، إلى رام سينغ وأمره بالذهاب إلى برج الصيد الجديد وأخبره أن يسأل الناس هناك عن كيفية بناء هذا البرج ومتى سيكون على وشك الانتهاء، ثمّ ذهب رام سينغ في مهمته، ولكن على الطريق وبينما كان يمر بمعبد صغير في ضواحي المدينة، سمع شخصًا في الداخل يقرأ بصوت عالٍ وتذكر النصيحة الخامسة للمعلم، ادخل للتو واجلس للاستماع لمدة دقيقة ثمّ دخل ونسي نفسه لساعات هناك.
في غضون ذلك كان الأمير الشرير الذي لم يجرؤ على عصيان أمر الراجا يشعر بالخوف الشديد، ومرت الساعات وهو يحدق من النافذة لرؤية الرسول الذي سيأتي برأس رام سينغ، وأخيرًا لم يستطع الأمير تحمل الأنتظار بعد الآن، وتنكر على عجل حتى لا يتعرف عليه أحد وقفز على حصان وركض إلى برج الصيد حيث أخبره الراجا أن الإعدام سيتم تنفيذه.
لكن عندما وصل إلى هناك، لم يكن هناك إعدام ولم يكن هناك سوى بعض الرجال المنخرطين في البناء، وكان عدد من الجنود يراقبونهم مكتوفي الأيدي، فنسي أنه تنكر وأنه لن يعرفه أحد فصرخ وهو قادم نحوهم: الآن إذًا، أيها الرجال لماذا تتسكعون هنا بدلاً من إنهاء ما جئتم من أجله؟ متى سيتم ذلك؟ وبحسب كلماته نظر الجنود إلى القائد الذي كان يقف بعيدًا عن البقية، ثمّ قام بإشارة خفيفة وعلى الفور وجه له الجنود ضربة بسيفهم مما أطاح برأسه على الأرض تحته.
لم يتعرف الرجال على القتيل لأنه كان متنكراً، لكنهم لفوا الرأس بقطعة قماش ودفنوا الجسد كما أمرهم قائدهم، وأخذ الضابط الثوب وانطلق في اتجاه القصر و مع مرور الوقت أصبح الراجا غير مرتاح لعدم وجود أخوه بالقصر واعتقد أنه من الأفضل أن يذهب بنفسه ويرى ما هو الأمر، لذا طلب حصانه ركب بمفرده، وبمجرد اقتراب الراجا من المعبد حيث كان رام سينغ لا يزال جالسًا، نظر أمين الصندوق الشاب ورأى أن الراجا نفسه قادم نحوه! بعد أن شعر بالخجل الشديد من نفسه لأنه نسي مهمته قفز مسرعاً للقاء سيده الذي بدا مندهشًا جدًا لرؤيته.
في تلك اللحظة وصل ضابط الحارس حاملاً معه الرأس أمام الراجا بينما كان الراجا يراقبه بذهول واهتمام، عندما تم فك القماش عن الرأس وعرض رأس أخيه، قفز الراجا وأمسك بالجندي من ذراعه، وسأل الرجل عما حدث، وشيئًا فشيئًا انتابه شك قاتم تجاه أخيه الذي لم يلتزم بأوامره، وفي النهاية وجد الراجا من بعض الأوراق أدلة على غدر أخيه الميت، وأثبت رام سينغ برائته ونزاهته.
ثمّ استمر في خدمة الرجا لسنوات عديدة بإخلاص، وتزوج فتاة من مستواه في الحياة وكان يعيش معها بسعادة ، ومع الوقت علّم أولاده الأقوال الخمس الحكيمة للمعلم القديم.