ظهرت على مرّ العصور العديد من القصص والروايات التي تناقلتها الأجيال من جيل إلى جيل، وقد تم تصنيف تلك القصص على أنها منها ما كان من نسج الخيال، ومنها ما كان واقعي وحقيقي حدث مع الكاتب بالفعل، ومنها ما كان مقتبس من قصائد شعرية وقضايا عامة.
قصة الوليمة العجيبة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى البلاد البعيدة، حيث أنه إلى إحدى القرى من تلك البلاد كان قد وصل رجل يدعى الشاطر مرجان، وقد كان ذلك الرجل شاب في مقتبل العمر لديه هواية في حب الترحال والسفر عبر السهول والجبال والبحار، وبعد مضيه العديد من السنوات في المضي خلف مواهبه، قرر أن يستقر ويعود إلى وطنه الأصلي ويعيش فيه بسلام، وبينما هو يقطع المسافات الطويلة من أجل الوصول إلى بلده وصل في طريقه إلى إحدى المدن الكبيرة، وقد كان في ذلك الوقت مرهق تماماً من شدة التعب والجهد الذي قضاهم في الطريق، كما كان الجوع والعطش يتملكانه ويسيطران عليه بشكل كامل.
وفي تلك المدينة الكبيرة أخذ يبحث عن مكان أو مطعم يشتري منه بعض الطعام الذي يسد به رمقه؛ وذلك من أجل أن يقوى على متابعة مسيره، ولكن مما تفاجئ به هو أن بالرغم من كبر تلك المدينة، إلا أن لم يكن بها أي مطاعم على الاطلاق، إذ كان جميع السكان يعتمدون على أنفسهم في عمل الطعام وينتجون ما يحتاجونه من غذاء بأنفسهم، كما كانوا يأكلون في بيوتهم فقط، ولا يلجؤون إلى أكل المطاعم، وهنا بدأت الحيرة تسيطر على مرجان، وأخذ يفكر كيف له أن يحصل على الطعام والشراب وأين له أن يستريح من عناء التعب والمشقة في هذه المدينة الغريبة العجيبة.
وبينما كان يجلس على أحد مقاعد الشوارع في المدينة كان يجلس بجانبه رجل من تلك المدينة، وبدأ الرجل بسؤال مرجان عن حالة ومن أين جاء؟ وماذا يريد؟ فحدثه مرجان عن رحلته التي أمضاها لسنوات طويلة، وعن الحالة التي تصيبه في هذا الوقت، كما أخبره أنه يتضور جوعاً ويريد أن يحصل على الطعام والشراب ويريد مكان يستريح به من عناء التعب، وهنا قام الرجل بنصيحته في أن يذهب إلى قصر الحاكم فإنه رجل كريم ومعطاء وغني، كما أنه لديه من الخدم والطباخين الكثير، كما أن مطبخه يعج بالطعام اللذيذ والوفير من الطيور والفاكهة والأسماك وكل ما تشتهي النفس.
وأكمل الرجل حديثه بقوله: إنّ الحاكم رجل عطوف وحنون ولم يسبق له وأن رد طالباً على الاطلاق، فقد اشتهر بين الناس بحبه لعمل وفعل الخير وحبه لاستقبال الضيوف، وفي تلك الأثناء طلب الشاطر مرجان أن يدلي له بالمكان الذي يقع القصر به، وبالفعل قام الرجل بإخباره أن القصر يقع على أطراف المدينة، وعلى الفور هبّ الشاطر مرجان باتجاه الناحية التي يقع بها قصر حاكم المدينة، وعند وصوله دق باب القصر، وهنا رد عليه رجل يرتدي ملابس جميلة ونظيفة ومرتبة، فاعتقد أنه الحاكم، ولكن في تلك اللحظة أخبره الرجل أنه يعمل كخادم في القصر.
وهذا ما أثار تعجب الشاطر مرجان ثم بعد ذلك دخل القصر، وبدأ ينظر يميناً ويساراً وتعجب من أن كم هذا القصر جميل وبه وجدران لامعة تحيط به من جميع الجوانب، كما كان مفروش بأفخم أنواع السجاد الفاخر والستائر التي كانت مصنوعة من الحرير، بالإضافة إلى أنّ الجدران كانت مرصعة بالفيروز الأزرق، وبعد ذلك جلس الشاطر مرجان على كرسي مكسو من الحرير الناعم في انتظار الحاكم، ولما سمع الحاكم بأنه قد قدم له ضيف من مدينة غريبة إلى قصره، سرعان ما جاء حتى يرحب به بنفسه وينظر بأمره، وكان الحاكم من الرجال الذين يتصفون بالجمال الفائق ويمتلكون منظر مهيب، كما أنه يمتلك ملامح تظهر جماله بشكل واضح لكل من يراه، وقد كان في تلك الأثناء يرتدي عمامة مرصعة بالألماس والياقوت واللؤلؤ وتبدو أنها غاية في دقة الصنع والجمال.
وعند الجلوس قام الحاكم بالترحيب بالشاطر مرجان جلّ ترحيب، وفي ذلك الوقت قام مرجان بإخباره بأنه شخص غريب عن تلك المدينة، وأنه كان يسير لمسافات طويلة حتى وصل إليها، وهو يشعر بالجوع والظمأ الشديد، وهنا أخبره الحاكم أن هذا موعد تناوله للطعام وسيكون سعيد إذا شاركه مرجان في الأكل، فرح الشاطر مرجان وسرّ كثيراً؛ وذلك لأنه سوف يتناول مع الحاكم أطيب وأشهى المأكولات.
وبالفعل سرعان ما صفق الحاكم بيديه من أجل استدعاء الخادم حتى يحضر له إبريق الماء الذي بالعادة يغتسل به وكي يغتسل معه ضيفه كذلك، ولكن في ذلك الوقت لم يظهر الخادم ويلبي طلب الحاكم، وعلى أثر ذلك طلب الحاكم من الشاطر مرجان أن ينهض ويقوم معه من أجل أن يغسل يديه قبل الطعام، ولكن من الأمور الغريبة التي حدثت أنه لم يكن هناك ماء على الاطلاق، وعلى الرغم من ذلك كان الحاكم يتظاهر بأنه قام بغسل يديه، وهنا فعل مرجان تماماً مثل ما فعل الحاكم، فقد كان يعتقد أن الحاكم يمزح معه.
ثم بعد ذلك عاد الحاكم ونادى على الخادم مرة أخرى، وفي هذه المرة حتى يطلب منه أن يقوم بإحضار الطعام، ولكن حدث كما حدث في المرة السابقة، إذ لم يحضر أي خادم ولم يكن هناك أي طعام، وهنا فعل الحاكم ذات الشيء أيضًا، حيث تظاهر الحاكم بأنه يتناول طعام غير موجود في الأساس، وأخذ بمد يده إلى صحن لا يراه ولم يكن موجوداً على الاطلاق، كما كان في تلك اللحظة يدعو الشاطر مرجان حتى يهم بالأكل معه، حيث اضطر الشاطر مرجان إلى فعل مثلما يفعل الحاكم وتظاهر بأنه يأكل ويشرب.
وبعد الانتهاء من الطعام وجه الحاكم سؤال إلى الشاطر مرجان: ما رأيك بتلك الإوزة اللذيذة الموجودة على المائدة؟ وفي تلك اللحظة لم يكن الشاطر مرجان يشاهد أي نوع من أنواع الطعام على المائدة لا إوزة ولا غيرها، ولكنه أراد أن يتماشى مع كلام الحاكم وأجاب قائلًا: إنها بالفعل لذيذة جداً، وبعدها قدم شكره للحاكم على تلك الوليمة العجيبة ونهض حتى يكمل طريقه.
وهنا ضحك الحاكم بصوت عالي جدًا حتى سُمع صدى ضحكته في كافة أرجاء القصر وقال للشاطر مرجان: أي وليمة تعني؟ فلم يكن هناك وليمة على الاطلاق، اجلس يا رجل فقد كنت أبحث منذ زمن عن رجل يتمتع بهذا القدر الهائل من الصبر والحلم، ففي العادة أثناء سيطرة الجوع والعطش على الإنسان لا يكون يتحلى بالصبر أو الحلم أبداً، لهذا فقد كنت أنت الرجل الذي أبحث عنه، إذ أريد منك أن تستلم منصب وزير لشؤون التموين، وهنا شكر الشاطر مرجان الحاكم على الثقة التي وضعها به، وقال وهو تعتريه السعادة: ولكنني ما زلت جائعاً أيها الحاكم، وهنا عاد الملك إلى الضحك وقدم له أطيب المأكولات وأشهى الأطعمة وتناولوا الوليمة سوياً.